حسين عبدالحسين
ديفيد اغناتيوس هو نائب رئيس تحرير صحيفة "واشنطن بوست"، وهو صاحب رأي مسموع في السياسة الخارجية في العاصمة الاميركية بسبب خبرته الطويلة، والتي كانت لي فرصة مراقبتها عن كثب عندما قمت بمرافقته لاجراء مقابلة مع العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله في بيروت قبل نحو عقد.
واغناتيوس كان من اول المبشرين بباراك اوباما رئيسا للبلاد، معددا مزايا المرشح الشاب، متبنيا وعوده في تنفيذ الانسحاب الاميركي من العراق وافغانستان، وفي وضع "سياسة الانخراط" مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد موضع التنفيذ، وفي السعي للتوصل الى اتفاق نهائي للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
وفي كل تعثر لاوباما وادارته في السياسة الخارجية، كان اغناتيوس، وهو المعروف بعلاقاته مع ادارة اوباما وداخل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه)، من اول المدافعين والمبررين لاوباما وفريقه.
الاسبوع الماضي، كتب اغناتيوس مقالة حملت عنوان "سياسة أوباما المحيرة في الشرق الاوسط"، حمل فيها بشدة على الرئيس الاميركي لقطعه وعودا بتسليح المعارضة السورية، فيما يقول المعارضون انهم لم يتسلموا اي اسلحة حتى الآن.
وكتب اغناتيوس: "هذه غلطة. الرؤساء لا يقطعون وعودا بالمساعدة العسكرية ثم يتفرجون على حلفائهم وهم يتم سحقهم". ووصف المعلق الاميركي سياسة اوباما الساعية الى حل سياسي ودعم المعتدلين في وجه المتطرفين، سنة ام شيعة، بالصحيحة، مضيفا: "اذن دع ذلك يحدث... فعلى العاملين في البيت الابيض ان يسألوا انفسهم اثناء اجتماع الوكالات، كل صباح، ما الذي يمكنهم فعله لتنفيذ وعد الرئيس بمساعدة (سليم) ادريس والمعتدلين؟" وتابع اغناتيوس انه، كما في سوريا، كذلك في "مصر مثال محير آخر على سياسة اوباما الباطلة في الشرق الاوسط".
اغناتيوس ليس وحده من مؤيدي اوباما المحبطين.
فرد هوف، وهو دبلوماسي مخضرم انضم الى فريق مبعوث السلام السابق الى الشرق الاوسط جورج ميتشل بصفة مسؤول عن المسار السوري، واجه انتقادات متكررة حول "سياسة الانخراط" التي انتهجتها الحكومة الاميركية نحو الاسد والتي كانت ترتكز على مبدأ "ابعاد الاسد عن ايران" بعد اعادة الجولان الى السيادة السورية والتوصل الى معاهدة سلام بين الاسد والاسرائيليين.
لكن بعد تعثر عملية السلام برمتها، وبعد اعتراف اوباما لصحيفة "نيويورك تايمز" ان موضوع الصراع العربي الاسرائيلي والسلام اعقد بكثير مما كان يتصور، بقي هوف في منصبه من دون عمل حتى اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، فانخرط الى جانب السفير السابق في سوريا روبرت فورد ومساعد وزيرة الخارجية السابق لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان في متابعة "الملف السوري" حتى خروجه من الادارة قبل اقل من عام.
وهوف كان من اول المدافعين عن سياسة اوباما حول سوريا، مقللا من شأن التدخل العسكري، ومحذرا من التسليح من دون تحديد المعتدلين من بين الفئات المعارضة.
لكن هوف كتب في موقع "مركز رفيق الحريري" التابع لمركز ابحاث "مجلس الاطلسي"، حيث يعمل خبيرا، مقالة قال فيها انه يبدو ان "الاضطراب" هو سمة سياسة اوباما الحالية نحو سوريا.
وقال هوف: "بعض المسؤولين يقترحون عقد مؤتمر جينيف كغاية بذاتها، على الرغم من كون الفكرة انسب كي تكون جزء من استراتيجية اكبر". واضاف: "البعض الآخر يعطون اهمية لأمن الاسلحة الكيماوية وتحييد دور عناصر (تنظيم) القاعدة، وهي حجج يستخدمها بشار الاسد لاستعراض الفوائد المزعومة لانتصاره، متجاهلين طبعا التعاون الطويل الامد بين الاستخبارات السورية والقاعدة في العراق".
وختم هوف: "قبل استشارة الكونغرس والحلفاء (حول سوريا)، الاجدى بالادارة أن تقرر داخليا فيما بينها ما الذي تريد تحقيقه في سوريا، وكيف تنوي تحقيقه".
لا شك ان باراك اوباما كان، وما زال، خطيبا مفوها ورجلا صاحب كاريزما حولته الى ظاهرة سحرت الكثيرين في الولايات المتحدة وحول العالم. لكن لا شك ايضا ان ليس كل صاحب كاريزما يتمتع بسؤدد الرأي، وحكمة القرار، وحنكة التنفيذ، فالرجل لم يقلص دور اميركا في العالم فحسب، بل ساهم في ضعضعة حزبه الى حد ان اعضاء الكونغرس من الديموقراطيين صاروا يبتعدون عن اجندته، ومن قبيل ذلك الهزيمة التي مني بها تشريع الرئيس حول قانون تنظيم السلاح الفردي مؤخرا، كما تشريعات رئاسية عديدة اخرى.
وقد يكون اوباما رئيسا مرتبكا ومترددا في السياسة الخارجية، وقد لا يكون، ولكن ان يطل اثنان من ابرز مؤيديه من المخضرمين في السياسة الخارجية في واشنطن، ويصف الاول سياسة اوباما الشرق اوسطية بالمحيرة، فيما يصفها الثاني بالمضطربة، ففي ذلك دلالة على تخبط اوباما خارجيا بشكل لا يفسح الكثير من المجال للشك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق