| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
«القوى العظمى لا تخادع». هذه العبارة هي التي كررها عضو مجلس الامن القومي انتوني بلينكن اثناء الاجتماعات المتكررة التي
عقدتها الادارة الاميركية حول الوضع في سورية على مدى الاسبوعين الماضيين.
وكان بلينكن يقصد انه «لا يمكن للولايات المتحدة ان تستخدم خطابا ضد الرئيس بشار الاسد اعنف لهجة مما تقوم به على الارض، وانه على واشنطن اقران قولها بافعال».
واللافت ان بلينكن يتمتع بمصداقية عالية جدا عندما يتعلق الامر بشؤون الشرق الاوسط، فهو كان ارفع مسؤول مكلف الملف العراقي اثناء ولاية الرئيس باراك اوباما الاولى. وكان بلينكن حينذاك يعمل مستشارا للأمن القومي لنائب الرئيس جو بيدن.
ومع بداية الولاية الثانية، تم نقل بلينكن الى الفريق الرئاسي، وصار عضوا في مجلس الامن القومي، فيما بدا وكأنه ترقية واستحسان لدوره في التعاطي مع موضوع العراق.
وبلينكن هو احد اصدقاء سفيرة اميركا في الامم المتحدة سوزان رايس، والتي من المقرر ان تتبوأ منصب مستشارة الامن القومي مطلع اغسطس. كذلك يتمتع بصداقة مع سامنتا باور التي ستخلف رايس في الامم المتحدة. وكان الثلاثة يعملون في مراكز ابحاث، ويصدرون احيانا ابحاثا مشتركة، قبل انضمامهم الى حملة المرشح اوباما الرئاسية، ثم دخولهم الادارة.
لكنه اثناء عمله مسؤولا للملف العراقي، تبنى بيلنكن مواقفا اثارت حفيظة كثيرين، فهو كان من اكثر المتمسكين بتأييد الولايات المتحدة لنوري المالكي، وواجه الاصوات التي اعتبرت ان رئيس الحكومة العراقي مقرب جدا من النظام في ايران وانه لا يصلح كي يكون صديقا لاميركا، بل انه على واشنطن ان تبحث عن حليف بديل.
وفي اطلالات متكررة في مراكز الابحاث، وفي جلسات عامة وخاصة، لم يتمسك بلينكن بالمالكي وبالتسوية التي توصلت اليها واشنطن في العراق فحسب، بل صار يردد ان على اميركا ان تتفهم موقف المالكي وعلاقته مع ايران، وان تعرف ان الاخير يحتاج الى علاقة مع الايرانيين، وان هذه العلاقة لن تأتي على حساب صداقته مع اميركا.
وكان بلينكن يردد حين تتم مفاتحته بموضوع قرب المالكي من طهران بالقول: «انظروا الى كمية النفط التي يضخها العراق، وقولوا لي كيف يخدم ذلك مصالح ايران التي صارت تخرج من السوق النفطية من دون عواقب بسبب مبيعات النفط العراقية».
وغالبا ما ردد المسؤولون، من امثال مستشار الامن القومي توم دونيلون، هذه العبارة للدفاع عن تمسك واشنطن بالمالكي. وتحولت معظم آراء بلينكن حول العراق الى الموقف الاميركي الرسمي الذي صار يردده المسؤولون في ادارة اوباما، خصوصا في مجلس الامن القومي.
على هذه الخلفية «المتفهمة» لمواقف المالكي القريبة من ايران، جاءت مواقف بلينكن حول سورية، واصراره على تسليح الثوار السوريين وتمسكه بموقف حاسم دعما لوزير الخارجية جون كيري، ورايس، حول ضرورة التدخل في سورية لقلب الموازين، مفاجأة لكثيرين.
حماسة بلينكن، الذي ينظر اليه على انه صاحب خبرة شرق اوسطية كبيرة بسبب توليه الملف العراقي، ساهمت لا شك في التسريع في التغيير الكبير الذي طال موقف اوباما وادارته عموما. ولكن رغم اهميتها، لم تكن وحدها، اذ اوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» ان «حلفاء اميركا لعبوا كذلك دورا اساسيا في تغيير نظرة واشنطن نحو دورها في سورية».
واكدت الصحيفة ان «الملك عبدالله (الثاني)، ووزير خارجية السعودية سعود الفيصل، ورئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان»، والثلاثة زاروا البيت الابيض في الاسابيع القليلة الماضية، «شرحوا للسيد اوباما ان الولايات المتحدة (بموقفها السابق) كانت تسمح لثلاثة من منافسيها الاساسيين في الشرق الاوسط -- ايران وروسيا والميليشيا اللبنانية حزب الله -- بالسيطرة على ساحة المعركة في سورية ومساعدة الرئيس (بشار) الاسد في قلب مكتسبات الثوار».
وختم ضيوف اوباما، حسب الصحيفة، بالقول ان «بقاء الاسد، سيقلب ميزان القوى في المنطقة لمصلحة طهران».
اذن، بفضل بلينكن، رأى اوباما ان سمعة بلاده كقوة عظمى على المحك بعدما وعدت بخروج الاسد ولم تف. وبفضل زواره من الحلفاء، رأى الرئيس الاميركي ان خياراته ليست بين تنظيم «القاعدة» والاسد، بل بين نفوذ اميركا وحلفائها، من جهة، ونفوذ ايران، من جهة اخرى.
هذه العوامل، الداخلية والخارجية، يبدو انها كانت اساسية في تغيير نظرة اوباما والتسبب في انقلاب موقفه نحو سورية. وجاء اعلان استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية، الخميس الماضي، مناسبة لاعلان التغيير في الموقف الاميركي، فالبيان الكيماوي، حسب مصادر الادارة، كان مقررا صدوره قبل ذلك باسابيع، ثم جاء التغيير في الموقف، فتم دمج الاثنين.
اما نتائج التغيير في الموقف الاميركي، فالارجح انها ستظهر في الايام والاسابيع المقبلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق