حسين عبدالحسين
استبقت الادارة الاميركية لقاء كبار مسؤوليها، الذي عقدته نهاية الاسبوع الماضي برئاسة باراك أوباما وخصصته للأزمة في سوريا، بحملة اعلامية لاظهار الاهتمام الاميركي بالوضع السوري وابعاد شبهات اللامبالاة عن واشنطن.
لكن متابعي الشأن السوري في العاصمة الاميركية كانوا يدركون استحالة خروج اللقاء الاميركي بأي جديد، لأن ثوابت السياسة الاميركية تجاه الشرق الاوسط لم تتغير، وهي مبنية على اعتبار محوري مفاده ان العرب ارهابيون بطبيعتهم، وانه يستحيل اصلاح شأنهم او حكمهم، وان السياسة الوحيدة المتاحة للتعامل معهم هي احالة ادارة شؤونهم الى بلطجية محليين، مثل الرئيس السوري بشار الأسد، أو قوى خارجية، مثل إيران أو روسيا، يمكن لواشنطن التعامل معها، وتالياً التعامل مع الأزمة السورية والأزمات العربية المشابهة بالوكالة، باستثناء الإرهاب، الذي تعتبره واشنطن تهديداً جدياً لأمنها القومي لا يمكن التعامل معه الا بطريقة مباشرة.
وسياسة تسليم حكم العرب الى بلطجية محليين تتحالف معهم واشنطن يعود الى زمن الحرب الباردة؛ يقال إن احدهم سأل وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر: "كيف تدعي الولايات المتحدة تمسكها بالحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، وفي الوقت نفسه تتعامل مع ديكتاتوريين عرب أولاد كلب؟". أجاب كيسنجر "نتعامل معهم لأنهم اولاد كلبنا". وكيسنجر نفسه أجاب عن سؤال عمن يتمنى له الفوز في الحرب العراقية الايرانية، فأجاب إنه يتمنى الخسارة للاثنين: العراق وايران.
في ربيع العام 2012 كانت دموية قوات الأسد بدأت تتصاعد ومجازرها بحق السوريين تتكرر، فعقد فريق الأمن القومي الاميركي اجتماعاً مشابهاً لاجتماعه نهاية الاسبوع الماضي. احتدم النقاش، خصوصاً بين وزيري الخارجية جون كيري والدفاع السابق تشاك هيغل، فأشار اليهما أوباما بعقد لقاء ثنائي في اليوم التالي لتذليل الخلافات، والتوصل الى رؤية مشتركة. قبل نهاية اللقاء، قال رئيس الاركان السابق الجنرال مارتن ديمبسي إن ما يجري في سوريا هو عبارة عن حرب بين حزب الله الشيعي والقاعدة السنية، وأن لا مصلحة للولايات المتحدة في التدخل أو وقف هذه الحرب، وهو تصريح يشبه ما سبق أن قاله كيسنجر أنه كان يأمل خسارة الاثنين، العراق وايران.
جوهر سياسة أوباما تجاه الشرق الاوسط، بما في ذلك سوريا، هو انه عندما تعتبر أميركا ان الارهاب واقعة ثابتة بين العرب، تصبح حروب العرب صراعاً بين "إرهابيين" أو "برابرة"، تتمثل المصلحة الاميركية في استمرار النزاعات بينهم، بل إطالة أمدها، لاضعاف "الارهابيين" وتشتيت انتباهم عن اهداف أميركية أو غربية. وفي آخر خطاب حال اتحاد له، مطلع هذا العام، وصف أوباما الصراع في سوريا على انه صراع بين السنة والشيعة، يعود الى أكثر من الف عام، وأن أميركا لا تفهمه ولا مصلحة لها بالتدخل فيه.
واعتبار ان كل من يحمل سلاحاً في سوريا "ارهابي" يتوافق مع الادعاء الرئيسي للأسد أنه لم يكن في سوريا ثورة ولا ثوار ضد حكمه، بل أن من انتفضوا سلمياً في وجهه إنما هم "ارهابيون"، وأن الأسد مستعد للنقاش في تغييرات في الحكم، ولكن بعد القضاء على "الارهابيين". فكرة قضاء الأسد عن "الارهابيين" المزعومين هي في صميم سياسة أوباما، ولأن صمت أوباما عن ابداء تطابق سياسته مع الأسد، فذلك بسبب الضغط الكبير من حلفائه العرب والاوروبيين، الذين يعتقدون عكس ذلك، أي الذين يعتقدون أن الأسد هو سبب الارهاب، وان وقف الارهاب يبدأ بإخراجه من الحكم.
الرؤية العربية والاوروبية، وهي أيضاً رؤية وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الديموقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، تعتبر ان الحرب في سوريا هي التي أدت الى نشوء الارهاب والارهابيين، ما يعني أن وقف الارهاب يبدأ بوقف الحرب، ووقف الحرب يعني بالضروة ازالة سببها، أي اخراج الاسد من الحكم، وان تعذر ذلك، فعلى الأقل كف يده عن مناطق سوريا، وحصر حكمه بالمناطق التي يقيم فيها مؤيدوه.
يوم أطلق ديمبسي تصريحه أن مصلحة أميركا هي في مشاهدة الشيعة والسنة يقتتلون في سوريا، ردّ أحد المشاركين في الاجتماع بالقول إن الحرب السورية قد تبدو بعيدة، وتشتيت لانتباه الارهابيين، ولكنها حرب تخلق مأساة، وتدفع الغاضبين ممن تعرضوا الى هذه المأساة للانضمام للعمل الوحيد المتاح أمامهم، أي القتال، ومع انخراطهم في القتال، تزداد اعداد الارهابيين ذوي الخبرة في القتال، وتتوسع شبكات علاقاتهم مع بعضهم البعض ومع مانحيهم الماليين. "ثم يوم تتوقف الحرب السورية، اين يذهب هؤلاء الارهابيين حضرة الجنرال؟" سأل المشارك المذكور. وأضاف "لا شك انهم سيأتون الى شواطئنا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق