| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
فيما التزمت قطر نهج التهدئة أمس نزولاً عند رغبة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، بدا واضحاً أن الوساطة الكويتية هي الوحيدة التي يمكن التعويل عليها، أقله في المرحلة الحالية، بالنظر إلى حكمة الشيخ صباح ومكانته لدى الجميع. وبعدما استقبل سموه الاثنين الأمير خالد الفيصل أمير مكة ومستشار خادم الحرمين الشريفين الذي سلمه رسالة من الملك سلمان بن عبد العزيز، وصل سموه أمس إلى الرياض في محاولة لرأب الصدع وتمكين البيت الخليجي من تجاوز الأزمة. وأعلن مسؤول في واشنطن أن «أنظار الادارة الأميركية وأنظار غالبية المعنيين والمتابعين للأزمة الخليجية في العالم تتجه صوب الكويت» أملاً في ان تصل وساطتها إلى النجاح المأمول.
وبانتظار نتيجة اللقاءات والاتصالات المتسارعة، تدرّج الموقف الأميركي خلال الساعات الـ 48 الماضية، بدءاً بالدعوة إلى الحوار والحفاظ على الوحدة، مروراً بالحديث عن تصرفات قطر «المقلقة» رغم الإشادة بدورها في الأمن الاقليمي، وصولاً إلى حديث الرئيس دونالد ترامب عن أن «شركاء» بلاده أشاروا إلى دور قطري في «دعم الإرهاب».
وأكدت مصادر أميركية لـ «الراي» وجود إجماع في إدارة ترامب مفاده أن الانقسام الخليجي لا يفيد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على أكثر من جبهة، خصوصاً ضد إيران والميليشيات المتحالفة معها في سورية ولبنان، وضد تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، لكن الإدارة تعاني من فقدان التوازن داخلياً، إذ ما زال الشغور قائماً في نحو 400 من أصل 600 من أرفع المناصب في الحكومة، خصوصاً في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، وهو ما دفع واشنطن إلى الاستعانة بحلفائها الاقليميين في مسعى لرأب الصدع الخليجي.
هكذا، اتجهت الأنظار الأميركية نحو حليفين عربيين أساسيين، هما الكويت والأردن، مع ترجيح أن تلعب الكويت دوراً محورياً أكبر نظراً لعضويتها في الأسرة الخليجية والمصداقية التي تتمتع بها لدى الاطراف المتخاصمة.
وأبلغ مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى، عدداً من الصحافيين، في جلسة مغلقة، أنهم يعتقدون ان أنظار الولايات المتحدة، كما أنظار غالبية المعنيين والمتابعين للأزمة الخليجية، تتجه نحو الكويت، التي استقبلت معظم الأطراف المتخاصمة.
وأضافت المصادر الأميركية أنه على الرغم من الاحترام الذي تكنه دول المنطقة للكويت وقيادتها، إلا أن واشنطن تدرك أن «الكويتيين لا يحملون عصا سحرية»، وأنه «يمكن للكويت تذليل بعض العقبات والمساهمة في تقريب وجهات النظر، لكن الخطوات الأخيرة نحو أي مصالحة محتملة لا يمكن للكويت أن تقوم بها، بل المطلوب أن يقوم بها الاطراف المعنيون انفسهم».
وعلمت «الراي» ان وزير الخارجية ريكس تيلرسون عقد سلسلة من الاجتماعات مع كبار أركان وزارته لتدارس الموضوع، والاستعداد لإمكانية «تدخل أميركي مباشر لدى الفرقاء المعنيين إن اقتضى الأمر».
وفي السياق نفسه، أكد مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون أن الولايات المتحدة ستحاول بهدوء تخفيف التوتر بين السعودية وقطر، معتبرين أنه لا يمكن عزل الدوحة في ضوء أهميتها بالنسبة للمصالح العسكرية والديبلوماسية الأميركية.
وقالت مارسيل وهبة، وهي سفيرة أميركية سابقة لدى الإمارات ورئيسة معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن الولايات المتحدة لها نفوذ لكنها ستستخدمه بحكمة، مضيفة انها «ستتحرك ولكن كيف ستفعل ذلك؟ أعتقد أنه سيكون تحركاً هادئاً للغاية ووراء الكواليس. لا أظن كثيراً أننا سنجلس على الهامش وندع الأزمة تتفاقم».
وفي موقف لافت، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه حذر خلال زيارته الشرق الأوسط من تمويل «الفكر المتطرف»، وأن زعماء بالمنطقة أشاروا إلى قطر.
وكتب على «تويتر»، بعد ظهر أمس: «خلال زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط قلت إنه لا يمكن أن يستمر تمويل الفكر المتطرف. وأشار زعماء إلى قطر».
وجاء موقف ترامب غداة تأكيد مسؤول كبير في الإدارة، طلب عدم نشر اسمه، أن واشنطن «لا تريد أن ترى شكلاً من أشكال الشقاق الدائم»، وأنها سترسل مبعوثاً إذا اجتمعت دول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة الخلاف مع قطر.
لكنه أضاف «هناك إقرار بأن بعض السلوكيات القطرية تثير القلق ليس فقط لدى جيرانها الخليجيين ولكن لدى الولايات المتحدة أيضاً».
وقبل ذلك، أشاد الجيش الأميركي بالدوحة بسبب «التزامها المستمر نحو الأمن الإقليمي»، مؤكداً أن الطلعات الأميركية من قاعدة العديد في قطر لم تتأثر بالأزمة.
من جهتها، اعتمدت قطر لغة تصالحية، داعية إلى حوار صريح.
وقال وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في مقابلة مع قناة «الجزيرة» بثت ليل أول من أمس، «لن تكون هناك إجراءات تصعيدية مقابلة من قطر، لأنها ترى أن مثل هذه الخلافات بين الدول الشقيقة يجب أن تحل على طاولة حوار».
وأضاف «يجب أن تكون هناك جلسة فيها مكاشفة وصراحة وطرح لوجهات النظر وتعريف مواقع الاختلاف والعمل على تضييق مساحات الاختلاف مع احترام آراء بعضنا البعض».
وأعلن أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أجل خطاباً كان مقرراً أن يوجهه للشعب مساء أول من أمس، بناء على طلب من سمو أمير الكويت في محاولة منه لاحتواء الأزمة.
وقال: «فعلاً كان هناك خطاب لصاحب السمو موجه للشعب القطري اليوم (أمس) بشأن التطورات الأخيرة ولكن سموه استقبل اتصالاً من والده صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد ونزولاً عند رغبته أجّل إلقاء هذا الخطاب ليوم الغد (أمس الثلاثاء) لإعطاء مساحة لصاحب السمو الشيخ صباح للتحرك والتواصل مع أطراف الأزمة في محاولة منه كما عهدناه دوماً في هذه الأزمات».
وأضاف ان الشيخ تميم احترم رغبة أمير الكويت «بتأجيل أي خطوة أو أي خطاب يلقيه للشعب إلى ان تكون هناك صورة أوضح لهذه الأزمة».
ورغم تشديده على أن «الخيار الاستراتيجي لدولة قطر هو حل أي أزمة عن طريق الحوار»، لم يخف الشيخ محمد ان «هناك علامات استفهام كثيرة بالنسبة لنا على مستقبل مجلس التعاون» الذي اعتبر انه «يستخدم كأداة لفرض وصاية أو فرض سياسات تبدأ بسياسات خارجية ومن ثم فرض وصاية على دولة من دول المجلس».
في المقابل، أكدت الإمارات أن أي حل للأزمة يجب أن يكون مرفقاً بضمانات.
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في سلسلة تغريدات على حسابه على «تويتر»، أمس، انه «بعد تجارب الشقيق السابقة لا بد من إطار مستقبلي يعزز أمن واستقرار المنطقة، لا بد من إعادة بناء الثقة بعد نكث العهود، لابد من خريطة طريق مضمونة».
وتساءل «هل بالإمكان أن يغير الشقيق سلوكه؟ أن يكون حافظا للعهد والمواثيق، حريصاً على الأخوة والجيرة، شريكاً في العسر واليسر؟ هذا هو بكل بساطة إطار الحل».
وأضاف «في الإمارات اخترنا الصدق والشفافية، اخترنا الاستقرار على الفوضى، اخترنا الاعتدال والتنمية، اخترنا الثقة والوضوح، واخترنا (خادم الحرمين الملك) سلمان والسعودية».
اقتصادياً، أكد وزير النفط وزير الكهرباء والماء عصام المرزوق، أن قرار خفض الإنتاج الذي اتخذته منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بالتعاون مع دول من خارجها «ينعكس إيجاباً على جميع الدول المشاركة فيه».
وقال المرزوق إن «قطر تشارك في اتفاق الخفض بكمية تبلغ 30 ألف برميل يومياً، وهي ملتزمة بقرار خفض الإنتاج، وقد راوحت نسبة التزامها بين 93 إلى 102 في المئة».
من ناحية ثانية، تراجعت السندات الدولارية السيادية لقطر استحقاق 2026 من جديد، لتسجل أمس أقل مستوى منذ منتصف مارس الماضي، في حين ارتفعت تكلفة التأمين على ديون الدوحة مقتربة من أعلى مستوى في 4 أشهر، وذلك ربطاً بتداعيات الأزمة الخليجية.
يأتي ذلك في وقت قررت الهيئة العامة للطيران المدني السعودية إلغاء جميع التراخيص الممنوحة للخطوط الجوية القطرية ولموظفيها، وإقفال جميع مكاتبها في المملكة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق