حسين عبدالحسين
لم يكد المسؤولون الروس ينهون تصريحاتهم حول قطعهم خطوط الاتصال المخصصة للتنسيق عسكرياً مع الأميركيين في سوريا، ولم يكادوا يستكملوا تهديداتهم بإسقاط مقاتلات التحالف التي تحلّق غرب الفرات، حتى أسقطت "اف-15" أميركية طائرة من دون طيار تابعة للرئيس السوري بشار الأسد. وصمتت موسكو.
الصمت الروسي لم يكن الاول من نوعه. يوم أسقطت "اف-16" تركية مقاتلة روسية، أعلنت موسكو انها زجت بمنظومتي الدفاع الجوي الصاروخيتين "اس-300" و"اس-400" في الحرب السورية، وانها أقفلت تالياً المجال الجوي السوري، بل الشرق أوسطي، بأكمله. ثم اخترقت اسرائيل السماء السورية مراراً، وقصفت داخل دمشق وخارجها، فأعلنت روسيا إقفال السماء السورية مجدداً. ثم ذهب المتخاصمون إلى أستانة، وأعلنت روسيا أنها اقفلت المجال السوري غرب الفرات في وجه المقاتلات الأميركية، فأطلقت واشنطن 59 صاروخ "توماهوك" على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للأسد، فأعلنت موسكو أنها المرة الاخيرة التي تسمح بها باختراق المجال السوري، وكررت إعلانها إغلاقه، فحلّقت "اف-18" أميركية في سماء سورية وأسقطت "سوخوي-22" تابعة للأسد.
ومن يعرف التنظيمات العسكرية الاميركية يعلم أن "اف-18 هورنيت" هي مقاتلة تابعة للبحرية، أي إنها انطلقت من حاملة طائرات "جورج بوش" في البحر المتوسط، وهو ما يعني أن أجهزة الدفاع الروسية كانت قادرة على تعقبها لأنها آتية من ناحية البحر غرباً، نظراً لوجود قاعدة طرطوس الروسية العظيمة على الساحل.
وبعد إسقاط أميركا "سوخوي" الأسد، أعلنت روسيا انها ستكون المرة الاخيرة، وطبعاً تلا الاعلان الروسي إسقاط الاميركيين "درون" الأسد، ورافق ذلك الصمت الروسي المعتاد، والذليل.
النفاق الروسي لا قعر له. أرعدت موسكو وتوعدت ضد اختراق أميركا للقانون الدولي واختراقها السيادة السورية. لم يخطر للروس، أم هم تناسوا، ان موسكو احتلت وضمّت في عام 2014 شبه جزيرة القرم الاوكرانية، في أكبر اختراق للقانون الدولي في هذا القرن، وفي خطوة لم يؤيدها إلا الأسد وحفنة من حلفاء روسيا البائسين.
وتواصل روسيا محاضراتها عن السيادة والقانون الدولي والحقوق، وتواصل استعراض قوتها المزعومة في وجه الهيمنة والغطرسة الأميركية، وتواصل محاولة الظهور بمظهر زعيمة تحالف دولي عريض، في الشرق الاوسط وحول العالم. ثم تشن روسيا غارات من قاعدة جوية في ايران، وتتظاهر وكأنها دشّنت وجوداً عسكرياً لها هناك، ليخرج المسؤولون الايرانيون في اليوم الثاني وينفون الادعاءات الروسية ويكذبونها، فلا تتكرر الطلعات الروسية من إيران مجدداً.
ثم تقول موسكو لتل أبيب إن الأسد في جيبها، وإنها قادرة على طرد الميليشيات الموالية لايران من سوريا، وخصوصاً من الجنوب، ليتضح ان لا حول ولا قوة للأسد من دون ميليشيات إيران، وأن لا كلمة لروسيا لدى الأسد، ولا أمام إيران، ولا عند اي من الميليشيات المتنوعة المقاتلة على الأرض، وهو ما اجبر الاسرائيليين على الذهاب الى الاميركيين راجين المساعدة في طرد الايرانيين من سوريا، من دون المساس بالأسد.
هكذا يتضح ان روسيا لا تدير فعلياً تحركات الأسد وميليشيات إيران على الأرض، بل هي تتبعهم، وتحاول -إن أمكن ومن دون إغضاب أميركا أو إسرائيل- تقديم غطاء جوي، غالباً ما يكون بقصف المقاتلات الروسية مخابز سوريا وأفرانها، ومستشفياتها، ومدراسها، وبيوتها على رؤوس ساكنيها. ثم يطل وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف مزمجراً متوعداً، فالنابالم الحارق روسي، والدمار السوري روسي كذلك.
روسيا ليست قوة عسكرية عالمية، بل هي في وسط تمثيلية تافهة تستقوي فيها على المدنيين السوريين الضعفاء. لكن في أوقات الجد، تنهزم، وتختبئ، وتصمت. هي دولة اقتصادها أصغر من اقتصاد إيطاليا، وحكومتها تغرق في الفساد، وسكانها يتناقصون، وقوتها العسكرية لا تقارن بالقوة الأميركية، لكنها تنافق، ما يجعل استراتيجية روسيا عبارة عن نفاق في نفاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق