واشنطن - من حسين عبدالحسين
تحمل الضربة الجوية التي وجهتها الولايات المتحدة، لثلاثة مبانٍ تستخدمها ميليشيات «كتائب حزب الله» و«كتائب سيد الشهداء» العراقية الموالية لإيران، على طرفي الحدود العراقية - السورية، في طياتها، ما هو أبعد من الضربة التي وجهها الرئيس جو بايدن للميليشيات نفسها في فبراير الماضي.
هذه المرة، قامت طهران بتغيير قواعد اللعبة بتغييرها الأدوات التي تستخدمها في هجماتها، حسب المصادر الأميركية. في الماضي، كانت الميليشيات الموالية تستخدم صواريخ غير موجهة تطلقها كيفما اتفق على القواعد العراقية التي تؤوي مستشارين عسكريين أميركيين.
لكن في الآونة الأخيرة، بدأت الميليشيات باستخدام طائرات من دون طيار (تعد أكثر دقة بكثير من الصواريخ) مفخخة لشن هجمات ضد أهداف أميركية.
وأصاب آخر الضربات، «مركز دعم الديبلوماسيين»، وهو يؤوي مستشارين عسكريين وعاملين في الاستخبارات وديبلوماسيين.
لم يؤد الهجوم إلى وقوع قتلى أو جرحى في صفوف الأميركيين، لكن «الدرونز الإيرانية المفخخة» أصابت مكاتب الأميركيين في المبنى الذي يعملون فيه، وهو ما يشي بأن طهران ترصد الأميركيين، وأنها قد تنجح في إيقاع الأذى بهم في هجمات مستقبلية.
للرد على «الدرونز»، قامت مقاتلات أميركية من طرازي «إف - 15» و«إف - 16» - انطلقت من قواعد في الخليج - بإطلاق صواريخ موجهة بالأقمار الاصطناعية، مستهدفة مبنيين على الجهة السورية من الحدود مع العراق تستخدمهما الميليشيات، لايواء مقاتلين وتخزين أسلحة، وكذلك على مبنى على الجهة العراقية يُستخدم كمطار صغير تقلع منه «الدرونات» وفيه مركز قيادة وتحكم لإدارتها.
وذكر الناطق باسم البنتاغون جون كيربي، في بيان، أنه «بتوجيه من الرئيس بايدن، شنت القوات العسكرية الأميركية غارات جوية دفاعية دقيقة ضد منشآت تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة الحدودية بين العراق وسورية».
وأضاف أنه «تم اختيار الأهداف لأن هذه المنشآت تُستخدم لقيادة هجمات بطائرات من دون طيار ضد أفراد ومنشآت أميركية في العراق».
وتابع: «على وجه التحديد، استهدفت الضربات منشآت عملياتية وتخزين أسلحة في موقعين في سورية وموقع واحد في العراق».
وأوضح أن هدف الضربة «عرقلة وردع هجمات الميليشيات» ضد القوات أميركية، المتواجدة «في العراق بدعوة من الحكومة، لغرض وحيد هو مساعدة قوات الأمن في جهودها لهزيمة داعش».
وفي روما، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، للصحافيين أمس، «اتخذنا إجراء ضروريا ومناسباً ومدروساً يهدف للحد من مخاطر التصعيد، وكذلك لتوجيه رسالة ردع واضحة لا لبس فيها».
وتأمل إدارة بايدن في أن تؤدي الضربة إلى وقف هجمات الميليشيات، ضد الأميركيين، لكن في حال لم تتوقف وأدت إلى وقوع أصابات، يتباحث الأميركيون في الخطوات التصعيدية الممكنة، والتي تتضمن، حسب أحد المصادر في البيت الأبيض، «إمكانية شن ضربات أميركية جوية ضد أهداف داخل إيران»، من قبيل تدمير مواقع صناعة «الدرونات المفخخة».
ولا ترى مصادر إدارة بايدن ارتباطاً بين محادثات فيينا غير المباشرة، حول ملف إيران النووي، وتصعيد الميليشيات.
وكان قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي، قال في مقابلة مع مجلة الشؤون العسكرية «ميليتاري تايمز» في فبراير، أنه «خلال العام ونصف العام الماضيين، سعت إيران لإجبارنا على مغادرة العراق، من خلال الوسائل السياسية».وأضاف: «(لكن) بعد أن أدرك الإيرانيون أنهم لن يصلوا إلى هدفهم، سياسياً، تحولوا إلى نهج عسكري، وهذا هو الوضع الذي نحن فيه الآن».
والضربة الأميركية ضد أهداف على الحدود مع سورية، هي الثانية من نوعها منذ تولي بايدن الحكم في يناير الماضي. وهي المرة الثانية أيضاً التي يتفادى فيها الرئيس الأميركي استهداف مواقع داخل العراق لتفادي إحراج رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
لكن الضربة لا تعني اجماعاً أميركياً على كيفية التعامل مع الملف الإيراني، إذ إنها كانت نتيجة مجهود احترافي إداري وعسكري واستخباراتي، بعيداً عن السياسيين الذين عينهم بايدن لإدارة الشأن الإيراني، وفي طليعتهم وزير الخارجية انتوني بلينكن ومسؤول ملف إيران روبرت مالي.
وكان الأخير سرّب للإعلام ما مفاده بأن أميركا مستعدة لرفع العقوبات عن المرشد الأعلى علي خامنئي، لإثبات حسن نيتها تجاه النظام الإيراني على طريق عودة الطرفين الى الاتفاقية النووية.
لكن طهران ردت بتصريح غابت عنه أي مرونة، وجاء فيه أنها ستعود للاتفاقية، لا بعد رفع كل العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب فحسب، بل بعد التأكد من ذلك أيضاً، وهو ما يعقّد من مهمة مالي، المستميت على إعادة إحياء الاتفاقية بأي ثمن.
لكن لا يصب التصعيد العسكري الأميركي، رداً على هجمات الميليشيات، في خانة تعزيز الثقة بين الطرفين في المفاوضات النووية، ولا في دفع أي مفاوضات أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق