واشنطن - من حسين عبدالحسين
تحول قصف منطقة نبع الفوار في محافظة القنيطرة، جنوب سورية، الأحد الماضي، إلى أحجية. أوساط نظام الرئيس السوري بشار الأسد أعلنت في البداية أن الموقع تعرض لغارة إسرائيلية، وهو ما نفته تل أبيب بإصرار. في وقت لاحق، عدّل النظام روايته، وذكر أن القصف ربما جاء عن طريق صواريخ أطلقتها إسرائيل من هضبة الجولان السورية التي تحتلها، لكن لم يسبق للقوات الاسرائيلية أن لجأت الى أي قصف أرضي من هذا النوع داخل سورية، بل لطالما استخدمت مقاتلاتها لهذا الغرض.
وفي ظل النفي الاسرائيلي، أكدت مصادر أميركية مطلعة أن «إسرائيل لم تقصف (معسكر) نبع الفوار»، ورجحت أن تكون قوات الأسد هي التي استهدفت الموقع بعد خلاف مع حلفائها، خصوصاً «حزب الله» اللبناني.
ولفتت المصادر إلى أن «التوتر بين قوات الأسد وحليفها (حزب الله) يعود إلى الأيام الاولى لتدخل الحزب اللبناني في الحرب السورية، إلا أن الخلافات بقيت محدودة، وقد تكون في طريقها الى السخونة مع التغييرات الجارية في الظروف الدولية».
ولم تنف المصادر الأميركية احتمال أن تكون قوات الأسد، أو القوات المتحالفة معها، قصفت الموقع عن طريق الخطأ.
وتتزامن التلميحات الاميركية الى إمكانية وقوع خلاف بين الأسد و«حزب الله» (بقيادة أمينه العام السيد حسن نصرالله) مع تصريحات نقلها كبار ضباط الجيش الاسرائيلي، عن نظراء روس، مفادها أن موسكو في طريقها لإتمام تسلمها من ايران دور القوة المهيمنة في سورية.
وفي هذا السياق، كتب ايال زيسر، في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أنه وفقاً لكبار الضباط الروس فإن «روسيا في طريقها كي تحتل مكان ايران كقوة مهيمنة في سورية»، وان «كل ما يحصل في سورية الآن يجري وفقاً لرغبات واملاءات» الروس. لكن زيسر حذّر من الركون الى أقوال الروس، واعتبر انه ما زال من المبكر رثاء الدور الايراني في سورية، إذ إن روسيا تمسك الأسد، «لكنها تحتاج الى الإيرانيين من اجل ابقائه في الحكم، وإعادة تثبيت حكمه فوق مناطق واسعة في سورية».
ومنذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض خلفاً لباراك أوباما، تبدلت السياسة الاميركية جذرياً تجاه ايران: من سياسة صداقة وتنسيق في الحرب ضد تنظيم «داعش»، فضلاً عن منع واشنطن تسليح المعارضة السورية وهو ما صب في نفس اتجاه بقاء الأسد في الحكم الذي تعمل من أجله طهران، إلى سياسة أميركية معادية تماماً لايران.
وصارت إدارة ترامب تعتبر أن الجمهورية الاسلامية أحد أبرز الأخطار التي يجب على الولايات المتحدة مواجهتها بسرعة وبقوة.
وبسبب تبدل الموقف الاميركي من ايران، يبدو أن إسرائيل رأت الفرصة سانحة في محاولة تقديم يد العون للروس لطرد الايرانيين وميليشياتهم من سورية. وفي هذا السياق تأتي التصريحات الروسية الى الاسرائيليين بشأن تقدم الروس على الايرانيين في سورية.
ويأتي في صدارة أولويات اسرائيل طرد «حزب الله» اللبناني من الجنوب السوري. ولطالما استخدم الاسرائيليون مقاتلاتهم لقصف أهداف الحزب. لذا، تقول المصادر الاميركية ان «إسرائيل حريصة على إضعاف حلفاء ايران فقط في الجنوب السوري، مع الابقاء على قوات الأسد، وحتى تقديم يد العون لها، ربما بطريقة غير مباشرة، عن طريق الروس». وينقل الاميركيون عن الاسرائيليين تأكيدهم أن تل ابيب تدرس إمكانية السماح لموسكو بالتحليق في الجنوب السوري للمساهمة في تكريس سيطرة الأسد من دون «حزب الله».
ويبدو أن نوعاً من التنسيق بدأ فعلياً بين الأسد والاسرائيليين، تمثل بفتح دمشق أبوابها لعدد من الاسرائيليين، الذين زاروا سورية، وأجروا جولات ميدانية، وربما دونوا ملاحظاتهم بشأن نقاط تواجد قوات النظام وتلك التابعة للميليشيات الايرانية. والتقت الوفود الاسرائيلية، التي حمل أعضاؤها جوازات غربية، مسؤولين سوريين، وأشرف على زيارتهم الوزير السوري علي حيدر.
في المحصلة، يبدو أن إسرائيل وروسيا وأميركا وصلت إلى توافق بشأن ضرورة طرد الميليشيات الموالية لايران من الجنوب السوري، وهو أمر يحتاج إلى قوة عسكرية لأنه يستحيل أن يسحب الايرانيون ميليشياتهم من جنوب سورية ما لم يتم إجبارهم على ذلك. لكن كيف يمكن لعناصر قوات الأسد و«حزب الله»، الذين يقاتلون جنباً الى جنب ضد المعارضين، أن يخوضوا معارك في نفس الوقت في ما بينهم؟ ربما الاجابة تشوبها الكثير من السوريالية التي تلف الحرب السورية منذ الأسابيع الاولى لاندلاعها قبل نحو ست سنوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق