حسين عبدالحسين
قامت حفنة من العرب ممن يسمون انفسهم “اقليات” بشن حملة انتخابية اسمتها “أميركيين شرق أوسطيين من اجل ترامب” لدعم المرشح الجمهوري للرئاسة. وكلمة شرق اوسطيين هي تلاعب على التسميات من اجل تقديم صورة تظهر ترامب العنصري منفتحا على العرب والمسلمين. ولأن القيمين على الحملة ليسوا مسلمين في غالبيتهم، تعذر عليهم استخدام هذه التسمية. ولأنهم يخجلون بتراثهم العربي ويشددون على تراثهم الاقلوي، الفينيقي او القبطي او “المسيحي المشرقي”، فهم تفادوا تسمية عرب، فلم يبق امامهم سوى تسمية “شرق اوسطيين”.
مشكلة هؤلاء الاقلويين انهم يعملون في مهنة لا يفهمونها. سياسيا، يبدو انتحارا تأييد مرشح تظهر استطلاعات الرأي انه يتهاوى، وهو المرشح الذي انفض عنه حزبه، وهو المرشح الذي دفع كل اليهود الاميركيين — ديموقراطيين وجمهوريين — الى تأييد المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.
وكما مراهقتهم في السياسة، يواصل هؤلاء الاقليون مراهقتهم في التاريخ، وهي مراهقة مستمرة منذ عقود، وقادها في بعض الاحيان شعراء، مثل سعيد عقل، واساتذة أدب، مثل فؤاد افرام البستاني، وحتى رجال دين، مثل البطريرك الماروني اسطفان الدويهي، الذي كتب ان مار مارون هو ابن اخت شارلمان، مع ان مارون عاش في القرن الرابع، وشارلمان في التاسع. وعلى خطى الدويهي، تابع الاقلويون العرب محاولة ربط طوائفهم باوروبا، او بما يعرف بالحضارة “الاغريقو رومانية” او “اليهومسيحية”.
ولا يهم الاقلويون ان الرومان اكتسحوا الاغريق او ان اليهود قتلوا المسيح، فمن دمج هذه الحضارات المتنافرة هم المؤرخون المسيحيون الاوروبيون بدءا من القرن التاسع عشر. وكان حجر الاساس للتاريخ، كما دونه المستشرقون الاروبيون، جمع اليونان مع الرومان، ونبذ الساميين الفينيقيين واليهود على انهم شعوب اقل حضارة، وهي عملية النبذ التي توجتها المحارق الاوروبية بحق اليهود.
وبنظرة سريعة الى التاريخ، يمكن استشفاف التماهي الفينيقي اليوناني، قبل ان تأتي روما وتجتاح الاثنين. وبقي الفينيقيون حكاما لتونس، ولبنان، وساهموا في صناعة التاريخ العربي، وصنعوا بحرية الامويين وقادوا معاركها ضد بيزنطية.
لكن “الفينيقيين الجدد” من القوميين اللبنانيين اعادوا تعريف الفينيقية على انها عرق اوروبي معاد للعرب، ومثلهم فعل الاقباط، مسيحيو مصر، الذين تحمل مصر اسمهم، والذين خاضوا معارك كنسية وسياسية شرسة ضد روما وبيزنطية حتى عصر النهضة.
ومن نافل القول ان بعض المسلمين ساهم في تكريس الانقسام المشرقي على اسس دينية. مثلا، يتباهى المسلمون ان قسطنطينية انتهت على ايدي الاتراك في القرن الخامس عشر، من دون ان يدركوا ان عاصمة المسيحيين المشرقيين كانت اندثرت على ايدي المسيحيين الغربيين الاوروبيين، المعروفين بالصليبيين، في القرن الثالث عشر، وهرب مسيحيوها شرقا ليؤسسوا امبراطورية طرابزون على سواحل البحر الاسود.
يقول صديق انه قد تكون المصالح الشخصية هي التي تحرك هؤلاء الاقلويين، وقد يكون ذلك صحيحا. ففي حرب العراق، اقتنص الاقلويون عقودا ضخمة مولتها الاموال العراقية المجمدة التي تصرفت بها واشنطن بعد العام 2003.
وفي العام 2005، روى لي ابراهيم الزبيدي، الاعلامي الذي قرأ في الستينات “البيانات رقم ١” التي انهالت عليه في الاذاعة العراقية، والذي كان صديق الطفولة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ان مالكي الشبكات اللبنانية باعوا حلقات تلفزيونية قديمة باسعار خيالية للاميركيين. وفي احدى الحلقات التلفزيونية التي بثها الاميركيون لتعليم العراقيين الديموقراطية، برنامج عن الاكل تقول فيه الطباخة: “حطوا الكريم شانتيي على الفريز”. وضحكنا، ابراهيم وانا، فالعراقيون، الذين كانوا خرجوا لتوهم من حصار اممي خانق، لم يكونوا يعرفون ما هو الفريز ولا “الكريم شانتيي”، حتى اني يوما وجدت نفسي اقف في شارع ابو نواس اشرح لمجموعة من العراقيين ما هو “الصراف الآلي” وكيف يعمل، وكان ذلك في العام 2004.
في الجانب الاميركي، كانت حرب العراق مرتعا للفساد والفاسدين. في الكونغرس تقليد اسمه “برميل الخنزير”، ومفاده انه عندما تحاول الادارة جمع الاصوات من اجل اقرار اعتماد مالي ما، لتمويل حرب العراق مثلا، يوافق العضو على التصويت بشرط ان يلحظ قانون تمويل الحرب تمويل مدرسة في مقاطعته الانتخابية، او مستشفى او طريق.
على هذه الشاكلة ذهبت واشنطن لنشر الديموقراطية في العراق. سلمت حملتها للاقلويين، الذين يخجلون بعروبتهم حتى باتوا يعرفون القليل عنها، واشترت التأييد الاميركي في الكونغرس بـ “براميل خنازير”، كي تصل الاموال المطلوبة لتمويل الحملة الاميركية في العراق.
والاقليون، ومعظمهم من المسيحيين، هم الذين يعتقدون ان الغرب المسيحي يأتي لنصرتهم وتنصيبهم حكاما للشرق. لكن الغزاة قلّما يتلفتون لعملائهم، فرئيس حكومة اسرائيل الراحل مناحم بيغين صرخ في الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميل طالبا منه اتفاقية سلام اسرائيلية - لبنانية فورية. لم يكترث بيغين لحيثيات الجميل السياسية او محاولته بناء زعامته اللبنانية بالشراكة مع باقي اللبنانيين. فقط طلب منه تلبية المصلحة الاسرائيلية.
طبعا لا مشكلة في التحالف مع الغرب او الشرق، او تأييد حملة عسكرية او سياسية او رأي ما، لكن الفارق كبير بين الندية في التعامل مع الغربيين، وبين الاستزلام والانبطاح. مات بشير ولم تمت المراهقة الاقلوية في السياسة والتاريخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق