واشنطن - من حسين عبدالحسين
تسود الحيرة أوساط متابعي الملف الإيراني من المسؤولين والخبراء الأميركيين. انتخاب المرشح المتشدد لإبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، بعد نحو أسبوعين من اليوم، صار أمراً شبه محسوم، لكن ما هو غير واضح، الهدف الذي دفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى تسهيل وصول رئيسي للرئاسة.
بعض المتابعين الأميركيين يعتقدون أن انتخاب رئيسي هو الخطوة الأولى على طريق خلافته خامنئي، فيما يرى البعض الآخر أن رئاسة رئيسي هدفها تمهيد خلافة مجتبى خامنئي والده في منصب المرشد الأعلى.
يقول المتابعون الأميركيون إن ما هو مؤكد، أن هناك عدداً من المناقلات الداخلية في إيران، بما في ذلك تعيين أكثر الموالين لعائلة خامنئي، في أكثر المناصب الأمنية حساسية لضمان انتقال السلطة إلى مجتبى من دون قلاقل أو مواجهات عسكرية.
النقطة الثابتة الثانية هي أن كلاً من رئيسي ومجتبى هما، مثل علي خامنئي، من المتشددين ومن أشد المعادين للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعني أن من يخلف خامنئي سيتبع سياسة متشددة مثله، بل ربما أكثر تشدداً منه.
ثالثاً، يرى المعنيون الأميركيون أنه حتى لو توصل المفاوضون في فيينا إلى إعادة إحياء الاتفاقية النووية مع إيران، من غير المرجح أن تعوّل طهران على هذه الاتفاقية أو على انفتاح على العالم يؤدي إلى وقف انهيار الاقتصاد الإيراني، بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه، بل إن خامنئي، وأياً من خليفتيه، سيواصلان على الأرجح السياسة الحالية القائلة بضرورة تقوية الاقتصاد الإيراني لتحصين البلاد وجعلها منيعة في وجه أي عقوبات أميركية حالية أو مستقبلية.
ويرى الأميركيون أن الإيرانيين أدركوا أنه حتى لو عادت الاتفاقية النووية في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، يمكن أن يعود رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض ويعلّقها من جديد، وهذا ما يدفع الإيرانيين إلى عدم تعليق أهمية تذكر على الاتفاقية، بل معاملتها كتفصيل ومحاولة التخفيف من مفاعيلها على الاقتصاد الإيراني والأمن الاجتماعي المرتبط به.
في ظل هذه المعطيات، لا يرى المتابعون الأميركيون أن الانتخابات المقبلة ستؤثر في علاقة إيران مع العالم، بل إن تأثيرها سينحصر بمتانة النظام الإيراني، ومقدرة الخلف على ضبط الانقسامات بعد رحيل المرشد الحالي، وهذا أمر ليس باليسير.
يشير المتابعون إلى أنه منذ أقل من عام، بدأت وسائل الدعاية التابعة لإيران بإطلاق آية الله على مجتبى خامنئي، البالغ من العمر 52 عاماً، وذلك في محاولة تسهيل عملية خلافته والده، الذي تسلم منصبه قبل 32 عاماً، أي يوم كان في جيل ابنه وكان علي خامنئي لا يزال في منصب حجة الإسلام. لكن تعيينه في منصب مرشد قضى بترفيعه إلى منصب آية الله.
المؤشر الثاني على أن خامنئي الأب يسعى لتسهيل توريث ابنه مقاليد حكم «الجمهورية الإسلامية»، كان يمكن رصده مع قيام عائلة خامنئي بتعيين الجنرال حسين نجاة قائداً لقاعدة ثار الله القريبة من طهران، وهي بمثابة مركز قيادة لقوات النظام الإيراني، بما فيها وحدات «الحرس الثوري» المرابطة قرب العاصمة والمولجة بحماية النظام. ويعتبر تعيين نجاة قائداً لهذه القاعدة بمثابة تخفيض لمرتبته، لكنه ليس تخفيضاً فعلياً، بل هو توكيل من عائلة خامنئي إلى أحد أقرب المقربين بسبب حساسية الأمر أثناء عملية خلافة مجتبى لأبيه.
وبالتزامن مع تعيين نجاة مسؤولاً عسكرياً للقاعدة، قامت عائلة خامنئي بتعيين رجل الدين علي شيرازي مسؤولاً عن التثقيف العقائدي في القاعدة نفسها، في إشارة ثانية إلى أهمية السيطرة على هذه القاعدة - أمنياً ودينياً - في عملية الخلافة.
وتشير التقارير إلى أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، عمد مجتبى إلى تركيز سلطات أمنية وسياسية كثيرة في «مكتب المرشد» التابع لوالده، والذي يديره مجتبى نفسه، وهو الابن الثاني لعلي خامنئي، وسبق أن قاتل في أواخر الحرب العراقية ـ الإيرانية، حيث كوّن صداقات مع مقاتلين صاروا اليوم في أرفع مناصب «الحرس الثوري».
كما تشير التقارير إلى أن مجتبى لعب دوراً محورياً في عملية قمع «الثورة الخضراء» في العام 2009، والتي أفضت إلى فرض فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية.
ويبدو أن عائلة خامنئي تلعب دوراً أساسياً في ضمان فوز رئيسي، لا لوضع رئيسي في موقع يسمح له بخلافة خامنئي، بل لوضع رئيسي في موقع إدارة الأزمات الإيرانية الكثيرة والمعقدة، خصوصاً الاقتصادية منها، وهو ما من شأنه أن يضعف من شعبية رئيسي ويزيد من عدد معارضي إمكانية انتقاله من منصب رئيس إلى منصب مرشد أعلى.
لكل هذه الأسباب، ينقسم المتابعون الأميركيون من المسؤولين والخبراء إلى صفين: واحد يرى أن انتخاب رئيسي هو خطوة أولى لتبوئه منصب المرشد الأعلى، وثانٍ يعتقد أن مهمة رئيسي في الرئاسة ستكون لضمان خلافة وتوريث سهلة وسلسة لمنصب المرشد الأعلى من علي خامنئي إلى ابنه مجتبى، مع الاعتقاد بأنه حتى لو تم التوريث، فستستغرق عملية تثبيت مجتبى نفسه أشهراً كثيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق