حسين عبدالحسين
عب عضو الكنيست الإسرائيلي منصور عبّاس، وكتلته "الموحّدة"، دورا محوريا في تشكيل ائتلاف حكومي من المتوقع أن ينهي أكثر من عقد على حكم رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو. ولم يكد يمرّ أسبوع على خطاب "انتصار غزة" الذي أدلى به زعيم حماس، الفلسطيني إسماعيل هنية، وقال فيه إن "الانتصار" أنهى التطبيع العربي مع إسرائيل، حتى جلس فلسطيني آخر، هو منصور عبّاس، يفاوض الأحزاب الصهيونية المعارضة لحكم نتانياهو، فأفضت مشاوراته مع زملائه في الكنيست - يائير لبيد من اليسار ونفتالي بينيت من اليمين - الى مشاركته في الائتلاف الحاكم، مقابل نيل كتلته منصب وكيل وزارة الداخلية.
ولا بد من الإشارة الى أن كتلة عبّاس "الموحّدة" كانت انشقت عن الكتلة العربية "المشتركة" قبيل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، بعد إعلان "الموحّدة" استعدادها المشاركة في أي ائتلاف حكومي إسرائيلي بما يخدم مصالح الناخبين العرب، فيما أصرّت "المشتركة" على رفض التعامل مع أي كتل اسرائيلية، ورفض أعضاؤها حتى قسم الولاء للدولة في الكنيست.
ثم حان وقت التصويت على حكومة تخلف نتانياهو، فأعلنت "المشتركة" أنها ستصوت ضد الحكومة الجديدة، وهو ما يعني أنها تصوت فعليا لبقاء نتانياهو — الذي تكن له "المشتركة" العداء - رئيسا للحكومة. وختمت "المشتركة" تخبطها بإعلان نيتها التصويت الى جانب الائتلاف الجديد لاستبدال رئيس الكنيست، وهو من حزب نتانياهو، لكن الائتلاف الجديد رفض أصوات وتأييد الكتلة العربية "المشتركة" لمرشحه، وتمسّك الائتلاف الإسرائيلي الجديد بتحالفه مع العربية "الموحدة".
المنصب الذي من المتوقع أن يناله عبّاس لعرب اسرائيل، في وزارة الداخلية الاسرائيلية، قد يقدّم فرصة تعزيز أداء الشرطة في مكافحة الجريمة المنتشرة في البلدات العربية. كما يمكن للعربي الذي سيشغل هذا المنصب أن يعزز دور البلديات في تحسين البنية التحتية والخدمات للعرب.
أما "انتصار غزة" بصواريخ حماس، فلا يمكن قياس الإنجازات التي تلته لأن مستوى معيشة فلسطينيي غزة سيكون بنفس مستوى سوء معيشتهم قبل "الانتصار"، إن لم يكن أسوأ. الانجاز الوحيد الذي سجّلته حماس هو في المدى الأبعد لصواريخها، وكثافة عدد هذه الصواريخ، واستحالة وقف اطلاقها كليا بدون عملية إسرائيلية ساحقة ماحقة تتحول الى نهر من الدماء للجهتين. كما قتلت صواريخ "انتصار غزة" اثنين من عرب إسرائيل.
عن طريق التطبيع والانخراط في الديموقراطية الإسرائيلية، سينال الفلسطينيون من عرب إسرائيل منصبا سيمسح لهم بتحسين حياة ناخبيهم. أما عن طريق الصواريخ والانخراط في "محور الممانعة" الايراني، لم يحصد فلسطينيو غزة شيئا سوى المزيد من الحرب والدمار والصواريخ. كذلك المقاطعة التي يتمسك بها أعضاء الكنيست الإسرائيلي في الكتلة العربية "المشتركة"، لن تعود على ناخبيها من عرب إسرائيل بغير الخطابات الرنانة والشعارات الخشبية.
بين يوم خطاب هنية ويوم تطبيع عبّاس، زار محمد الخاجة، سفير الامارات في إسرائيل، شالوم كوهين، وهو كبير حاخامات حركة "شاس" لليهود المتدينين من المزراحيين، أي من أصول شرقية عربية. في اللقاء، وصف الرجلان "حرب غزة" بالجنون، واتهم المسؤول الإماراتي بعض القنوات العربية وأحزاب "الاسلام السياسي" بـ "تأجيج الجنون".
ولم تتأخر القنوات العربية عن إثبات صحة اتهام المسؤول الاماراتي لها، اذ هي اجتزأت الخبر بتغاضيها عن تصريح أدلى به كوهين وقال فيه أن "جبل الهيكل" لدى اليهود، المعروف بـ "الحرم الشريف" عند المسلمين، هو للعرب، وأنه ليس لليهود أي شأن فيه، وهذا تصريح ينسف نظريات المؤامرة التي تتناقلها بعض الألسن العربية حول المخطط اليهودي القاضي بنسف الأقصى واعادة بناء "هيكل سليمان" بدلا منه.
لكن القنوات العربية المذكورة لا يهمها الدقة في نقل الخبر، بل هي قنوات تعتاش على التحريض وتأجيج المشاعر، بدلا من بث خطاب عقلاني هادئ يتمحور حول الأفكار والأرقام.
الفارق بين هذه القنوات ودولة الامارات هو فارق بين المشاعر والواقع، فالمشاعر تتحرك بالخطابات والصراخ، فيما الواقع يعتمد على السياسات، التي يتم قياسها بالأرقام، أي أنه مثلما يسعى منصور عبّاس في الكنيست الإسرائيلي لخفض أرقام الجريمة، بما يحسن حياة عرب إسرائيل، كذلك تسعى الإمارات إلى زيادة التبادل العلمي والتجاري مع إسرائيل، بما يحسّن من حياة الإسرائيليين - العرب منهم واليهود - وكذلك ينعكس إيجابا على حياة سكان الإمارات من المواطنين والمقيمين.
هكذا، فيما يشتم بعض العرب التطبيع ويغرقون في الفقر والجريمة والحروب، وقّعت الإمارات مع جامعة تل أبيب مذكرة تفاهم لإقامة معهد لأبحاث المياه يهدف الى تقديم حلول لمشكلة شح المياه في المدن الصحراوية، بعيدا عن عملية تحلية مياه البحر المكلفة، في وقت تعدى حجم التبادل التجاري بين البلدين مبلغ 354 مليون دولار، في أقل من سنة، بعد توقيع 25 اتفاقية تعاون اقتصادية في أكثر من 15 قطاعا.
ورفض التطبيع عند بعض العرب ينبع من مصدر الشقاء نفسه الذي تخلصت منه الإمارات، فصارت في طليعة الدول العربية وقبلة المهاجرين.
مصدر الشقاء هذا هو خلط المشاعر بالمصالح، فلدى العرب المقاطعين، لا تهم السياسات وقياسها لتحديد المصالح، بل تتقدم عليها المشاعر والخطابات والشعارات المطلوبة لتحريكها، من قبيل أن "اليهود غلبوا العرب" وأن "الحل يكمن في أن يغلب العرب اليهود"، وهذه الفكرة هي الناظمة لسياسات المقاطعين ومعادي السلام والتطبيع. أما الواقعيون، مثل مؤيدي السلام والتطبيع، فيرون أن الحل هو في تغيير السياسات واستبدالها من شعارات "غالب ومغلوب" الى قياس معدل الدخل، وحجم التجارة، ومستوى المعيشة.
هكذا سيقدم منصور عبّاس والإمارات بتطبيعهم مع إسرائيل إنجازات ملموسة تحسّن من وضع الفلسطينيين في إسرائيل والإماراتيين والعرب في الإمارات، وهكذا سيقدم أرباب التطبيع في الكنيست الاسرائيلي، وحماس و"محور الممانعة"، وقنوات التلفزيون الممانعاتية العربية، المزيد من الفقر والحروب، والشقاء للفلسطينيين والعرب والإيرانيين.
وحدهم الأتراك يصرخون ضد التطبيع مع إسرائيل علنا، ويمعنون في التطبيع سرا، ويهلل لهم عرب مقاطعة إسرائيل من عشاق التصريحات والخطابات والأونطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق