حسين عبدالحسين
في العادة سياسات الحكومات هي التي تصنع الحرب والسلم. في أميركا دونالد ترامب، الهجوم الصاروخي على مطار الشعيرات العسكري السوري هو الذي يصنع السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة. الارتباك الاميركي سببه انتخاب الولايات المتحدة لواحد من أقل الرؤساء كفاءة في العالم.
ولتواضع حنكته، قام الرئيس ترامب بتسليم مقاليد الحكم الى الجنرالات: هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي، وجيمس ماتيس وزير الدفاع، وجو دنفورد رئيس الاركان. هكذا، كانت ردة الفعل الاميركية ضد الهجوم الكيماوي الذي شنته قوات الأسد في خان شيخون، الاسبوع الماضي، من صناعة ماكماستر وماتيس ودنفورد، بالتعاون مع نائب الرئيس مايك بنس، وهو من صقور السياسة الخارجية.
اما ترامب، فكان يلهو في ولاية فلوريدا في نادي الغولف الفاخر الذي يملكه، بعيدا عن “غرفة الاوضاع” في قبو البيت الابيض، والتي يشرف منها الرؤساء عادة على العمليات العسكرية. لكن ترامب، المهووس بصورته، عمد الى توزيع صورة حاول فيها تكرار الصورة الشهيرة لأوباما واركان فريقه اثناء اشرافهم على عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن في 2011.
في غرفة صغيرة في نادي الغولف، وعلى كراسٍ مذهبة ومخصصة للاحتفالات، جلس ترامب بصحبة كبار اركان ادارته، من امثال صهره ومستشاره جارد كوشنر، ومستشاره الآخر ستيفن بانون، والناطق باسم البيت الابيض شون سبايسر، ووزراء الخارجية والمال والتجارة ريكس تيلرسون وستيف مانوشكن وويلبور روس. ولم يكن في الصورة، التي يفترض ان الحاضرين فيها كانوا يشرفون على الهجوم الصاروخي الاميركي على مطار الشعيرات، أي عسكري أميركي او مسؤول في وزارة الدفاع.
هذا هو ترامب، يراقب برفقة وزيري المال والتجارة هجوما عسكريا من نادي الغولف البعيد 1600 كيلومترا عن مركز العمليات في البيت الابيض، وهذه هي سياسته الخارجية.
في ثمانينات القرن الماضي، إنهمك نفر من قياديي الأمن القومي الاميركي بتقديم مطالعة معقدة وحساسة للرئيس الراحل رونالد ريغان، الذي يصفه الجمهوريون بالاسطوري لانتصاره في الحرب الباردة على السوفيات. بعد انتهاء المطالعة، التفت الحاضرون الى ريغان ليستمعوا الى رأيه، فما كان من الرئيس — الذي كان معروفا بشغفه بسكاكر “جيلي بين” — الا ان وضع اثنتين من السكاكر في فمه وسأل الجميع: ان وضعت واحدة حمراء وواحدة صفراء، أي لون برأيكم يطغى مذاقه على الآخر؟
ريغان المسمى أسطوريا لم يكن من الاسطورية بشيء. كان ممثلاً من الدرجة الثانية متقاعداً من هوليوود، وبسبب عدم كفاءته، أدارت دفة البلاد “المؤسسة الحاكمة” في الحزب الجمهوري والمؤلفة حينذاك من نائب الرئيس (الرئيس في ما بعد) جورج بوش الأب، ومساعده وصديقه ورئيس موظفي البيت الابيض لدى ريغان (ووزير خارجية بوش الأب) جيمس بيكر. هذه المؤسسة وخريجوها، مثل كارل روف الذي اسماه الرئيس جورج بوش الابن “عقلي”، هي التي حكمت في زمن ريغان والرئيسين بوش.
على ان ترامب يتفوق على ريغان في بلاهته وانعدام معرفته، وقد يتساوى وإياه في حب الظهور والتمثيل (وترامب بطل مسلسل الواقع “ذي ابرنتيس”). منذ تسلمه الحكم، انصب اهتمام ترامب على الفوز بولاية ثانية، وهو لذلك سلّم الدفة لأمثال بانون. لكن هؤلاء المستشارين من اليمين المتطرف هم من المراهقين في السياسة، فما لبث ان تلقى بانون ومعه ترامب اكثر من صفعة سياسية، فاستفاق ترامب، وعزل بانون، وسلّم الدفة الى الجنرالات، وخلفهم بنس وحليفته موفدة أميركا الى الأمم المتحدة نكي هايلي.
من الآن وصاعدا، من المرجح ان يتحول ترامب الى واجهة فحسب، وسيدير فعليا سياسة أميركا الخارجية مجموعة من الجمهوريين التقليديين والعسكر، وهو ما يعني عودة سياسة واشنطن الى ايدي الصقور، وهي عودة كانت باكورتها صواريخ توماهوك على الشعيرات، وتحويل مسار مجموعة حاملة طائرة أميركية من استراليا الى كوريا الشمالية.
من الآن وصاعدا، لا بد من التذكير بقول بنس ان “روسيا لا تفهم الا لغة القوة”، ولا بد من مراقبة تهديدات واشنطن لطهران، التي ستأخذ في الغالب منحى أكثر واقعية وحدّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق