الأحد، 31 مايو 2015

جفاف كاليفورنيا يهدد اقتصاد كبرى ولايات أميركا

حسين عبدالحسين - واشنطن

بدأت ولاية كاليفورنيا الأميركية تنفيذ برنامج تقشف متشدد في استخدام المياه بسبب الجفاف القاسي الذي تشهده منذ سنوات. وكان حاكم الولاية جيري براون أصدر مرسوماً تنفيذياً مطلع نيسان (أبريل) الماضي، فرض بموجبه التقشف في استخدام المياه بنسبة ٢٥ في المئة في الولاية.

ويتخوف الخبراء من أن يؤدي الجفاف إلى تراجع اقتصاد أكبر ولاية أميركية من حيث التعداد السكاني، والتي يعيش فيها حوالى 40 مليون شخص، فيما يبلغ ناتجها المحلي 2.3 تريليون دولار، ما يجعلها الاقتصاد السابع الأكبر في العالم، متقدمة على اقتصادات دول كبرى مثل البرازيل وروسيا وإيطاليا. وكان اقتصاد كاليفورنيا نما بنسبة 4 في المئة على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وحققت الموازنة فائضاً بلغ 5 بلايين دولار العام الماضي بعد سنوات من العجز، ما دفع حكومتها إلى التوقف عن تسديد رواتب موظفيها عام ٢٠٠٩.

وتحتضن كاليفورنيا «سيليكون فالي»، مقر أكبر شركات التكنولوجيا، مثل «أبل» و«فايسبوك» و«غوغل»، وتضم أيضاً هوليوود، مركز الصناعة السينمائية التي تعود على الولاية والبلاد بأرباح ضخمة سنوياً من عائدات أفلامها. وكانت التقارير المالية أشارت إلى أن نسبة العائدات على الاستثمار في شركات كاليفورنيا بلغت 106 في المئة العام الماضي، ما يجعلها في طليعة الشركات حول العالم.

لكن الولاية وهي صحراوية بطبيعتها، لا تشتهر بشركاتها الكبرى فحسب، بل تتصدر الولايات الأميركية في الإنتاج الزراعي، وهنا تكمن المشكلة. إذ إن 80 في المئة من استهلاك المياه في كاليفورنيا يذهب إلى القطاع الزراعي، فيما يستهلك السكان النسبة المتبقية. ويستهلك السكان الكمية الأكبر في ري العشب الأخضر الذي تزرعه غالبية الأميركيين أمام مداخل بيوتهم وفي حدائقهم وعلى جوانب الطرق.

وهكذا بدأت سلطات الولاية والجمعيات غير الحكومية شنّ حملات توعية لتشجيع السكان على استبدال مساحاتهم العشبية بنباتات محلية صحراوية، تتطلب كميات مائية أقل. وعرضت الولاية أيضاً بذوراً لزرع عشب أخضر يستهلك أقل كمية ممكنة من المياه، فضلاً عن المساهمة في كلفة استبدال مراحيض دورات المياه في البيوت والمؤسسات الخاصة والعامة.

وينقسم الاقتصاديون الأميركيون حول الآثار الممكنة للجفاف على اقتصاد الولاية، إذ يعتبر فريق منهم أن الجفاف دائم وسببه التغيرات المناخية التي تسببها ظاهرة الاحتباس الحراري، ومن بين هؤلاء براون نفسه، الذي دعا سكان الولاية إلى بدء التأقلم مع «الوضع الجديد». فيما يرى اقتصاديون آخرون وتحديداً من «الحزب الجمهوري»، أن الجفاف دوري لأن الولاية سبق وشهدت ظواهر مشابهة في منتصف السبعينات ونهاية الثمانينات من القرن الماضي. وهم لا يستبعدون زوال الجفاف الحالي وعودة الأمور إلى ما كانت عليه.

لكن إلى حين عودة المياه إلى مجاريها، بدأ الجفاف يفرض أثره على القطاع الزراعي في الولاية والذي تقلصت مساحاته ٤٠٠ مليون هكتار، فتراجعت زراعة الرز بنسبة ٢٥ في المئة العام الماضي، وكذلك زراعة الذرة بنسبة ٣٥ في المئة ما سبّب خسائر بقيمة 1.5 بليون دولار.

وفرض الجفاف على مزارعي الولاية اللجوء إلى المياه الجوفية، وأظهر تقرير صادر عن «الهيئة الجيولوجية للولايات المتحدة» انخفاضاً نسبته 20 في المئة في منسوب خزان كاليفورنيا الطبيعي عام 2013، وهي مياه في جوف الأرض تجمعت منذ القدم بسبب تزايد الاستهلاك. وأجبر هذا الوضع كونغرس ولاية كاليفورنيا على المصادقة على قانون، يفرض على مصالح المياه البحث عن وسائل للحفاظ على خزان المياه الجوفية. لكن القانون لا ينص على بدء تنفيذ خطة مستدامة للحفاظ على هذه المياه قبل عام ٢٠٤٠، وهي مهلة دفعت غالبية الاقتصاديين إلى توقع نفاد المياه في الخزان الجوفي، في حال استمر الجفاف مترافقاً مع معدل الاستهلاك الحالي.

ولا تملك الولاية وسائل تسمح لها بقياس كمية المياه التي تُضخّ من جوف الأرض ومراقبة كمية الاستهلاك المحلي، ما دفع خبراء إلى حثّ حكومتها على إقرار تشريعات تفرض استخدام وسائل قياس مثل العدادات. وسأل الخبراء «كيف يمكن كاليفورنيا إدارة أزمتها المالية والحفاظ على مياهها الجوفية، إذا كانت لا تعرف الكمية المستهلكة وتلك التي تُستخرج من باطن الأرض؟».

مشكلة أخرى يفرضها جفاف كاليفورنيا، ترتبط بالتغيير الذي سيفرضه شحّ المياه على السكان والزوار وأساليب حياتهم، لأن عدداً من السكان الذين لم يتحملوا تقنين المياه انتقلوا إلى ولايات أميركية مجاورة على الساحل الغربي تملك مياهاً أكثر وفرة، مثل أوريغون وواشنطن شمال كاليفورنيا.

وأجبر شح المياه بعض المرافق السياحية للولاية على إغلاق المتنزهات المائية وملاعب الغولف التي يقصدها الزوار. كما فرض نقص المياه وقف نوافير المياه والشلالات الاصطناعية التي كانت تقدمها البلديات المحلية في الأماكن السياحية، خصوصاً بين المطاعم، ما أفضى إلى وضع أكثر صحراوية وأقل جذباً للسياح.

وتشير بيانات أميركية، إلى سيطرة الجفاف على الجزء الشمالي- الشرقي من الولايات المتحدة على مدى الشهرين الماضيين، وسببه تراجع كمية الأمطار مقارنة بالمعدل العام. لكن خبراء اعتبروا أن الجفاف المذكور موقت ويأتي بعد موسم شتاء حقق فيه هذا الجزء من أميركا فوائض في المياه، ما يستبعد فرضية توسع جفاف كاليفورنيا، وحصر مشكلة الشح بالجزء الجنوبي- الغربي من الولايات المتحدة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008