حسين عبدالحسين
كتب الصديق دايفيد اغناتيوس في صحيفة “واشنطن بوست” ان القوات الاميركية الخاصة دبّرت له لقاء مع لاهور طالباني، مسؤول الاستخبارات الكردية العراقية، الذي روى لاغناتيوس كيف ارسل عاملين لديه الى كوباني السورية، وهم يحملون تقنية “جي بي اس” لتحديد اهداف تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، حتى تقصفها مقاتلات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويعتبر اغناتيوس ان مقاتلي “واي بي جي” قاتلوا باخلاص الى جانب الولايات المتحدة ضد داعش. وينتقد واشنطن لانها لا تعرف كيف تحافظ على اصدقائها وحلفائها، اذ هي تخلت عنهم الآن في وجه الحرب التركية ضدهم.
صدق اغناتيوس في ان الولايات المتحدة معروفة بتخليها عن اصدقائها، من الملا مصطفى البارازاني، والد مسعود، في السبعينات، الى مسيحيي لبنان في الحرب الاهلية، الى شيعة العراق في انتفاضة 91، الى الاكراد مرة ثانية في الانتفاضة نفسها، الى تحالف 14 آذار اللبناني، ثم تخليها عن حلفائها السنة العراقيين و”قوات الصحوات”، فرميها بالمعارضة السورية بين انياب الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن ما يفوت اغناتيوس هو ان مقالته، التي دبرتها “القوات الخاصة” الاميركية، هي من باب الدعاية، وان اكراد العراق ليسوا الطالباني، ولا اكراد سورية “واي بي جي”.
ولمن لا يعرف، فالاكراد هم إثنياً ايرانيون، كما الفرس. وطهران رعت انشقاق جلال الطالباني في الستينات عن الملا مصطفى البارزاني، انتقاما من الملا مصطفى، قائد قوات جمهورية مهاباد الكردية المستقلة التي تم اعلانها في شمال شرق ايران في الاربعينات، وهي الجمهورية الكردية التي ولد فيها مسعود البارزاني، الرئيس الحالي لاقليم كردستان العراق.
ومنذ انشقاقه، حافظ الطالباني، رئيس العراق في ما بعد، على علاقة مميزة بالايرانيين، وهي علاقة استخدمها الاميركيون احيانا كقناة اتصال غير مباشر مع ايران. اما البارزاني، فزعامته اوسع بكثير من الطالباني، وهو على علاقة متينة بالاميركيين، على الأقل منذ العام 1991، وبانقرة، على مدى العقد الماضي.
والخلافات بين البارزاني والطالباني بقيت مستترة على مدى السنوات الماضية، حتى اندلاع الثورة السورية في العام 2011، اذ بسبب وقوف تركيا الى جانب المعارضة ضد الأسد، بادرت ايران الى الانتقام من الاتراك، فحرّكت “حزب العمال الكردستاني”، الذي كسر هدنته مع انقرة وشن عمليات تفجيرية في عموم تركيا. ثم سهلت طهران التعاون بين الطالباني و “واي بي جي”، التابع لـ “حزب العمال الكردستاني”.
ولأن أميركا اختارت ايران كحليفتها الاولى في الحرب ضد داعش، كما بدا في ادارة الجنرال في “الحرس الثوري” قاسم سليماني المعارك على ارض العراق بغطاء جوي اميركي، وفي استبدال واشنطن وطهران رئيس حكومة العراق نوري المالكي بحيدر العبادي، اختارت ايران الاكراد المسموح بتسليحهم واشراكهم في الحرب ضد داعش، وهؤلاء كانوا بطبيعة الحال حلفاءها، مثل الطالباني و”واي بي جي”.
كما اوعزت ايران للعبادي بمنع ايصال شحنات السلاح الى قوات البارزاني، التي كانت تدفع داعش بعيدا عن كركوك واربيل. وعندما سدت تركيا الفراغ الاميركي بنشرها قوات في بعشيقة الكردية العراقية، وتدريبها قوات تابعة للبارزاني وتسليحها، حركت ايران حلفاءها العراقيين ضد البارزاني وتركيا الى حد دفع العبادي الى تهديد الاتراك بحرب في حال عدم انسحابهم من بعشيقة.
وتركيا كانت تحاول “المشي على السور”، حسب التعبير الاميركي، في الحرب ضد داعش، بسماحها لبعض حلفاء ايران بالدخول الى كوباني من اراضيها. لكن مع دخول الجيش التركي الحرب ضد داعش، قررت انقرة انها وحلفاءها هم الذين سيسدون الفراغ الذي سيخلفه انهيار داعش في العراق وسوريا، وهو فراغ تتسابق على سده جهات متعددة محلية واقليمية وعالمية.
عكرت الخطوة التركية مزاج التحالف الاميركي الايراني، فقامت المؤسسة العسكرية الاميركية بتدبير مقالة اغناتيوس، ويا للخيبة، اذ ان كاتباً مخضرماً من صنفه كان عليه ان يعرف ان وفاء أميركا للاصدقاء يجب ان يكون للاصدقاء الاقدم، في هذه الحالة الاتراك واكراد البارزاني، لا للاصدقاء الجدد الذين لم تثبت بعد جدوى صداقتهم، اي ايران و”واي بي جي”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق