| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في اقل من اسبوع، اصدر كل من الرئيس باراك أوباما ونائب مستشار الامن القومي بن رودز اربعة مواقف متناقضة حول سورية، فتحدث الرئيس عن «مصالح اميركا في سورية» حتى في غياب العامل الانساني، ليتراجع في ما بعد عن اقواله ويعتبر ان التدخل العسكري الأميركي لن يغير الكثير في مسار الامور.
في الوقت نفسه، بعد ان اكد رودز ان استخدام بشار الاسد الأسلحة النووية ادى الى تغيير في حسابات اوباما، عاد ليعبر امام الصحافيين عن موقف بلاده السابق بالقول ان ما تأمله واشنطن هو ان تنجح روسيا في اقناع نظام الاسد بحضور مؤتمر «جنيف -2» بشكل جدي.
التذبذب في المواقف واضطراب ادارة اوباما في السياسة الخارجية ليس جديدا، فهي أعلنت في الماضي خطة زيادة القوات في افغانستان وموعد انسحابها في الوقت نفسه، وشنت حربا في ليبيا ثم وصفتها بعملية اسناد للحلفاء الاوروبيين او «قيادة من الخلف»، ثم وضعت خطوطا حمراء في سورية استحال على كثيرين تحديدها، ثم اعلنت انقلابا في موقفها الاسبوع الماضي حول الاحداث في سورية، لتعد الى مواقعها كما يبدو هذا الاسبوع.
الاسبوع الماضي، عقدت الادارة الاميركية لقاءات على جميع المستويات من اجل التباحث في الازمة السورية، خصوصا بعد انتصار قوات الاسد و»حزب الله» في معركة القصير. ساد شعور بأن طابع الصراع السوري تغير، وان ايران صارت هي اللاعب الرئيسي فيه بدلا من الاسد. لذا، رأت واشنطن نفسها معنية في منع طهران من تحقيق انتصار.
هكذا، تم تحديد هدف السياسة الاميركية على الشكل التالي: قلب الموازين على الارض لمصلحة الثوار.
لكن قلب الموازين لا يعني بالضرورة الاطاحة بالاسد، بل اجباره على ارسال محاورين الى مؤتمر يناقشون فيه خروجه من الحكم، والتوصل الى حل سياسي وحكومة انتقالية، تحل مكان الاسد، وتشرف على تثبيت الوضع، واجراء انتخابات.
اما كيفية قلب الوضع العسكري في سورية فتركزت على امرين: تسليح الثوار، غالبا عن طريق حلفاء اميركا. لكن بعض المسؤولين، مثل وزير الخارجية جون كيري، ابدوا تحفظا على التسليح وحده، وقال كيري في لقاء اركان الادارة، برئاسة اوباما، ان في هذه المرحلة لا يكفي التسليح فحسب، بل على الادارة توجيه ضربة سريعة وخاطفة تؤدي الى «شلل في قدرات الاسد العسكرية التي تؤمن له تفوقا جويا وارضيا».
وفرضية قصور التسليح وحده والحاجة الى توجيه ضربة، خصوصا ضد مدارج الطائرات التي يستخدمها الاسد لاستلام الاسلحة ولشن غارات ضد الثوار، يتشارك فيها كيري مع كثيرين في العاصمة الاميركية، يتصدرهم اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري جون ماكين والديموقراطيان كارل ليفين وبوب مينينديز، رئيس لجنة الشؤون الخارجية.
لم يطلب كيري، ولا اي مسؤول او سياسي اميركي، قوات اميركية على الارض ولا فرض حظر جوي اميركي في سورية. فقط ضربة خاطفة، حتى من دون اختراق المجال الجوي السوري، تسهل للثوار استعادتهم لزمام المبادرة على الارض وتضعضع الاسد بشكل دراماتيكي، وهي فكرة استحسنها الحاضرون في اجتماع البيت الابيض، الا وزير الدفاع تشاك هيغل، ورئيس اركان الجيش مارتن ديمبسي، ومستشار الامن القومي توم دونيلون، وهو في طريقه الى التقاعد بعد اسابيع.
حسم اوباما النقاش بضرورة تسليح الثوار، بما ان فريق الامن القومي ابدا اجماعا على ذلك، وتم الاتفاق ان يذكر رودز ذلك في مؤتمر صحافي كان مقررا مسبقا من اجل الاعلان عن استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية.
اما الضربة الاميركية لاهداف قوات الاسد، فتم الاتفاق على تأجيل البت نحو ستة اسابيع حتى يتبين ان كان تسليح المعارضة سيؤدي الى نتائج على الارض من دونها. كذلك، ساد الشعور في اروقة القرار في الادارة وبين المتابعين ان اوباما سيستغل بيان اعلان استخدام الاسد للكيماوي، وتقارير صادرة عن الامم المتحدة تتحدث عن ارتكاب النظام جرائم ضد الانسانية، في حملة حشد سياسي وخارجي لتأمين غطاء لاي ضربة عسكرية مقبلة ضد اهداف الاسد.
تلقف الكونغرس والحزب الجمهوري ما بدا انقلابا في موقف اوباما حول سورية، ودعا ماكين الى الاسراع بتوجيه الضربة قبل فوات الاوان، فيما قال زعيم الغالبية الجمهورية في الكونغرس اريك كانتور انه وحزبه مستعدان للتعاون مع الرئيس «لحسم النزاع في سورية»، في اشارة الى الاستعداد لتوجيه الضربة العسكرية.
ومرت ايام قليلة، ولم يرسل اوباما اي وفود الى الكونغرس، ما اثار حنق الجمهوريين، فأطل تلفزيونيا رئيس لجنة الاستخبارات الجمهوري مايك روجرز، وهو من مؤيدي الضربة، ليوجه الانتقاد لاوباما بأنه لم يقدم اي خطة حتى الآن غير «خطته الاعلامية» للتعامل مع الوضع السوري.
في هذه الاثناء، وصل اوباما بلفاست للمشاركة في قمة الثمانية، وعقد لقاء مع بوتين تركز حول سورية، ووصفت كل المصادر الاميركية اللقاء بـ «غير المثمر»، فيما تحدث اوباما علنا عن تباين في الموقف مع الروس. وسيطر النقاش حول سورية على فترة العشاء الذي اقيم مساء الاثنين، وساد الانقسام، فأيدت اميركا وبريطانيا وفرنسا وكندا واليابان محاولة حسم النزاع في سورية، فيما عارضتها روسيا والمانيا وايطاليا.
لكن لسبب ما، خرج مسؤولو ادارة اوباما يتحدثون عن ايجابية نتائج لقاءات قمة الثمانية في الموضوع السوري، وفي الطريق الى برلين، قال رودز للصحافيين ان بيان القمة الذي تم التوافق عليه حول سورية «يمثل تلاق جيد في المواقف»، وان المفاوضات استمرت حتى الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وحتى الجلسة الختامية صباح الثلاثاء.
وفي تراجع واضح عن تصريحه، الاسبوع الماضي، حول حسابات اوباما التي تغيرت، قال رودز ان ممثلين عن اميركا وروسيا والامم المتحدة سيعقدون لقاء في جنيف الثلاثاء «لمناقشة من من الافرقاء في الحرب الاهلية السورية سيتمثلون في مؤتمر السلام المستقبلي».
واضاف رودز: «ما نريده في كل ذلك، بصراحة، هو اننا نريد ان يعمل الروس مع النظام (السوري) للتأكد من انهم سيأتون الى الطاولة بطريقة جدية».
لماذا تراجعت ادارة اوباما، او انها لم تتراجع، عن توجيه ضربة عسكرية الى قوات الاسد؟
يقول الكاتب جيفري غولدبرغ ان «ما يراه كيري وكثيرون على انه صراع بين ثوار قليلي الامكانيات والتدريب والتسليح من اجل الحصول على حريتهم من ايدي ديكتاتور شرير، يراه الجنرالات (الاميركيون) على انه حرب دينية بين حزب الله والقاعدة، ويعتقدون انه ليس على الولايات المتحدة ان تجازف بأخذها جهة في معركة بين منظمتين ارهابيتين مكروهتين»؟
هل يناور اوباما بمواقفه هذه؟ وهل «تخادع القوة العظمى»، على حسب تعبير عضو مجلس الامن القومي انتوني بلينكن، في مواقفها التي اوحت وكأن الضربة كادت ان تحصل في اية لحظة؟ المعلومات متضاربة في العاصمة الاميركية والمواقف تتغير مع مرور الساعات، اما الموقف النهائي، فيبدو انه حتى اوباما يتقلب في اتخاذه بين اسبوع واسبوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق