| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
بدأ التورط الأميركي في الحرب السورية يدخل قاموس المصطلحات الرسمية للإدارة الاميركية، التي صار مسؤولوها يتداولون الحديث عن «السباق إلى الرقة» والسيطرة على المدينة، كما معظم المحافظة، بعد انهيار سيطرة تنظيم «داعش» عليها.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن إيران تنبهت الى أن انهيار «داعش» وحلول قوات موالية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، بدلاً من مقاتلي التنظيم، سيحرم الميليشيات الايرانية الممر الذي يربط خط طهران - بيروت عبر بغداد ودمشق.
ويقول مسؤولو الادارة إن مقاتلي العشائر المنضوين تحت لواء «داعش» كانوا «يعتاشون من عمليات تهريب السلاح الايراني الى الميليشيات الموالية لطهران في سورية ولبنان»، وان «حلول قوات معارضة للايرانيين يحرم طهران المقدرة على إرسال السلاح براً، ويجبرها على نقله جوا، وهي عملية تستهلك وقتاً وموارد أكبر بكثير من عملية النقل البرية».
هذا هو السبب الذي دفع الميليشيات الموالية لإيران إلى محاولة طرد الميليشيات الموالية لواشنطن من البادية شرق سورية، لكن الولايات المتحدة لا تبدو أنها تنوي التنازل أو التراجع هذه المرة.
وسمعت «الراي» من مطلعين أن وزارة الدفاع (البنتاغون) صنفت عملية السيطرة على المساحة الممتدة من عين العرب (كوباني) على الحدود التركية - السورية شمالاً، إلى التنف على الحدود العراقية - السورية - الأردنية جنوباً، بمثابة «مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة».
التطور المتسارع في الموقف الاميركي شرق سورية ينبع من التغير الطارئ على موقف واشنطن من طهران، إذ لا يبدو أن ديريك هارفي المستشار الأقرب إلى الرئيس دونالد ترامب، يعتقد أن سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، والتي كانت تقضي بالاشتراك مع ايران للقضاء على «داعش»، هي سياسة ناجحة. وينقل المقربون عن هارفي قوله إن إشراك ايران في الحرب ضد «داعش» أعطى طهران نفوذاً إقليمياً وأهمية لا تستحقها، وأن الطريقة الأمثل للتعامل مع الايرانيين تتمثل بـ «إعادتهم إلى حجمهم الحقيقي».
وعلى الرغم من أن وزير الدفاع جيمس ماتيس خرج من إدارة أوباما بسبب معارضته ليونة الرئيس السابق تجاه الايرانيين، الا أن ماتيس لا يرغب بالتورط في تصعيد الوضع في اتجاه حرب مفتوحة مع إيران. وينقل مقربون من ماتيس عنه قوله ان «أميركا تقوم بما عليها أن تقوم به، وفي الحالة السورية السيطرة على الشرق السوري من شماله إلى جنوبه، بغض النظر عن الموقف الايراني»، و«إذا ما حاولت ايران التدخل، تردعها أميركا بالقوة».
لكن يبدو أن إدارة ترامب ترغب في رؤية سياسية أقسى، وأكثر استفزازية، تجاه الايرانيين. ويبدو أن هارفي يعتقد أن المواجهات في المساحات المفتوحة وغير المأهولة بالسكان، مثل البادية السورية، هي في مصلحة القوة العسكرية الاميركية.
في «السباق الى الرقة» بين أميركا وحلفائها، من جهة، وايران وحلفائها، من جهة ثانية، تحاول روسيا أن تظهر وكأنها سيدة الموقف السوري، وهي محاولة صار الاميركيون، ومعهم الاسرائيليون الذين راهنوا في الماضي القريب على مقدرة روسية للسيطرة على الأسد من دون إيران، يعتقدون انها محاولة كلامية لا تأثير لها على الارض.
وعلى إثر اسقاط مقاتلة «اف 18» أميركية مقاتلة «سوخوي 22» تابعة لقوات الأسد، ورغم إعلان روسيا تعليقها قنوات الاتصال مع أميركا للتنسيق عسكرياً في سورية، لم تتأثر واشنطن بالتهديدات الروسية، إذ قال مسؤولون عسكريون إنه «يمكن لأميركا استهداف مواقع أرضية ومقاتلات غرب الفرات من دون أن تدخل المقاتلات الأميركية المجال الجوي الذي يدعي الروس انهم يقفلونه للمرة الثالثة على الأقل في 3 أشهر».
لكن أميركا، وخصوصاً ماتيس، لا ترغب في التصعيد عسكرياً لا مع الروس ولا مع الايرانيين، بل تنوي الاستيلاء على أراضي «داعش» والمناطق الحدودية السورية مع العراق، سواء وافقت موسكو وطهران أم لم توافقا.
وفي هذا السياق، يقول المسؤولون العسكريون الأميركيون إنهم يسعون لإعادة فتح القناة العسكرية مع الروس، وتكريس مناطق «خفض التوتر» المحددة في اتفاق أستانة، لكن ذلك لا يعني أن تهديدات الروس ستعيق الخطة الأميركية أو تؤخر واشنطن وحلفاءها في «السباق الى الرقة»، وربما سباق مشابه الى دير الزور كذلك.
الحرب المتوقعة شرق سورية هي بين قوات عسكرية نظامية، لا حرب مدن أو بين جيوش وميليشيات. والحروب النظامية لا تخيف الأميركيين، على عكس حروب الانغماس في مناطق آهلة واحتلالها، كما في تجربتي العراق وأفغانستان. ربما تفهم إيران أن أميركا مصممة على السيطرة على الشرق السوري، وربما تتوقف روسيا عن البطولات الكلامية، أو هكذا على الأقل يأمل معظم المسؤولين الاميركيين المعنيين بالحرب السورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق