واشنطن - من حسين عبدالحسين
قبل نحو أسبوعين من الانتخابات الأميركية المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، عبّر بعض القياديين في الحزب الديموقراطي عن تخوفهم من أن ينعكس إحجامهم عن شن حملة قرع على الأبواب لتسجيل الناخبين وحثّهم على الاقتراع سلباً على نتائج الانتخابات، في وقت شن الجمهوريون «حملة أرضية» فائقة التنظيم نجحت في تقليص الفارق بين الناخبين المسجلين بين الحزبين، والذي كان يتفوق فيه الديموقراطيون.
في فلوريدا، الولاية المتأرجحة التي من المتوقع أن تشهد «أم المعارك»، والتي قد تشكل نتائجها الحسم في هوية الفائز، على غرار انتخابات العام 2000، كان الديموقراطيون يتقدمون على الجمهوريون بفارق نصف المليون مقترع مسجلين في خانة الحزب الديموقراطي. لكن المرشح الديموقراطي، نائب الرئيس السابق جو بايدن، رفض أن تدير حملته «حملة أرضية»، على غرار السنوات الماضية، معللاً رفضه بأن قرع الأبواب في زمن وباء فيروس كورونا المستجد من شأنه أن يعرّض حياة الناشطين والناخبين للخطر.
أما الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، فرفض الإذعان لمتطلبات السلامة العامة لوقف انتشار الوباء، بل اعتبر أن الفيروس مؤامرة حيكت ضده لإخراجه من البيت الأبيض، ورفض ارتداء الكمامة، وعقد لقاءات انتخابية حاشدة شارك فيها مناصروه من دون كمامات، وهي لقاءات - مثل ولاية آريزونا الجنوبية - أفضت لانتشار الوباء بين صفوف الحاضرين، وكان منهم المرشح الجمهوري السابق للرئاسة ومناصر ترامب هيرمان كاين، الأفريقي الأميركي الذي توفي جراء إصابته بالوباء.
لكن إصرار ترامب على تجاهل الوباء أدى الى تنفيذ «حملة أرضية» قرع بموجبها الناشطون الجمهوريون عشرات ملايين الأبواب، خصوصاً في الولايات المتأرجحة، وقاموا بتسجيل الناخبين، وحثّوهم على التبرع مالياً والحضور الى اقلام الاقتراع شخصياً للانتخاب يوم الثالث من نوفمبر. وفي الأثناء، كرر ترامب أنه يرفض الانتخابات عبر البريد، وأنه يعتقد أن هذا النوع من الانتخابات هو عرضة للتزوير.
أما بايدن الذي تفادى شن «حملة أرضية»، فاستعاض عنها بحملة اتصالات عبر الهاتف والبريد الإلكتروني، وعمدت حملته إلى حثّ الناخبين على الاقتراع عبر البريد لتفادي تعريض أنفسهم للفيروس باقتراعهم شخصياً. وتنص قوانين الولايات التي تسمح التصويت بالبريد لمن يرغب (كل الولايات تسمح التصويت البريدي لفئات معينة مثل أفراد الجيش والقوات الأمنية) على قيام المواطن بالطلب، عبر الإنترنت، ورقة اقتراع رسمية، ويتم التحقق من هوية المواطن إلكترونياً عبر مقارنة بياناته. وبعد إرسال ورقة الاقتراع الرسمية بالبريد، يصبح ممنوعاً على المواطن الاقتراع شخصياً، واذا فعل ذلك، لا يتم احتساب صوته الى ما بعد الانتهاء من الفرز والتأكد أنه لم يقترع بريدياً حتى لا يتم احتساب صوته مرتين.
مع حلول مطلع هذا الأسبوع، قاربت نسبة المقترعين المبكرين - في البريد أو شخصياً - 30 مليونا، أو ما يوازي 20 في المئة من اجمالي ناخبي العام 2016، الذين بلغ عددهم 139 مليوناً.
في 2016، وصل عدد المقترعين قبل يوم الانتخاب، 40 في المئة من إجمالي من أدلوا بأصواتهم، واذا ما تواصل الاقتراع المبكر على هذه الوتيرة، من المحتمل أن يتحول عدد المقترعين يوم الانتخاب الى أقلية نسبة للمقترعين المبكرين. في نوعي الانتخاب، البريدي والشخصي، تفوّق الديموقراطيون بشكل واسع على الجمهوريين. بريدياً، بلغ عدد المقترعين الديموقراطيين 55 في المئة من الإجمالي، مقابل 20 في المئة للجمهوريين. كذلك في التصويت شخصياً، اكتسح الديموقراطيون منافسيهم الجمهوريين بـ 54 - 25.
على أن التفوق الديموقراطي تراجع في الفارق بين «المسجلين للانتخابات» في فلوريدا من 327 ألفاً الى 134 ألفاً فقط، بسبب «الحملة الأرضية» لحملة ترامب، والتي دفع نجاحها بايدن الى التراجع عن معارضته لمواجهتها بـ «حملة أرضية» ديموقراطية، لكنها جاءت متأخرة.
وأثمرت حملة ترامب زيادة واسعة في التسجيل في صفوف البيض من غير حاملي الشهادات، وهي الفئة التي يعوّل عليها للفوز بولاية ثانية، وتوزعت الزيادة على ثلاث ولايات متأرجحة، هي بنسلفانيا وويسكونسن وميتشيغن، وهو ما ساهم بنشر بعض التفاؤل في صفوف الحملة الجمهورية، رغم أن الاستطلاعات لا تزال تظهر تقدماً شاسعاً لبايدن، وهو فارق يقول الخبراء إنه لم يسبق أن نجح أي مرشح في التغلب عليه.
ويقول البروفيسور في جامعة فلوريدا مايكل ماكدونالد، إنه في وقت «يشعر الديموقراطيون بالرضا عن العدد القياسي للناخبين المبكرين، أعتقد أن القصة الأكثر أهمية الآن هي القصة التكتيكية، فحملة ترامب أنفقت ملايين الدولارات على إرسال رسائل بريدية لتشجيع مؤيديه على طلب بطاقات الاقتراع عبر البريد والتصويت شخصياً».
ويتابع ماكدونالد، على موقعه المتخصص «مشروع الانتخابات الأميركية»، أن «حملة ترامب أرسلت ثلاثة رسائل بريدية إلى منزلي، منها موجهة إلى من كان يسكن بيتي قبلي لتشجيعه على طلب الاقتراع بالبريد والتصويت شخصياً مبكراً».
وأضاف أن من سكن منزله قبله «لم يعش هنا منذ سنوات عدة، ولم يعد موجوداً في ملف الناخبين، وهذا نوع من الاستهداف السيئ، واهدار أموال الحملة إلى حد كبير، لأن أنصار ترامب يستمعون إلى خطابه حول التزوير في الاقتراع البريدي ويحجمون عنه، حتى لو أخبر مؤيديه أحياناً على مضض بالتصويت عبر البريد أو التصويت مبكر، فإن الجمهوريين لم يفعلوا ذلك بعد».
وتابع الخبير أن إهدار الأموال يعني أن حملة بايدن تتمتع بفعالية أكبر من حملة ترامب، إذ تقوم بتحليل بيانات التصويت المبكر للناخبين نفسها، وبشطب الأسماء ممن تغيرت عناوين سكن أصحابها، وتعيد تركيز جهودها على الناخبين ممن لم يشاركوا بعد، وهذا يعني أن «بايدن قادر على استخدام الأموال التي لديه بشكل أكثر فعالية».
المفاجأة الأخيرة التي يطمح إليها ترامب هي أن تنجح حملته في شطب أصواتاً بريدية كثيرة - أثناء الفرز - واعتبارها أوراقاً باطلة بسبب أخطاء قد يرتكبها الناخبون البريديون، وأن تكون المشاركة الانتخابية الشخصية يوم الانتخابات لمصلحته، إذ يندر أن تقع أخطاء في الانتخاب الشخصي الذي يجري عبر ماكينات إلكترونية وبإشراف المسؤولين عن القلم.
والسؤال: هل يخبئ ترامب مفاجأة للديموقراطيين يفجرها يوم الانتخابات بمشاركة مناصريه بصورة غير مسبوقة أم أنه في وضع سيئ دفعه الى الخروج عن طوره أثناء لقاء لأركان حملته، وهو لقاء أكثر خلاله من استخدام الكلمات النابية والشتائم؟ وهذا إن صحّ، يشي أن الرئيس الأميركي نفسه ليس مرتاحاً لكيفية تطور الأمور قبل نحو أسبوعين على موعد الانتخابات...
... الشريك أم الظل؟
مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، يقدّم قادة في المنطقة الدعم لشريكهم الرئيس دونالد ترامب، الساعي للفوز بولاية ثانية يُتوقع أن تواصل «حرق الجسور» مع إيران.
وتتناقض علاقات ترامب الوثيقة مع دول الخليج مع العلاقة الفاترة التي ربطت هذه الدول بسلفه باراك أوباما، الذي أثار بإبرامه الاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، مخاوف الخليج.
ويقول مسؤول خليجي لـ «فرانس برس»، طلب عدم الكشف عن هويته: «الزيارة التاريخية في مايو 2017 (للسعودية) كانت بداية لعلاقة استثنائية مع رئيس أميركي. لقد فتحت أبوابا كثيرة».
ويضيف: «صنّاع القرار هنا يريدون منطقياً أن تظل تلك الأبواب مفتوحة، لكنهم يستعدون للسيناريو الآخر». في أول رحلة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة في مايو 2017، حظي ترامب باستقبال حار في السعودية... تقلّد ميدالية ذهبية وخاطب زعماء مسلمين، مطلقا العنان لمواجهة مع إيران.
في السنوات التي تلت، ولّدت استراتيجيته الاندفاعية وغير التقليدية سلسلة من الأحداث المتسارعة التي أعادت رسم المشهد الإقليمي. فقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وأمر باغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس. وتقول كبيرة محللي الخليج في معهد «مجموعة الأزمات الدولية» إلهام فخرو، إن «السعودية والإمارات تشتركان في تصوّر أن إدارة أوباما تخلّت عن حلفائها التقليديين في الخليج».
وترى أنّ دول الخليج قلقة من إمكانية «العودة عن العقوبات على إيران» في ظل إدارة ديموقراطية.
ومع ذلك، تستعد منطقة الخليج، لاحتمال العودة إلى التعامل مع إدارة ديموقراطية، تعتبر «ظل أوباما» ستحاول على الأرجح جرّ طهران مجدّداً إلى طاولة المفاوضات.
لا ميكروفونات
فيما تتجه الانظار الى المناظرة الثانية والأخيرة المقرّرة غداً، بين الرئيس دونالد ترامب والمرشح الديموقراطي جو بايدن، أعلنت لجنة المناظرات الرئاسية أنه سيتم تعديل قواعد هذه المناظرة خصوصاً قطع الميكروفون عن المرشّح حين لا يكون دوره في الكلام، للحؤول دون تكرار التشويش الذي ساد المناظرة الأولى.
وتابعت اللجنة أنّه خلال المناظرة سيكون أمام كلّ من ترامب وبايدن مدّة دقيقتين للإجابة عن سؤال يطرحه عليهما أو على أحدهما مدير الندوة، وخلال هذا الوقت سيكون الميكروفون مقطوعاً عن المرشّح الآخر المفترض به أن ينصت إلى إجابة منافسه.
وما أن يُنهي كلا المرشّحين دقيقتيه المخصّصتين للإجابة، يتحوّل الأمر عندها إلى نقاش مفتوح بينهما فيصبح بإمكانهما التحاور مباشرة وتكون تالياً ميكروفوناتهما مفتوحة في الوقت نفسه.
وأوضحت اللجنة في بيان أنّها «ترغب في أن يحترم المرشّحان وقت الكلام الخاص بهما، الأمر الذي سيدفع النقاش العام لما فيه صالح المشاهدين». وسارع ترامب إلى انتقاد قرار اللجنة. لكنه قال إنه سيشارك رغم الشروط «غير العادلة». وخلال مناظرتهما الأولى في سبتمبر الماضي، قاطع ترامب منافسه الديموقراطي 71 مرة، في حين قاطعه نائب الرئيس السابق 22 مرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق