واشنطن - من حسين عبدالحسين
على غير عادة، سرق «حزب الله» اللبناني الأضواء في كواليس مجلس النواب الأميركي على مدى الأيام القليلة الماضية، مع موافقة الحزبين الديموقراطي والجمهوري على إصدار قرار، وهو بمثابة موقف سياسي، يعبّر عن رؤية الكونغرس للأزمة اللبنانية، في وقت بادر عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا جو ويلسون، وهو من غير المعروف عنه متابعة شؤون الشرق الأوسط، بتقديم تشريع يقضي بتوسيع العقوبات على «حزب الله» حتى تندرج تحت خانة تبييض الأموال بدلاً من مكافحة تمويل الإرهاب، كما هو سائد حالياً، وهو قانون إن تمت المصادقة عليه أو على مثيله مستقبلاً، يمثّل تغيراً كبيراً في كيفية تعامل واشنطن مع الحزب.
بادئ ذي بدء، لا بدّ من الإشارة إلى أن الموقفين يؤكدان ما عكف العارفون في العاصمة الأميركية ومتابعي الشأن اللبناني على تكراره، لناحية أن لا سياسة أميركية خارجية حول لبنان، بل ان سياسة أميركا، تتمحور حول «حزب الله».
أهمية القرار في مجلس النواب حول «دعم لبنان» تكمن في هوية من قام بتدبيج نصه وبادر الى طرحه للمصادقة عليه، وهو عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية ايلينوي دارن لحود، وهو أميركي من أصل لبناني ونجل عضو الكونغرس السابق راي لحود.
عائلة لحود هذه تنتمي الى الحزب الجمهوري، لكنها في الوقت نفسه من أقرب المقربين الى الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما. وكان راي لحود عمل وزيراً للنقل في ولاية أوباما الأولى، ومازال الاثنين يتمتعان بصداقة وعلاقة متينة.
قرار لحود سانده عدد من أعضاء الكونغرس من الحزبين، في طليعتهم عضو الكونغرس الديموقراطية عن ولاية فلوريدا دونا شلالا، وهي سبق أن زارت لبنان يوم كانت تعمل وزيرة للصحة في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، واستضافها نظيرها اللبناني وقتذاك كرم كرم. وتمت الموافقة على القرار في لجنة الشؤون الخارجية، التي كانت أحجمت عن ذلك بتعطيل من «أصدقاء إيران» في الكونغرس.
وينص قرار لحود على ست نقاط، أولها أن «الولايات المتحدة تقدم المساعدة لشعب لبنان من أجل دعم الخدمات والأمن للمواطنين، خصوصاً لمواجهة التأثير المتزايد والتأثير السلبي لحزب الله والجهات الفاعلة الأخرى المزعزعة للاستقرار»، وثانيها أن الكونغرس يدعو «الحكومة اللبنانية إلى العمل بنشاط لمكافحة الفساد في الحكومة، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتدابير مكافحة الفساد، والعمل مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإجراء الإصلاحات اللازمة من أجل استقرار الاقتصاد»، وثالثها دعوة لبيروت لتأمين «السلامة وحرية الحركة والوصول لقوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان» لأي مواقع تطلب تفتيشها، وذلك «للتخفيف من أي آثار مزعزعة للاستقرار على لبنان، وفي الوقت نفسه دعم التطبيق الصارم لقرار مجلس الأمن الرقم1701».
كذلك أعرب الكونغرس عن دعمه «حق الشعب اللبناني في الانخراط في تظاهرات وتجمعات سلمية لمساءلة الحكومة»، ولتعزيز«التمثيل السياسي الديموقراطي، وزيادة الحقوق المدنية».
وعلى عكس ما يدعو إليه «صقور» الجمهوريين لناحية وقف الدعم الأميركي للجيش اللبناني، أعرب قرار الكونغرس عن اعترافه بالجيش «باعتباره المؤسسة الوحيدة المسؤولة عن الدفاع عن سيادة لبنان»، كما يدعم القرار تعزيز الشراكة الأميركي مع الجيش «لمنع الجماعات الإرهابية، مثل حزب الله وداعش والقاعدة، من ممارسة النفوذ في لبنان».
ختاماً، أشار القرار الى اعترافه «بدور لبنان ومؤسساته، مثل القضاء المستقل والصحافة الحرة والحكومة التمثيلية متعددة الطوائف، كأمثلة تاريخية للقيم الديموقراطية في الشرق الأوسط، ويعرب عن دعمه لاستمرار الديموقراطية والمثل الديموقراطية في لبنان».
بدوره، اتخذ مشروع «قانون ويلسون» - الذي لم يتم الكشف عن نصه بعد - منحى مختلف عن دعم لبنان، رغم توافق التشريعيين على مواجهة «حزب الله».
وفي بيان صحافي على إثر تقديمه مشروع القانون، الذي حظي برعاية عشرة مشرعين جمهوريين ولكن من دون أي دعم ديموقراطي، وصف ويلسون تشريعه بأنه «بعيد المدى»، وقال إنه جاء «بناء على التوصيات التي قدمتها استراتيجية الأمن القومي الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب الجمهورية»، معتبراً أن «من شأن القانون أن يوقف أنشطة غسل الأموال التي تقوم بها منظمة حزب الله الإرهابية المدعومة من إيران في كل أنحاء العالم، خصوصاً في لبنان وأميركا اللاتينية»، وذلك من خلال مطالبة البيت الأبيض «باتخاذ قرار بأن المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم الإرهابي - في جنوب لبنان وفي منطقة الحدود الثلاثية في أميركا الجنوبية - تشكل مخاوف أساسية بشأن غسل الأموال بموجب المادة 311 من قانون باتريوت».
وتابع في بيانه أن مشروع القانون يمثل أشد العقوبات التي اقترحها الكونغرس حتى الآن على «حزب الله»، وذلك من خلال «قطع البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الإرهابية عن النظام المالي الدولي»، وهو ما يعني أن «القانون سيقطع شوطاً طويلاً نحو تجفيف الموارد» التي يستخدمها الحزب «لشن هجمات قاتلة ضد الولايات المتحدة وحلفائنا».
واعتبر ويلسون «أن مشروع القانون هذا سيجعل من الصعب على حزب الله تنفيذ ما تريده إيران لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد... والحوثيين في اليمن، ومواصلة زعزعة استقرار الشرق الأوسط».
إلى ذلك، من المتوقع إقرار، قرار لحود الداعي الى دعم دولة لبنان لإضعاف «حزب الله»، في الهيئة العامة، في أقرب فرصة لانعقادها، أي أنه قد يصدر قبل منتصف يناير المقبل على أبعد تقدير، وهو لا شك سيتحول الى سياسة عامة للولايات المتحدة في حال وصول المرشح الديموقراطي للرئاسة نائب الرئيس السابق جو بايدن الى البيت الأبيض في الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل.
أما في حال فوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية، فالتعامل مع «حزب الله» سيدخل في سياق زيادة الضغط على إيران، هذا ما لم تقبل طهران تحويل بعض البنود في الاتفاقية النووية من التي تنتهي صلاحيتها في السنوات المقبلة إلى «بنود دائمة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق