الاثنين، 14 يونيو 2021

وباء «كورونا» يتلاشى أميركياً ونمو اقتصادي حاد يُنذر بانفلات التضخم

واشنطن - من حسين عبدالحسين

قبل 90 يوماً، كانت كل المؤسسات الحكومية والتجارية الأميركية تفرض على مرتاديها ارتداء كمامات ومراعاة قواعد التباعُد الاجتماعي. وكانت تقدم مطهراً لليدين على مداخلها وأمام المواقع التي تشهد إقبالاً للزبائن، مثل صناديق المحاسبة في محلات السوبرماركت وغيرها من المحال التجارية.

اليوم، اختفت الكمامات من على وجوه الغالبية الساحقة من الأميركيين، إلّا القليل منهم من المشككين في فعالية اللقاح أو انحسار فيروس كورونا المستجد، في وقت تبخرت قواعد التباعُد، وبدأت المؤسسات - خصوصاً المطاعم - تكتظ بالمرتادين بمعدلات فاقت ما كانت تشهده ما قبل انتشار بدء وباء «كوفيد - 19» في مارس 2020.

وفي الوقت نفسه، جفّت مستوعبات مطهر اليدين، وبقيت في مكانها مثل «الاطلال»، شاهدة على 13 شهراً من الخوف بين الناس من الفيروس، والوسواس من الاصابة به، والافراط في استخدام المطهر في محاولة ضمان تفادي التقاط العدوى.

ومنذ بدء الحكومة الأميركية، مطلع 2021، حملتها لتلقيح 280 مليوناً من السكان ممَنْ هم من عمر 12 عاماً وما فوق، تم استخدام 375 مليون جرعة لتلقيح 44 في المئة، أيّ 149 مليوناً، بشكل كامل، أي ممَنْ تلقوا جرعتين، فيما تلقى 10 في المئة اضافيين، أي 28 مليوناً، جرعة واحدة على الأقل.

وفي ذروة موجة التلقيح، وصل عدد الملقحين يومياً إلى أربعة ملايين في عموم البلاد، لينخفض الرقم تدريجياً ويصل الى مليون وربع المليون يومياً، على مدى الأسبوع الماضي.

وأمام «تسونامي» لقاح «كورونا» الأميركي، قهرت الولايات المتحدة، الوباء، الذي راحت أرقام المصابين به تنخفض بسرعة فائقة. الأسبوع الماضي، مثلاً، انخفض عدد إجمالي المصابين في المستشفيات الى ما دون 20 ألفاً، للمرة الأولى منذ مارس 2020، وبدأ عدد كبير من المستشفيات يفكك الأجنحة التي خصصها لاستقبال المصابين، في وقت انخفض معدل الاصابات اليومي الى ما دون عشرة آلاف، وهو الرقم الذي لم تشهده الولايات المتحدة منذ مارس 2020. كذلك تراجع معدل الوفيات اليومي الى 120، وهو الأدنى منذ أكثر من عام.

وبسبب الأموال الضخمة التي ضختها الادارتان الأميركيتان المتعاقبتان للتخفيف من مضاعفات الإقفال الذي فرضه الوباء على حُسن سير الاقتصاد، أولاً ادارة الرئيس السابق دونالد ترامب وبعدها ادارة خلفه جو بايدن، تكدست الأموال في الحسابات البنكية لغالبية الأميركيين، في وقت مازالت معظم دول العالم مقفلة بانتظار تلقيح سكانها، وهو ما أجبر الأميركيين على انفاق الأموال المخصصة لاجازاتهم السنوية على السفر الداخلي، في ظل غياب امكانات السفر للخارج.

وأدى ارتفاع الطلب على السياحة الداخلية إلى ارتفاع قياسي في أسعار كل القطاعات المتعلقة بالسياحة، أهمها سعر البنزين، حيث تعدى معدل سعر الغالون الواحد، عتبة الثلاثة دولارات، وذلك للمرة الأولى منذ ما قبل «الركود الكبير» الذي أصاب البلاد في خريف العام 2008.

ومثل سعر البنزين، ارتفعت أسعار غرف الفنادق والبيوت السياحية، التي يتم تأجيرها عبر تطبيق «اربي انبي». ومثل ذلك، بدأت أسعار تذاكر السفر للطيران الداخلي ترتفع، وبات صعباً تأمين حجز مقعد في فترة تقل عن ثلاثة أسابيع، في وقت حافظت أسعار الطيران الخارجي على أدنى معدلاتها بسبب انخفاض الطلب عليها.

ومع أن دول الاتحاد الأوروبي أدركت أنها بحاجة لأموال السياّح الأميركيين، الملقحين بغالبيتهم المطلقة، إلّا أن عواصم القارة الأوروبية وشواطئها لا تبدو جذابة للأميركيين بسبب الاقفال الواسع الذي مازالت تعاني منه غالبية الدول، اذ لا متعة للأميركيين بالسياحة في المدن المقفرة.

والسياحة الداخلية ليست القطاع الوحيد الذي يُعاني من ارتفاع حاد في الطلب، وتالياً من تضخم كبير في الأسعار، اذ ان قطاعات أميركية واسعة تُعاني من المشكلة نفسها، وفي مقدمها قطاعا المساكن والبناء، غالباً بسبب الطلب الكبير المؤجل على مدى أكثر من عام، اذ قام عدد كبير من الناس بتأجيل عملية زواجهم وشرائهم بيوت لبناء عائلات.

ثم عادت الولايات المتحدة الى مرحلة ما قبل «كورونا»، فحصل شبه انفجار في الطلب على المنازل السكنية، وارتفعت أسعار البيوت بشكل حاد جداً، وتقلص الطلب، حتى أن أصحاب البيوت صاروا يتلقون رسائل قصيرة على هواتفهم من شركات تعرض عليهم شراء منازلهم بضعف سعرها السابق.

جزء آخر من الأميركيين من ملاكي البيوت قاموا بتأجيل عمليات الصيانة والاصلاح، ثم انهمروا كلهم في وقت واحد على طلب المتخصصين في شؤون البناء والصيانة. هكذا، ارتفع سعر الخشب الذي يتم استخدامه لتلبيس الأراضي في غالبية المنازل بشكل قياسي، وارتفعت أجور العاملين في البناء والصيانة حتى صار أجر ساعة العامل في الكهرباء أو في تمديدات الماء والمجاري يوازي أجر أكثر المتخصصين دخلاً، مثل الأطباء والمحامين.

الصورة تبدو وردية في الولايات المتحدة، وهذه أنباء تسرّ بايدن وحزبه الديموقراطي، الذي يمسك بالغالبية في الكونغرس بغرفتيه، النواب والشيوخ. لكن هذه الوردية تخفي خلفها بعض القلق، اذ سبق أن حذّر بعض الاقتصاديين، في طليعتهم وزير الخزانة الديموقراطي السابق رئيس جامعة هارفرد المرموقة لاري سمرز من عواقب «رمي المال» الحكومي على الناس. وقال إن من شأن هذا النوع من السياسات أن يؤدي الى تضخم، وتالياً الى انخفاض قيمة العملة في أيدي الناس وانخفاض قيمة أجورهم الفعلية.

ويشير المتخوفون من التضخم الداهم إلى أسعار المحروقات، ويقولون إن مؤشر أسعار الطاقة هو من أكثر المؤشرات الاقتصادية دقة، وأن سعر البنزين قد لا يعود إلى حيث كان عليه قبل بدء انتشار الجائحة قبل أكثر من عام.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008