| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
قد يكون الود منقطعا بين «حزب الله» وواشنطن التي تعتبره منظمة إرهابية، ولكن ذلك لا يمنع من تلاقيهما على دعم الجيش اللبناني، ففي خضم القتال الذي اندلع بين الجيش ومجموعة الشيخ احمد الاسير في صيدا الاسبوع الماضي، كتب مسؤول ملف لبنان في مكتب وزير الدفاع الاميركي اندرو اكسوم تغريدة على «تويتر» جاء فيها: «احب كيف يحث (حزب الله) اللبنانيين على دعم الجيش»، وأضاف متوجها بسؤال إلى أمين عام الحزب حسن نصرالله بالقول: «إذاً نحن الآن نتفق ان على الدولة احتكار العنف يا أبوهادي؟»
اتفاق الولايات المتحدة و«حزب الله» على دعم الجيش اللبناني، وقائده جان قهوجي الآن وربما مستقبلا في ادوار اخرى، قد يأتي من باب المصادفة، ولكن الموقف الأميركي في لبنان يبدو غير متناسق والسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. صحيح ان السياسة الخارجية متخبطة عموما في عهد الرئيس باراك اوباما، الا ان المواقف الاميركية في لبنان تبدو وكأنها صادرة عن حكومة اميركية غير تلك التي تدير السياسة تجاه سورية مثلا.
معركة صيدا الاسبوع الماضي اظهرت التناقضات الاميركية، فحماسة واشنطن لتصفية مجموعة الاسير لم تكن مبررة، خصوصا ان لا الاسير ولا مجموعته على لائحة الارهاب الاميركية، وهذه المجموعة لا تعدو كونها مجموعة مسلحة، شأنها في ذلك شأن مجموعات كثيرة اخرى مسلحة في لبنان من اقصى شماله إلى اقصى جنوبه، بعضها تعتبرها واشنطن ارهابية، وبعضها الآخر سبق ان تعرض للجيش اللبناني واوقع في صفوفه قتلى فيما لم يحرك الجيش ساكنا.
والتناقض الاميركي بين لبنان وسورية كان واضحا في الاجتماع الذي انعقد في بيروت بحضور السفيرة مورا كونيللي ونظرائها من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن. وتقول مصادر في العاصمة الاميركية انه اثناء الاجتماع المذكور، استمعت ممثلة واشنطن «باصغاء وتأييد إلى محاضرات السفير الروسي حول ضرورة نجاح الجيش اللبناني بالتصدي لخطر التطرف والارهاب الذي يهدد لبنان والمنطقة».
هذا لا يعني ان كونيللي تتصرف بمفردها في بيروت، ففي واشنطن تحدث رئيس الاركان الجنرال مارتن ديمبسي عن وجوب ارسال خبراء عسكريين لتدريب الجيش اللبناني، وهو نفس الجيش الذي كانت واشنطن قبل سنوات تخشى تسليمه مناظير ليلية وعتادا متنوعا خشية وقوعه في ايدي مقاتلي «حزب الله».
لكن يبدو ان محاربة الاسلاميين، متطرفين كانوا او غير متطرفين، تتصدر اولويات واشنطن، ما يعني ان الولايات المتحدة متمسكة بدعم الجيش اللبناني، حتى لو كان متحالفا مع «حزب الله»، بحسب البيان الحكومي اللبناني، بدلا من ان تطالب الجيش نفسه بفرض سيادة الحكومة وتطبيق قرارات مجلس الامن التي تدعو إلى نزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان، مثل القرارين 1559 و1701.
ويبدو ان غياب الرؤية لدى اوباما وتخبط سياسته الخارجية، حتى بحسب مقربين منه من امثال الصحافي دايفيد اغناتيوس، هو الذي يسمح لمسؤولين من كل الدرجات بتقديم آرائهم الشخصية المختلفة على انها السياسة الاميركية.
وكان اغناتيوس كتب، نهاية الاسبوع الماضي، مقالا حمل عنوان «سياسة اوباما الخارجية المحيرة»، تناول فيها ارتباك واشنطن في التعاطي مع ازمتي سورية ومصر.
هكذا، يصبح مفهوما ان احد مهندسي دعم الجيش اللبناني، مساعد وزير الدفاع السابق كولن كال، دعا اول من امس في مقابلة صحافية إلى «مساومة كبرى» مع ايران على اثر انتخاب حسن روحاني رئيسا لها، فيما الديبلوماسي الذي يرجح ان يشغل منصب سفير اميركا في بيروت، دايفيد هيل، كان عمل بالاشتراك مع كال في تصميم سياسة الدعم للجيش اللبناني.
وكان الاثنان عقدا مؤتمرا صحافيا بعد أشهر قليلة على انتخاب اوباما رئيسا، تحدثا فيه عن دور اللجنة العسكرية الاميركية - اللبنانية المشتركة التي تم انشاؤها قبل عام، وقال هيل: «رسالتنا هي ان الولايات المتحدة تلبي حاجات الجيش اللبناني ليقوم بالدور المنوط به، وهذا جزء من مجهود طويل الامد، فنحن لا نبني ميليشيا»، فيما اشاد كال بزيارة قهوجي إلى واشنطن في مارس 2009، وهي زيارة كررها قائد الجيش اللبناني في اوكتوبر 2011، وهي وتيرة زيارات غير مألوفة لقادة الجيش اللبناني إلى العاصمة الاميركية.
وبين كال وهيل ودعمهما شبه المطلق للمؤسسة العسكرية في لبنان، يأتي ما يبدو انه اعجاب شخصي يكيله اكسوم لـ «حزب الله»، اذ يطلق المسؤول الاميركي على نفسه اسم «ابو مقاومة»، وهذه كلها قد تكون دلائل على ان اميركا و«حزب الله» لا يتفقان في دعمهما للجيش اللبناني فحسب، بل ان العداء الظاهر بينهما قد لا يكون بالشدة المفترضة عند كثيرين، رغم بعض الاختلافات في وجهات النظر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق