واشنطن - من حسين عبدالحسين
انضم وزير الخارجية انتوني بلينكن الى مسؤول الملف الإيراني في الإدارة الأميركية روبرت مالي في تخويف الكونغرس والرأي العام الأميركي مما يصفونه بـ «الخطر الداهم» لبرنامج إيران النووي.
وأبلغ بلينكن أعضاء الكونغرس، الاثنين، أن طهران قامت بتسريع برنامجها حتى صارت على بعد أشهر من إنتاج قنبلة نووية، وأنه في حال عدم التوصل لاتفاقية معها، ستتمكن من إنتاج قنبلة نووية خلال أسابيع.
هذا الأسلوب الهادف الى تحويل البرنامج النووي الى خطر داهم يستوجب عودة أميركية «كيفما اتفق» الى الاتفاقية النووية، هو الأسلوب الذي ينتهجه مالي منذ توليه رسمياً الملف الإيراني قبل أشهر.
بكلام آخر، يقوم مالي، والآن معه بلينكن، بتضخيم الخطر الإيراني لجعل التوصل الى أي اتفاقية نووية، وان عرجاء، بمثابة انتصار للولايات المتحدة والعالم.
وفي دردشة مع «الراي»، رجّح عاملون في الكونغرس من مساعدي الأعضاء الذين التقوا بلينكن أن يكون سبب انخراطه في التحذيرات التي دأب مالي على الادلاء بها هو اقتراب موعد الانتخابات الإيرانية، في 18 يونيو الجاري، وهو الموعد الذي يستخدمه كل من بلينكن ومالي لاقناع أعضاء الكونغرس باستحالة التوصل لاتفاقية نووية مع طهران بعده بسبب شبه حتمية انتخاب المرشح المتشدد ابراهيم رئيسي رئيساً لإيران.
لكن أعضاء الكونغرس، خصوصا من الديموقراطيين الوسطيين والجمهوريين، تبنوا أسلوباً مضاداً لمواجهة أسلوب تضخيم الخطر الإيراني الذي يتبناه بلينكن ومالي، فقاموا بالاشارة الى تسارع تقارير الاستخبارات الصادرة عن العواصم الأوروبية، والتي تؤكد أن النظام الإيراني يسعى جاهدا للتوصل لصناع سلاح نووي في أقرب وقت ممكن.
واتهم الجمهوريون، إدارة الرئيس جو بايدن الديموقراطية بأنها «القت الكرة»، أي أنها تخلّت عن الموضوع، اذ ان إيران لم تسع طوال الأربع سنوات التي شغل فيها الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الى تسريع برنامجها النووي لخوفها من عواقب ردات فعل واشنطن، وأنها لم تسارع الى انتاج أسلحة دمار شامل إلا بعد وصول بايدن الى الرئاسة.
وفي الوقت الذي تضغط فيه دول الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة من أجل العودة إلى الاتفاق النووي، أظهرت تقارير وكالات الاستخبارات الأوروبية أن طهران سعت، العام الماضي، للحصول على تكنولوجيا لصنع أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل أخرى.
وأعلن جهاز الأمن السويدي أن «إيران تمارس عمليات تجسس صناعية تستهدف بشكل أساسي صناعة التكنولوجيا الفائقة السويدية والمنتجات السويدية، والتي يمكن استخدامها في برامج الأسلحة النووية». واضاف ان «إيران تستثمر موارد ضخمة في هذا المجال»، وأن «بعض هذه الموارد تستخدمها في السويد».
كذلك أشار جهاز الاستخبارات والأمن العام الهولندي، أن طهران سعت للحصول على تكنولوجيا الأسلحة النووية، وربما أسلحة دمار شامل أخرى. وذكر أن «وحدة مكافحة الانتشار المشتركة التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية والأمن في البلاد تحقق في كيفية محاولة الدول الحصول على المعرفة والسلع التي تحتاجها لصنع أسلحة دمار شامل».
كما قامت أجهزة الاستخبارات الهولندية بالتحقيق مع الشبكات المشتبه بها، ونجحت في «إحباط محاولات متعددة لشراء تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام» (أي لأهداف عسكرية ومدنية في الوقت نفسه).
أما في ألمانيا، حيث تدير كل ولاية من الولايات الـ 16 وكالة استخبارات خاصة بها، أشارت وكالتان الى «جهود طهران في الحصول على أسلحة دمار شامل على الأراضي الألمانية في عام 2020».
في ظل هذه التقارير، قامت «جمعية الدفاع عن الديموقراطيات»، وهي مركز أبحاث مقرة واشنطن، بدعوة الإدارة الى تعليق المفاوضات.
وكتب الباحثان بنجامين وينتال وعلي رضا نادر، وهو أميركي من أصل إيران، أنه «حان الوقت للمفاوضين الأميركيين في فيينا لتخصيص بعض الوقت لتقييم نتائج الاستخبارات الأوروبية الأخيرة حول أنشطة الأسلحة النووية غير المشروعة للجمهورية الإسلامية».
وتقول مصادر الكونغرس إنه رغم محاولة بلينكن ومالي إثارة الذعر من امكانية اقتراب إيران من صناعة سلاح نووي، إلا أن من يعرقل العودة لاتفاقية 2015 النووية، هي طهران، لا واشنطن.
وأشارت الى أن العقبات التي لا تزال تعترض عودة أميركا للاتفاقية، تتضمن رفض إيران تفكيك طرود التخصيب الحديثة واصرارها على وقف العمل بها فقط، وكذلك رفض الولايات المتحدة رفع كل العقوبات التي فرضها ترامب، بما في ذلك المتعلقة بالإرهاب وبرنامجها الصاروخي.
وتضيف مصادر الكونغرس أن مالي حاول مراراً تحريض الديموقراطيين ضد كل عقوبات ترامب، ووعد الإيرانيين بمحاولة نسفها كلها، لكن الاتفاقية الأساسية كانت واضحة في أنها تنحصر بالشأن النووي، وأن الوفود في 2015 كانت واضحة في أن العقوبات غير النووية التي لم يتم الاتفاق على رفعها، بل يمكن تعزيزها، وأن الرئيس السابق باراك أوباما نفسه فرض بعض العقوبات على إيرانيين بتهم ارهاب، بعد توقيع الاتفاقية، من دون أن يؤدي ذلك الى نقضها.
وفي فيينا، تعقد الوفود جلسة المفاوضات غير المباشرة السادسة، قبل موعد الانتخابات الإيرانية بنحو أسبوع واحد، وهو ما يبدو أنه دفع بعض المفاوضين الأوروبيين والإيرانيين الى التوقع أنه سيتم التوصل لاختراق وابرام اتفاقية بعد هذه الجلسة. لكن المصادر الأميركية مازالت تعتقد أن التباين لا يزال كبيراً، وأن من الصعب إعادة احياء الاتفاقية نووية في مهلة الأسبوع المتبقية من زمن حكم الرئيس حسن روحاني، لكن «المفاجآت واردة»، تختم المصادر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق