| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في جلسة استماع في «لجنة العلاقات الخارجية» طالت اكثر من ساعتين وتناوب فيها على الحديث عدد يتجاوز المعتاد من اعضاء الكونغرس من الحزبين قارب العشرين عضوا، ظهر ان الانقسام الاميركي حول سورية مازال عميقا، وان الرئيس باراك اوباما ما زال يتمتع بدعم لسياسته القاضية بالابتعاد قدر الامكان عن الغوص في ما يعتبره المستنقع السوري.
الديموقراطيون منقسمون بين مؤيد لادارة الرئيس باراك اوباما حول سورية وحول حلول واشنطن السياسية المزمعة، وبين مطالب بالتخلي تماما عن الشرق الاوسط بعد تجربة العراق، واستخدام الاموال المرصودة خارجيا في مشاريع تساهم في تقوية الوضع الاميركي الداخلي.
الجمهوريون، بدورهم، منقسمون الى اغلبية معارضة لسياسة اوباما، ومؤيدة لحرب العراق وللتدخل في سورية لحماية المصالح الاميركية والحلفاء، وخصوصا اسرائيل، وبين اقلية جمهورية صاعدة تعارض اي دور اميركي حول العالم، وتعتقد ان هكذا دور يتطلب حكومة كبيرة وانفاقا كثيرا فيما الحزب الجمهوري يقوم على فكرة الحكومة الصغيرة والضرائب المنخفضة التي لا تكفي لتمويل هذا النوع من السياسات حول العالم.
رئيسة اللجنة عضو الكونغرس من الحزب الجمهوري عن ولاية فلوريدا اليانا روس- ليتنن تنتمي الى المجموعة الاخيرة التي تطالب بتقليص نفقات السياسة الخارجية والدور الاميركي، ما يعني انها تجد نفسها متوافقة سياسيا مع اوباما والديموقراطيين من مؤيديه ممن يرفضون التدخل في سورية.
هكذا، لم يكن مفاجئا ان تفتح روس- ليتنن الجلسة بخطاب مقتضب شددت فيه على حصرية الحل السياسي للأزمة في سورية، وهو موقف كان متباينا بشكل واضح عن معظم زملائها الجمهوريين.
الخبراء الثلاثة الذين حاضروا في الجلسة تنوعت مواقفهم السياسية كذلك، ولمع من بينهم الباحث في «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» طوني بدران، الذي اعتبر ان مشكلة واشنطن تكمن في تركيزها على تفاصيل الصراع وعدم رؤيتها الصورة بشكل اكبر، وان على الولايات المتحدة ان تحدد هدفها، وان هذا الهدف يجب ان يكون «الحاق هزيمة استراتيجية بالنظام الايراني» في سورية.
الهزيمة الايرانية، تستتبع ضرورة تبني سياسة بناء سورية ما بعد بشار الاسد، وهذا يتضمن مؤتمرات سياسية واقتصادية وغيرها على شكل التي تنظمها او تشارك فيها واشنطن منذ اندلاع الثورة في منتصف مارس من العام 2011، حسب الباحث الاميركي.
وقال بدران ان الطريقة الاسرع لتحقيق الهدف الاميركي تكمن بضرب المطارات السورية واخراجها من الصورة، وبذلك تنقطع خطوط الامدادات الايرانية والروسية الى الاسد، وكذلك خطوط التموين التي تستخدمها قواته في ما بينها بسبب خطورة الطرق الارضية التي غالبا ما تتعرض لكمائن الثوار.
واعتبر بدران ان في سورية قرابة 25 مطارا مدنيا وعسكريا وان «عددا منها خارج الخدمة منذ ما قبل الثورة»، وعددا آخر يقع في المناطق التي يسيطر عليها الثوار.
وبالاجابة عن سؤال احد اعضاء الكونغرس حول المدة المطلوبة لانجاز عملية ضرب مطارات الاسد، نقلت نائبة رئيس مركز ابحاث «اميريكان انتبرايز انستيتيوت» دانيال بليتكا عن عسكريين قولهم انها عملية «تستغرق اياما» فقط. وتتضمن هذه العملية، استخدام صواريخ موجهة عن بعد بدلا من غارات جوية متكررة او اقامة حظر جوي تفرضه المقاتلات الاميركية.
بليتكا، شنت هجوما حادا على سياسة اوباما، وقالت «بغض النظر عن سورية، عندما يقول الرئيس ان على الاسد التنحي ولا يتنحى الاسد، وعندما يضع الرئيس خطوطا حمرا على استخدام الاسد للكيماوي ولا يلتزم بها، هذه التصرفات تهز مصداقية رئيس الولايات المتحدة، وترسل رسالة الى ايران مفادها ان اميركا غير جادة في اي شيء تقوله».
لكن الاعضاء من الديموقراطيين بادلوا بليتكا الهجوم باتهامها بأنها من «المحافظين الجدد» الذين ورطوا البلاد في حرب العراق، ما دفعها الى القول انها ما زالت تتمسك بتلك الحرب، وان دور اميركا يتضمن نشر مبادئها حول الحرية والعدالة والمساواة حول العالم.
وحاول احد الديموقراطيين انتزاع القول من الباحثة بأنه من الصعب تحديد من يمكن تسليحه من بين الثوار السوريين، ومنع وصول الاسلحة الى يد متطرفين منهم، فردت ان اجهزة الاستخبارات الاميركية بامكانها ان تحدد هوية معظم الثوار وتوجهاتهم السياسية.
وفي هذا السياق، قال بدران ان السعودية تلعب دورا ايجابيا في تسليح الثوار غير المتطرفين فقط، وان ذلك يتم في الغالب بالتنسيق مع الاستخبارات الاميركية والاردنية.
في مواجهة بليتكا من الخبراء شارك جون الترمان من «مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية»، وايد موقف روس - ليتنن والديموقراطيين، وقال ان «الخطر الرئيسي الذي يواجه قوة الولايات المتحدة حول العالم هو وضعها المالي داخليا».
وعارض الترمان اي تورط اميركي في سورية، وقال ان «ليس كل السوريين يريدون ان ينتهي نظام الاسد»، وان على الولايات المتحدة ان تدرك قصورها في التأثير على نتائج الامور حول العالم، رغم الامكانيات الهائلة التي تتمتع بها.
وختم الترمان ان ايران ليست بالقوة التي يتحدث عنها البعض، وان تكبير الدور الايراني يفيد الايرانيين ويكسبهم مؤيدين واصدقاء في المنطقة. وختم بالقول ان «الايرانيين خطر ممكن على اسرائيل، ولكنهم لا يشكلون خطرا عليها في الوقت الحالي».
كما تعرضت بليتكا لهجوم من الاعضاء الديموقراطيين ومديحا من زملائهم الجمهوريين، كذلك تعرض الترمان في المقابل لسيل من الانتقادات من الجمهوريين، وللاشادة من الديموقراطيين، في عملية اكدت انه على الرغم من ان عيون الكثيرين من الاميركيين مسلطة اليوم على الموضوع السوري وتاليا على الجلسة، الا ان السياسة الداخلية والمناوشات بين الحزبين مازالت حاضرة كذلك، ما يعني ان اي حركة اميركية جدية في الشأن السوري ما زالت تحتاج الى المزيد من الوقت والتبدلات في المشهد السياسي الداخلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق