حسين عبدالحسين
بعدما فقدت إسرائيل الأمل من نجاح التدخل العسكري الروسي في نقل الرئيس السوري بشار الأسد من تابع لطهران إلى تابع لموسكو، وبعدما انتقلت الإدارة الأميركية من موقع حليف للإيرانيين إلى خصم لهم، لم يبق أمام الإسرائيليين إلا أقناع واشنطن بأن كل الدماء التي تسيل في سوريا لا أهمية استراتيجية لها، وأن المصلحة الوحيدة الإسرائيلية، أي الأميركية، في سوريا، تقضي بالقضاء على النفوذ الإيراني هناك. ثم لا بأس من تسليم البلاد للأسد، الذي أصبح متهالكاً إلى درجة تجعل منه قوياً كفاية ليكون شرطياً يضبط أمنه الداخلي، وضعيفاً كفاية لا يهدد أمن اسرائيل، على غرار سيناريو الضفة الغربية.
هذا ما يعني أن من وجهة نظر واشنطن، كل ما يجري في سوريا هو ضوضاء فحسب، وأن لا سياسة أميركية جديدة للتخلص من الأسد أو التوصل إلى تسوية سياسية، حسب ما أعلن المسؤولون الأميركيون في الأسابيع القليلة الماضية، بل إن الهمّ الأميركي الوحيد صار إغراق الميليشيات الموالية لإيران، وربما إغراق النظام الإيراني بأكمله إن أمكن.
ولأن الإدارة الأميركية لم تعد صديقة لإيران، كما في الماضي القريب، عمدت واشنطن إلى رفع الحظر عن تسليح المعارضين السوريين، مع الإبقاء على تأكيد عدم تسلمهم أي سلاح نوعي يمكنه أن يهدد الإسرائيلييين. ومن دون السلاح النوعي، لا يمكن للمعارضة إسقاط الأسد في دمشق، ولكن يمكنها إيقاع خسائر كبيرة في صفوف قواته وقوات حلفائه، ودفعه إلى التراجع في مناطق متعددة، وهو ما بدا جلياً في معارك الكر والفر التي بدأها المعارضون في درعا وحماة.
لكن على الرغم من تحسن وضع المعارضة العسكري، وتهريب الأسد مقاتلاته إلى قواعد الروس الجوية، وملل الروس من الانخراط في حرب لا يبدو أنها ستحقق لموسكو أكثر مما حققت، لن تتكمن المعارضة من الحسم، ولن يتمكن الأسد من ذلك، بل إن الأسد سيضطر إلى الاستعانة بمزيد من حلفائه الإيرانيين، كما يحصل في درعا، لإنقاذ قواته من ورطات وهزائم محققة لولا تدخل الميليشيات الإيرانية.
ربما تسعد الإسرائيليين مشاهد الكر والفر وانشغال إيران وميليشياتها بحرب لا نهاية لها ضد المعارضة السورية، وهو ما يذكّر بما يردده أصدقاء إسرائيل في واشنطن، نقلاً عن لسان وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر، الذي قال عن الحرب العراقية الإيرانية، في ثمانينات القرن الماضي، إنها حرب كان يتمنى أن يخسر فيها الطرفان.
والأرجح أن الإيرانيين تلقفوا الرسالة الأميركية الإسرائيلية حول سوريا، فأطلّ مسؤولو "حزب الله" على حدود إسرائيل مع لبنان، ربما لتذكير تل أبيب أن طهران لا تغرق بسهولة، وأن على الإسرائيليين التفكير بمقدرة "حزب الله" على إلحاق الأذى بإسرائيل دفاعاً عن إيران ومصالحها.
هكذا، تتحول الحرب السورية التي يشنها نظام الأسد على معارضيه إلى حرب عبثية على هامش الصراع الإقليمي الدولي، فيما يعتقد الأسد أن آماله في ولاية رئاسية رابعة مازالت قائمة، وأنه سيستعيد السيادة على سوريا بأكملها، يوماً ما، وهي طموحات صارت تبدو صغيرة، كصاحبها، أمام هول الدماء السورية التي سالت، والدمار الذي وقع، وأمام صراعات عالمية أكبر بكثير، لا تأخذ في الحسبان الأسد، ولا السوريين.
في الماضي، دأبت فئة من اللبنانيين على إطلاق تسمية "حرب الآخرين على أرض لبنان" على الحرب الأهلية اللبنانية، وكان البعض يسخر من التسمية معتبراً أن الحرب الفعلية قام بها لبنانيون، خطفوا بعضهم البعض، وقتلوا بعضهم البعض، ونكّلوا ببعضهم البعض، وهجّروا بعضهم البعض، وأن الآخرين، أي سوريا وإسرائيل، يندر أن تواجها في حروب طويلة أو مستدامة فوق الأرض اللبنانية، باستثناء عند ضرب إسرائيل دفاعات السام السورية في البقاع وإسقاطها عشرات مقاتلات تابعة للأسد، وحدث ذلك في غضون أيام.
لكن في سوريا اليوم، الحرب فعلياً هي حرب الآخرين على الأرض السورية، يقصف فيها إسرائيليون لبنانيين ممن يعملون بإمرة ضباط إيرانيين، ويدير فيها أميركيون حرباً كردية ضد عراقيين، وتدمر فيها مقاتلات روسيا كل مناطق سوريا باستثناء التي يسيطر عليها "داعش". أما السوريون، فيوزعون المقابلات الإعلامية —كما في حالة الأسد— أو يلملمون أشلاءهم ويرحلون، كما في حالة غالبية السوريين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق