واشنطن - من حسين عبدالحسين
لعل أبرز ما انتهت إليه القمة التي جمعت قادة مجلس التعاون الخليجي والرئيس باراك أوباما في كامب ديفيد هو تأكيد الولايات المتحدة استعدادها «للعمل مع دول مجلس التعاون الخليجي لردع ومواجهة أي تهديد خارجي لوحدة أراضي أي دولة من دول المجلس»، وأنها «تقف على أهبة الاستعداد للعمل مع الشركاء في مجلس التعاون لتحديد ما العمل الذي سيكون مناسباً على وجه السرعة».
ومع عودة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح أمس إلى البلاد بعد مشاركته في القمة التي دامت يومين في البيت الابيض ومنتجع كامب ديفيد الرئاسي، وبقية القادة الخليجيين إلى بلدانهم، انشغل المراقبون في تحليل نتائج القمة التي لم تخل من تناقضات.
وفي قراءة كويتية للقمة، لخص النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح نتائجها بأنها كانت مثمرة وبحثت سبل إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقال الشيخ صباح الخالد في قاعدة أندروز الجوية قبيل مغادرة الوفد الكويتي عائداً الى البلاد إن القمة «أتت بنتائج إيجابية ومثمرة تباحث فيها الطرفان وبصراحة أهم القضايا الإقليمية وسبل إيجاد الحلول السلمية لها وتعزيز أمن واستقرار المنطقة».
ولفت الى ان سمو أمير البلاد وقادة دول الخليج العربية بحثوا والرئيس الأميركي باراك أوباما القضايا الإقليمية في اليمن والعراق وسورية وليبيا وسبل دعم عملية السلام في الشرق الأوسط الى جانب بحث الشراكة الاستراتيجية والتعاون الأمني والعسكري الخليجي - الأميركي.
وذكر أن الرئيس أوباما أكد التزام بلاده بأمن واستقرار المنطقة ونموها وازدهارها، مشيراً الى أن الولايات المتحدة قوة في العالم وعضوة في مجلس الأمن «نستفيد من تبادل وجهات النظر والتباحث حول تعميق الشراكة معها».
وأكد البيان الختامي للقمة أن المجتمعين «شددوا على أن اتفاقية شاملة ويمكن التأكد من تطبيقها، وتعالج الهموم الإقليمية والدولية حول برنامج إيران النووي، هي في مصلحة دول مجلس التعاون، والولايات المتحدة، والمجتمع الدولي».
وعبارة تأييد دول الخليج لاتفاقية نووية مع إيران، قبل التوصل الفعلي الى هكذا اتفاقية، هي العبارة التي أراد أوباما تثبيتها في البيان الختامي للقمة، وهي العبارة التي سربتها الإدارة قبل القمة بأيام، ما أدى على الأرجح الى امتناع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عن الحضور، حسب بعض الخبراء.
أوباما حاول شرح الموضوع اثناء مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد القمة، وقال فيه: «لم يكن لدينا وثيقة نقدمها لهم حتى يوقعوا عليها لأن الاتفاقية لم تكتمل، وكما أني لم أطلب من مجلس الشيوخ او الشعب الأميركي التوقيع على شيء قبل أن يروا تفاصيله، وبما أني انا لن أوقع على ما لم أر تفاصيله، لذلك لا اتوقعهم أن يوقعوا».
وكرر أوباما ما جاء في البيان بالقول: «ما سمعته من حلفائنا في دول مجلس التعاون هو موافقتهم في حال حصلنا على اتفاقية شاملة ويمكن التأكد منها تقطع كل السبل الى سلاح نووي، ان ذلك سيكون في مصلحتهم، ومصلحة المنطقة والعالم».
لكن ما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لم يتطابق مع ما قاله أوباما، اذ قال الجبير ان البحث تناول «تدخل إيران السلبي في المنطقة، وكيفية العمل معاً لحل المشاكل الإقليمية في أماكن مثل سورية والعراق وليبيا»، مضيفاً: «نحن نرحب بالمحادثات حول البرنامج النووي بين مجموعة دول خمس زائد واحد وإيران، وقد تم التأكيد لنا أن الهدف هو منع إيران من القدرة على الحصول على سلاح نووي، وأن كل السبل الى سلاح نووي سيتم اغلاقها».
وختم الوزير السعودي بالقول: «سوف نتابع المحادثات ونرى قبل أن نحكم ان كان الإيرانيون سيفعلون المطلوب للتوصل لاتفاقية ام لا».
الى جانب ذلك، و«هجوم الجاذبية» الذي نفذه أوباما بمنحه الاعلام السعودي لقاءات خاصة على مدى الأسبوع الماضي، سيطرت «نقاط الكلام» الأميركية على البيان الختامي للقمة، فترتيب الأولويات جاء حسبما تتمنى واشنطن، فتصدرت الموافقة الخليجية على الاتفاقية النووية المزمع توقيعها، ووردت تحت بند التعاون الأمني الخليجي - الأميركي. تلى ذلك بند عن تعاون أميركي - خليجي لمكافحة الإرهاب، خصوصاً كبح أي أموال خاصة قد تصل الى أيدي مجموعات مسلحة في سورية، إرهابية أم غير إرهابية.
اما البند الثالث، وهو الذي يتصدر أولويات الخليج، فتحدث عن المشاكل الإقليمية في العراق وسورية واليمن، وضرورة التصدي للتدخل الإيراني. حتى في هذا البند، لم يفت إدارة أوباما تذكير السعودية بضرورة التشاور مع واشنطن قبل القيام بأي عمل عسكري «خارج حدود مجلس التعاون»، على افتراض أن أميركا معنية بتزويد الحكومات الخليجية بالعتاد وقطع الغيار.
عن التدخل الايراني، ورد في البيان الختامي أن «الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي تعارض، وستعمل معاً لمكافحة نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
وأضاف البيان أن المجتمعين «شددوا على ضرورة انخراط إيران في المنطقة وفقاً لمبادئ حسن الجوار»، وأن تتخذ إيران «خطوات عملية لبناء الثقة وحل خلافاتها مع الجيران بالوسائل السلمية».
لكن البيان لم يحدد ماهية أو طبيعة النشاطات الإيرانية التي يتوجب مكافحتها، واكتفى بوصفها نشاطات «مزعزعة للاستقرار». واعتبر البيان أن الحل مبني على انخراط إيراني في الحلول، وهو ما يعكس الاقوال التي أدلى بها كبار مسؤولي إدارة أوباما، عشية انعقاد القمة، عندما تحدثوا عن ضرورة التوصل الى ترتيبات أمنية بين دول الخليج وإيران.
أوباما نفسه تطرق الى الموقف من إيران بالقول: «الهدف من التعاون الأمني ليس مواجهة طويلة الأمد مع ايران أو حتى تهميش ايران، فلا أحد من دولنا لديه مصلحة في صراع مفتوح الأمد مع ايران». وأضاف أوباما: «نحن نرحب بإيران لتلعب دوراً مسؤولاً في المنطقة».
وفي البيان النهائي وموقف أوباما تباين واضح مع موقف دول، مثل السعودية، ترفض إعطاء إيران حق التدخل في الشؤون العربية.
ولم تكد الإدارة الأميركية تصدر نص البيان الختامي حتى ألحقته بملحق جاء نصه شبيهاً بما ورد في البيان الختامي، مع فارق انه تضمن فقرات أوحت وكأن أوباما يقدم صيغة شبيهة لـ «عقيدة كارتر» للتدخل العسكري السريع في منطقة الخليج في حال اقتضت الحاجة.
وقدم البيان حرب تحرير الكويت في العام 1991 كمثال على التدخل الأميركي دفاعاً عن السيادة والمصالح الخليجية.
وبرز تناقض في الموقف من سورية، اذ على الرغم من أن قول أوباما إن هدفه في سورية هو «عملية سياسية انتقالية نحو حكومة سورية جامعة، من دون بشار الأسد، تخدم كل السوريين» أوحى وكأن تغييراً طرأ على الموقف الأميركي، الا ان استثناء أوباما للرئيس السوري كان من «الحكومة الجامعة»، لا من العملية الانتقالية، ما يعني ان واشنطن مازالت متمسكة بموقفها من ضرورة بقاء الأسد حتى تسليمه السلطة.
ومما قاله الرئيس الأميركي انه وضيوفه «ملتزمون الاستمرار بتقوية المعارضة (السورية) المعتدلة لتواجه كل مجموعات العنف المتطرف»، أي أن الرئيس الأميركي لا يعتقد أن مجهود تدريب وتسليح المعارضة يجب أن يواجه الاثنين معاً، التنظيمات الإرهابية وقوات الأسد، حسبما تطالب دول خليجية مثل السعودية وقطر، ومعهم تركيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق