| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
فجأة، لم يعد الحديث عن ضربة عسكرية ضد اهداف تابعة للرئيس السوري بشار الاسد محظورا في العاصمة الاميركية، بل اصبح موضوع نقاش جدي.
ففي الوقت الذي وصل وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ في زيارة مستعجلة الى واشنطن، امس، وفي الوقت الذي كان المسؤول البريطاني يعقد لقاء مع نظيره الاميركي جون كيري، كان ممثل عن الحكومة الفرنسية يلتقي قيادة «الجيش السوري الحر» في تركيا، ويناقش تفاصيل تسليم شحنة من السلاح الى من تطلق عليهم واشنطن تسمية «الفئات المعتدلة» من الثوار.
هذه اللقاءات المتسارعة لم تأت من باب المصادفة، بل جاءت في سياق الاهتمام الاميركي غير المسبوق الذي استحوذت عليه الازمة السورية، على مدى الاسبوع الماضي، خصوصا بعد نجاح قوات الاسد و«حزب الله» في إلحاق هزيمة بالثوار في بلدة القصير السورية، ما دفع كيري الى الغاء معظم ارتباطاته، بما فيها رحلة كانت مقررة الى المنطقة هذا الاسبوع، وتخصيص اهتمامه للتباحث في تزويد الثوار السوريين بالسلاح المتطور، وتوجيه ضربة عسكرية اميركية الى اهداف قوات بشار الاسد.
وكان كيري قد التقى عددا كبيرا من الخبراء، الخميس الماضي، لاستطلاع رأيهم، ومما نقله هؤلاء عن المسؤول الاميركي اعتقاده ان تزويد الثوار بالسلاح وحده قد يكون اصبح «قليلا جدا... ومتأخرا جدا» من اجل قلب الموازين على الارض السورية، ما يحتم ضرورة «توجيه ضربة عسكرية تــؤدي الى شلل امكانات الاسد العسكرية».
وقال الخبراء ممن التقوا كيري انهم سمعوا منه، نقلا عن الرئيس باراك اوباما، قرارا حاسما بنية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا «قلب الموازين في سورية لمصلحة الثوار»، في مهلة لا تتعدى نهاية الصيف الحالي.
وعلمت «الراي» ان النقاش في واشنطن شمل الاسباب التي ستستند اليها هذه الدول عند اعلانها الضربة، وان الاتجاه الارجح هو الاستناد الى تقرير «لجنة التحقيق المستقلة» التابعة للامم المتحدة، والتي اصدرت تقريرا، الاسبوع الماضي، جاء فيه ان النظام السوري يشن هجمات منظمة وعن قصد ضد اهداف مدنية، وان هذه الهجمات ترقى الى كونها «جرائم ضد الانسانية» و«جرائم حرب» و«خرق فاضح للقانون الدولي لحقوق الانسان».
كذلك اورد المسؤول السابق عن الملف السوري والخبير حاليا في «مركز رفيق الحريري» في «مجلس الاطلسي» فريدريك هوف مطالعة اعتبر فيها انه في ظل اغلاق روسيا والصين مجلس الامن، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الاستناد الى المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة، والتي تجيز للدول الاعضاء استخدام القوة العسكرية «الى ان يتسنى لمجلس الامن اتخاذ الاجراءات الضرورية للحفاظ على السلام الدولي والامن».
وقال هوف ان ايران و«حزب الله» سيفعلان ما بوسعهما من اجل انقاذ «حليفهما الاصغر»، اي الاسد، وان على واشنطن ألا تعتقد ان توجيهها ضربة الى الاسد سيؤدي الى ردة فعل غير متوقعة، «فإيران في عهدة حكامها الحاليين ليست صديقة للولايات المتحدة، وحزب الله عدو معلن، ورؤيتهما ينهزمان في سورية يجب ألا تثير الحزن في نفس اي اميركي».
بدورها، اعتبرت الخبيرة آن ماري سلوتر، وهي سبق ان عملت رئيسة دائرة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، ان التدخل العسكري الاميركي في سورية صار ضروريا، على الاقل من ناحية «انسانية».
سلوتر، وهي من الخبراء الذين التقوا كيري الخميس، كتبت في مقالة: «كم حرب يجب ان تحدث حتى نفهم ان القتل يجر القتل... والناس الذين يشاهدون اولادهم واهاليهم يذبحون، ويشاهدون اغتصاب زوجاتهم وبناتهم واخواتهم، وتدمير منازلهم وحياتهم، لا ينسون، ويحملون الثأر في قلوبهم من جيل الى جيل، حتى يتم تحقيق شيء من العدالة».
وقالت سلوتر، وهي رئيسة مركز ابحاث «نيو اميركا فاوندايشن» اليساري المقرب من اوباما والديموقراطيين، ان «الديبلوماسية من دون تهديد حقيقي باستخدام القوة هي كلام فارغ». وتابعت ان اوباما يرغب في ان يعول على القوة المدنية اكثر من العسكرية في السياسة الدولية، «وهذا صحيح»، ولكن «استراتيجية اوباما في سورية تعني ان الولايات المتحدة وضعت جانبا واحدة من ابرز ادواتها في السياسة الخارجية، ما ادى الى خلق حافز لدى الحكومة السورية ومؤيديها بالاستمرار في القتال حتى يصبحوا في افضل وضع لهم من اجل التفاوض على تسوية، هذا اذا ما كان لديهم حافز للتفاوض اصلا».
وبينما يتصاعد النقاش حول كيفية التعامل مع الوضع في سورية، عقدت الوكالات الحكومية المعنية بالامر سلسلة لقاءات على مستوى كبار المسؤولين، هذا الاسبوع، وسرت انباء عن ان التقديرات الأولية لتكلفة العمل العسكري في سورية من المتوقع ان تبلغ نصف مليار دولار، وان تستغرق الضربة بين يـــــوم وثلاثـــــة ايــام.
كما يتكون شبه اجماع على ان الولايات المتحدة لن تعمل على تدمير الدفاعات الجوية للأسد، ومن ثم شن غارات متكررة، بل ان السيناريو الارجح هو اطلاق عدد من صواريخ «توما هوك» ضد اهداف الاسد، التي صار من شبه المؤكد انها ستشمل مقاتلاته، ومروحياته العسكرية، ومدارج الطائرات كافة، ومراكز القيادة العسكرية السورية ومراكز اتصالاتها، والتحصينات العسكرية، واماكن تمركز القوات.
وقال احد المحللين: «يتم تصميم الضربة الصاروخية بشكل انه بعدما ينجلي الغبار، ستــكون قوات الاسد قد تلقت ضربة موجعة جدا ادت الى شلل كل نقـــــاط تفوقـــــــها على الثوار، ما سيسمح للثوار بالتقدم وتسديد الضربات الموجعة على الارض».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق