واشنطن - من حسين عبدالحسين
يكاد يجمع المراقبون في الولايات المتحدة وبقية دول العالم، على أنه في حال وصوله إلى البيت الأبيض منتصف يناير المقبل، سيقوم المرشح الديموقراطي للرئاسة جو بايدن بالعودة الفورية إلى الاتفاقية النووية مع إيران، وهو ما أعلنه نائب الرئيس السابق في أكثر من إطلالة انتخابية.
لكن في واشنطن وعالمها، قلّما يتحول الكلام الانتخابي حقيقة. مثلاً في العام 2008، أعلن المرشح الديموقراطي باراك أوباما أنه في حال انتخابه رئيساً، سيقوم بسحب القوات الأميركية من العراق في مهلة أقصاها ستة أشهر من موعد دخوله البيت الأبيض في يناير 2009. لكن القوات الأميركية لم تنسحب من العراق حتى نهاية العام 2011.
الواقع غالباً ما يفرض سياسات مختلفة عن الوعود الزهرية التي تلاقي حفاوة شعبية. في حالة الاتفاقية النووية مع إيران، سيواجه بايدن، في انتخابه رئيساً، سلسلة من العوائق، بعضها بسبب تصميم الاتفاقية النووية، وبعضها الآخر بسبب سياسات الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران.
وكان الرئيس السابق أوباما صمم الاتفاقية النووية على أساس أنها مفتاح بناء الثقة بين الولايات المتحدة وإيران، وأعلن مراراً أنها ستؤدي إلى توليد طاقة إيجابية يمكن استثمارها في المجالات الأخرى من العلاقات بين واشنطن وطهران، وصولاً إلى إعادة العلاقات الديبلوماسية وتبادل السفارات بين الطرفين.
وأثمرت اتفاقية أوباما توقيع شركة «بوينغ» الأميركية العملاقة لصناعة الطائرات عقدين مع الحكومة الإيرانية بقيمة 30 مليار دولار، ومثلها فعلت منافستها الأوروبية «إيرباص»، فضلاً عن شركة «توتال»، التي وقعت عقداً بقيمة خمسة مليارات دولار لاستثمار حقل بارس 11. وكان متوقعاً أن تصبح الشركة الفرنسية مسؤولية عن إنتاج ما يقارب ثلث الإنتاج اليومي للطاقة في إيران.
وكان أوباما يأمل في أن تضمن المصالح التجارية استمرارية الاتفاقية النووية ومسار تحسن العلاقات، وهو ما حصل فعلاً مع الأوروبيين، الذي آثروا الانفصال عن ترامب، لدى انسحابه من الاتفاقية النووية، والبقاء على علاقة جيدة مع طهران على أمل إعادة استئناف العقود التجارية بعد رحيل ترامب ورفع بايدن، العقوبات.
لكن على عكس أوروبا التي تتراخى في شؤون الإرهاب وحقوق الإنسان لحساب مصالحها المالية، تعاني الولايات المتحدة من الأذى الذي تسببه «نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة»، حسب التعبير الأميركي، بمصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها الشرق أوسطيين. لهذا السبب، قام ترامب، فضلاً عن إعادته العقوبات المتعلقة بالملف النووي التي كان أوباما علّقها إثر التوصل لاتفاقية مع إيران نهاية العام 2015، بفرض عقوبات جديدة غير النووية التي كانت مفروضة.
ولا ترتبط غالبية عقوبات ترامب على إيران بملفها النووي، بل هي تتركز في مجملها على مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال. مثلاً، قام ترامب بإعلان تنظيم «الحرس الثوري» الإيراني، إرهابياً. ويتهم الأميركيون هذا التنظيم بمسؤوليته - بطرق مباشرة وغير مباشرة - عن مقتل عسكريين ومدنيين أميركيين على المدى العقود الأربعة الأخيرة.
على عكس في أوروبا، التي تنقسم في مواقفها تجاه الميليشيات الموالية لإيران، مثل «حزب الله» اللبناني، في العاصمة الأميركية اجماع جمهوري وديموقراطي على اعتبار كل هذه الميليشيات تنظيمات إرهابية. هذا يعني أنه يمكن لبايدن التراخي في العقوبات التي أعادها ترامب والمتعلقة بشؤون ملف إيران النووي، لكن عقوبات كثيرة أخرى - وأشد قسوة - قام ترامب بفرضها بداعي الإرهاب، واستهدفت «الحرس الثوري» وقادته، وهذه عقوبات لا مجال لبايدن بالتساهل في رفعها.
هذا يعني أنه في حال سعى بايدن إلى رفع عقوبات الإرهاب عن إيران، سيعاني من مشكلة سياسية. حتى أوباما، أكثر أصدقاء إيران في صفوف القيادة الأميركية على مدى العقود الماضية، لم يرفع العقوبات المتعلقة بالإرهاب، بل إن الرئيس السابق استخدم العقوبات على الإرهاب كجائزة ترضية لمعارضي رفع العقوبات الأميركية النووية، وكان ذلك في سياق توقيعه على قانون أقرّه الكونغرس ضد «حزب الله». هكذا، يصبح السؤال: حتى لو صار بايدن رئيساً وسعى لعودة أميركا للاتفاقية النووية، هل ترضى إيران برفع الرئيس الأميركي المحتمل لجزء من عقوبات ترامب، أم أنها ستصرّ على قيام بايدن برفعها كلها، بما في ذلك إبطال تصنيف «الحرس الثوري» تنظيماً إرهابياً؟ في حال أصرّت إيران على رفع بايدن كل العقوبات، قد يجد نفسه الرئيس المحتمل أمام معضلة، إذ إن رفع عقوبات تتعلق بالإرهاب مكلف سياسياً، وقد يواجه معارضة قاسية داخل حزبه ضد ذلك. أما في حال رفع بايدن العقوبات النووية، من دون المتعلقة بالإرهاب، قد لا يؤثر ذلك في وضع الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني من انهيار متواصل منذ إعادة ترامب العقوبات في 2017.
ويعتقد العارفون أن أقسى العقوبات الأميركية على إيران هي التي أضافها ترامب، وهي تستهدف قطاعي النفط والمال، وهو ما أدى إلى شلل شبه تام في الاقتصاد الإيراني. ترامب كان يسعى لإجبار إيران على الموافقة على تحويل الاتفاقية النووية مع إيران دائمة، من دون أن تنتهي في العام 2040، ومن دون أن تنتهي صلاحية أي من بنودها قبل ذلك التاريخ وتصبح إيران حرة في تخصيب اليورانيوم، مع ضابط وحيد هو توقيعها البروتوكول الإضافي في اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية. لكن هذا التوقيع لا قيمة له، وهو البروتوكول نفسه الذي رمته كوريا الشمالية في سلة القمامة قبل أكثر من عقد، وباشرت بصناعة الأسلحة النووية بعد ذلك.
لكن في حال لم ترضخ إيران، تقضي خطة ترامب بفرض عقوبات تجعل من الصعب على أي إدارة أميركية مقبلة حلّها من دون التوصل الى تسوية في موضوع الميليشيات الإيرانية و«نشاطات طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
مصادر بايدن تقول إن من السذاجة أن يتوقع الإيرانيون أن يعود الرئيس المحتمل إلى الاتفاقية النووية وكأن شيئاً لم يكن، وأن العودة تتطلب بعض التسويات مع طهران، وهو ما يتطلب مفاوضات، والمفاوضات عرضة للاستعراض السياسي، بحسب من سيخلف الرئيس حسن روحاني في الانتخابات الإيرانية المقررة في يونيو المقبل.
ويعتقد الباحث الإيراني الأميركي اليكس فاتانكا، أن«الوضع السياسي الإيراني ماضٍ في التغيير نحو الأكثر تشدداً، وأن الرئيس المقبل سيكون على الأرجح أقرب إلى المرشد والحرس، وهو ما يرفع من إمكانية استمرار المواجهة ضد الولايات المتحدة أكثر من التسوية».
ويقول فاتانكا لـ«الراي» إنه «حتى لو حاول بايدن العودة للاتفاقية النووية مع إيران، قد لا تكون طهران مستعدة، وقد يكون المرشد علي خامنئي، يعمل على سياسته القاضية بمحاولة فصل أميركا عن أوروبا، أو ما يسميها سياسة الغرب ناقص أميركا».
هكذا، في وقت يجمع كثيرون على أن انتخاب بايدن يعني عودة أميركية تلقائية الى الاتفاقية مع إيران، قد تبدو وعود بايدن انتخابية أكثر منها حقيقية، وقد تعني أن «حساب البيدر قد لا ينطبق على حساب الحقل».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق