| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
رؤساء أميركا غالباً ما يعدّلون في سياساتهم ووعودهم الانتخابية. الرئيس الأسبق جورج بوش الأب وعد بعدم زيادة الضرائب، ثم تراجع عن وعده. وبعده جورج بوش الابن عزل نائبه ديك تشيني ومجموعة «المحافظين الجدد»، وأخرج وزير دفاعه دونالد رامسفيلد بعد خسارته الانتخابات النصفية في 2006، ثم سلم مقاليد الحكم الى وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، التي أعادت الانفتاح على أنظمة، كانت عزلتها واشنطن، مثل نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
أما الرئيس السابق باراك أوباما، فوعد بسحب القوات الاميركية من العراق بعد ستة أشهر على تسلمه الحكم مطلع 2009، ولم يسحبها حتى نهاية العام 2011.
لكن يبدو ان الرئيس دونالد ترامب سيتفوق على كل أسلافه في سرعة انقلابه على نفسه وتعديل سياساته، إذ لم يمض 100 يوم على تسلمه الحكم، حتى قام بالإطاحة بركني حملته الانتخابية: مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، لثبوت تورط الاخير بفضائح، ثم أخرج مستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون من «مجلس الأمن القومي».
ويجمع المتابعون على أن إخراج بانون يرتبط بالصفعات السياسية المبكرة التي تلقاها ترامب في السياسات الداخلية، مثل قضاء المحاكم على قانون حظره دخول مواطني دول إسلامية الولايات المتحدة، وتعثر مشروع إبطال قانون الرعاية الصحية في الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية تابعة لحزب الرئيس الجمهوري.
والمفارقة أن أول إنجاز جنى شعبية حقيقية لقطب العقارات والملياردير الأميركي (ترامب) وقدّمه بمظهر رئاسي، هو قيام القوات الاميركية بقصف قاعدة الشعيرات العسكرية الجوية التابعة لقوات الأسد، قرب مدينة حمص، إذ أظهر الهجوم أن ترامب حازم في مواقفه، على عكس سلفه، الذي ركن سفنه الحربية امام الشواطئ السورية صيف 2013، قبل أن يسحبها للتوصل الى تسوية يفترض انه تم بموجبها نزع ترسانة الأسد الكيماوية، لكن يبدو اليوم ان تلك الاتفاقية لم تنفذ بالكامل حسبما زعمت ادارة أوباما.
وبدلاً من أن تصنع حكومة ترامب سياسة خارجية، يبدو ان السياسة الخارجية، المتمثلة في ضرب قوات الأسد، هي التي صارت تصنع الحكومة الاميركية، إذ ارتفع رصيد الجنرالات الثلاثة الكبار في ادارة ترامب، وهم مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس أركان الجيش جو دونفورد.
وقبل أسابيع، سرت أنباء عن أنه على رغم حصول ماكماستر على تعهدات بإطلاق يده في صناعة «مجلس الأمن القومي» وسياساته لقبول تعيينه مستشاراً للأمن القومي، تدخل ترامب لمنع ماكماستر من طرد احد العاملين ممن ساهموا في تسريب معلومات سرية الى رئيس لجنة الشؤون الاستخباراتية في الكونغرس ديفن نونيز، الذي كان يحاول بدوره تأكيد ادعاءات ترامب أن ادارة أوباما كانت تتنصت على اتصالاته اثناء ترشحه للانتخابات الرئاسية. وتزامنت انباء منع ماكماستر من طرد احد العاملين بامرته مع انباء عن منع ترامب ماتيس من توظيف مساعدة له في الوزارة «لأسباب سياسية».
لكن بعد النجاح الذي عادت عليه ضربة قوات الأسد، وهي ضربة قادها ماتيس بالتعاون مع ماكماستر ونائب الرئيس مايك بنس، ارتفعت اسهم الجنرالين، ويبدو ان ترامب سمح بإطلاق يديهما في ادارة الفرق التابعة لهما، إذ شعر بأنه يمكن للرجلين القيام بدور يرفع من شعبيته، وينقذه من مستنقع الاتهامات والاتهامات السياسية المتبادلة، التي شلّت عمل إدارته في الايام المئة الاولى من عمرها.
أولى ضحايا التغييرات الجذرية في العاملين بالبيت الأبيض كما في السياسات، كانت كايتي ماكفرلاند، وهي محللة سياسية كان عيّنها فلين في منصب نائبة مستشار الأمن القومي. الا ان ماكماستر وجد انها لا تتمتع بأي من المواصفات المطلوبة لتشغل موقعها، وقد عمل منذ فترة على الاطاحة بها، الى ان سنحت له الفرصة. ويقول العارفون ان ماكماستر يقوم بتغييرات لن تطول العاملين فقط في البيت الابيض، بل السياسات أيضاً.
أولى التغييرات في السياسات الاميركية جاءت في السياسة الخارجية، وفي الانقلاب التام الذي شهدته هذه السياسة تجاه روسيا وايران والحرب المندلعة في سورية. والى أن تتوافر معلومات أوسع عن فحوى لقاءات وزير الخارجية ريكس تيلرسون في موسكو، التي وصلها أمس، صار من شبه المؤكد ان الولايات المتحدة تعود الى سياسة خارجية محسوبة على الصقور، وتبتعد عن روسيا، وستأخذ في الغالب مواقف أقسى على الأرض في وجه إيران وكوريا الشمالية.
أما في الأزمة السورية، فبدأ فريق ترامب يتحدث عن «مهمة» عدم السماح للأسد وروسيا وايران باجتياح محافظة ادلب الشمالية، التي تحولت الى ملجأ لكل ثوار سورية ممن تم التوصل معهم لاتفاقيات للخروج من مناطق سبق ان كانوا محاصرين فيها. ويبدو ان ادارة ترامب تعتقد ان لجوء الأسد لشن هجمات كيماوية في خان شيخون، وهي تابعة اداريا لمحافظة ادلب، كان من باب التجربة لضرب مدينة ادلب والمعارضة المتحصنة في المحافظة، واستعادة المحافظة بالكامل، وهي الاخيرة المتبقية خارج سيطرة الأسد، فضلا عن الاراضي التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» في شمال سورية الشرقي.
تحولات واسعة تجري في واشنطن، في العاملين في صناعة السياسة الخارجية كما في السياسة الخارجية نفسها. اما اول الاختبارات للسياسات الاميركية الجديدة، فيكاد يجمع المراقبون انها ستكون في سورية في محاولة لانهاء الحرب المندلعة فيها منذ العام 2011، وانهائها في شكل لا يمنح خصوم أميركا، اي روسيا وايران، أي انتصار يذكر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق