واشنطن - من حسين عبدالحسين
تراقب الأوساط المعنية بالسياسة الخارجية في العاصمة الأميركية، عن كثب، تطورات اعتقال القوى الأمنية العراقية، قاسم مصلح، وهو أحد قادة ميليشيا «الحشد الشعبي» الموالية لإيران.
وجاء اعتقال بغداد مصلح، بعد شهر على اعتقال القوى الأمنية اللبنانية، رجل الأعمال السوري اللبناني حسن دقو، والمعروف بـ «ملك الكبتاغون»، بعدما ضبطت السعودية «شحنة كبتاغون» كان يتم تهريبها داخل فاكهة الرمان المستورد إلى المملكة.
ردود فعل إيران وحلفائها تباينت بين الاثنين. في حالة مصلح، أدان حلفاء إيران العراقيون الاعتقال، وراحت وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالعربية، تتحدث عن أن الاعتقال ضد قائد قطاعات «الحشد» المكلفة مكافحة تنظيم «داعش»، هو بمثابة هدية قدمتها الحكومة العراقية للتنظيم الإرهابي.
كذلك هدد سياسيون وقادة ميليشيات من الموالين لإيران، من أمثال النائب هادي العامري، الحكومة العراقية بالقول - في مقابلة تلفزيونية - إن اعتقال مصلح قد يدفع «الحشد» إلى اعتقال ضابط رفيع المستوى في الجيش العراقي.
وعندما لفتت المذيعة نظره الى أن الجيش «أعلى مرتبة» من الميليشيا، أجابها العامري أن الجيش ليس أهم من «الحشد»، بل إن الاثنين هما في نفس مستوى الأهمية.
ويقوم المحققون العراقيون بالتحقيق مع مصلح بتهم ارتكابه عددا من عمليات الاغتيال، بما في ذلك مقتل الناشط في الجنوب العراقي ايهاب الوزني.
وكان تقرير صادر عن بعثة «يونامي» التابعة للأمم المتحدة والمتخصصة بالشؤون العراقية، أشار إلى أن من بين 8163 قضية رفعها أهالي ضحايا عمليات اغتيال عراقيين وعمليات قتل حصلت أثناء تظاهرات، لا تزال 3897 قيد التحقيق، فيما أحيلت 783 قضية على محاكم جنائية أو محاكم متخصصة، و37 قضية على محكمة الجنح حيث أفضت أحكامها إلى براءة أو غرامات، فيما أدت 345 قضية إلى إفراجات مشروطة، و13 قضية ارتبطت بإلحاق أضرار بالممتلكات وهي في مرحلة الاستئناف أو قيد التنفيذ.
وأغلق القضاء العراقي 1122 قضية، ولم يقدم معلومات عن الحالات المتبقية البالغ عددها 1966. كما لم يقدم مجلس القضاء الأعلى أي تبريرات لإغلاق القضايا التي تم إغلاقها، وبلغ عددها 451 على الأقل. وقام القضاء بإقفال هذه التحقيقات بإلقاء الجرائم على «مجهولين».
وكما في العراق وميليشياته، كذلك في لبنان، حيث لا تزال كل قضايا الاغتيالات السياسي، منذ مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في فبراير 2005، عالقة، وتم إغلاق معظمها بعد «الادعاء على مجهول».
وعلى مدى العام الماضي، عانى اللبنانيون من «انفجار هيروشيمي» في مرفأ بيروت، راح ضحيته أكثر من 200 لبناني، فضلا عن أضرار مادية فادحة، تلى ذلك مقتل اثنين في جريمتين يعتقد بعض اللبنانيين انهما تتعلقان بتحقيقات انفجار المرفأ.
كذلك، بقيت قضية اغتيال الناشط المعارض لـ «حزب الله» لقمان سليم، في 4 فبراير الماضي، من دون تحقيقات تذكر.
في العراق، التحقيق الوحيد بتهم إرهاب وقتل متظاهرين وناشطين طالت مصلح، أما في لبنان، فمن كل الانفجارات والاغتيالات، لم تطل التحقيقات إلا «ملك الكبتاغون» دقو.
لكن وعلى عكس العراق، حيث دافع حلفاء إيران عن مصلح وانتقدوا اعتقاله، بل حاولوا ترهيب الحكومة لحملها على الإفراج عنه، حاول «حزب الله» في لبنان بالنأي عن نفسه عن دقو، رغم وجود فيديوهات تظهره مع كبار المسؤولين في الحزب، وتظهر بعضهم يشيدون به.
من وجهة النظر الأميركية، هناك أهمية كبيرة لهذا النوع من «الخطوات الأولى» - مثل اعتقال دقو ومصلح - على طريق استعادة سيادة حكومتي كل من البلدين، وهي السيادة التي تقوضها الميليشيات الموالية لإيران.
وفي مقالة له بعنوان «الميليشيات العراقية تحاول وتفشل في تخويف الحكومة»، قارن الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» مايكل نايتس، بين قيام حكومة مصطفى الكاظمي باعتقال 14 مقاتلاً من «كتائب حزب الله» في 25 يونيو من العام الماضي، بتهمة تورطهم بإطلاق صواريخ على أهداف متعددة في بغداد، منها أميركية، واعتقال مصلح.
وذكر نايتس، أنه على اثر اعتقالات العام الماضي، قام «الحشد» باستعراض قوة في شوارع بغداد، وحاصر المنطقة الخضراء ومقر إقامة الكاظمي، ما أجبر الأخير على التراجع عن الاعتقال والافراج عن المتهمين.
أما الشهر الماضي، يقول نايتس، «ساد حكم القانون».
ورغم أن الميليشيات حاولت محاصرة المنطقة الخضراء، ألا أن الدفاعات الأمنية صمدت، ونجحت الحكومة في حماية الكاظمي ومكان اعتقال مصلح.
وعزا تفوق الحكومة على «الحشد»، على عكس العام الماضي، الى «الدعم الدولي الأقوى للحكومة، ما أدى إلى رفع الروح المعنوية لبغداد بدلاً من ترك الكاظمي معزولاً بالمعنى الحرفي للكلمة».
علاوة على ذلك، يقول نايتس، «من خلال اعتقال مصلح فقط بسبب صدور مذكرة قضائية بحقه، من دون حبس المشتبه فيهم الآخرين دون أوامر توقيف، منعت الحكومة الميليشيات من تحقيق أي إطلاق سراح فوري وتحقيق نصر دعائي شامل».
الحكومة العراقية فازت بأول معركة لتكريس سيادتها على الميليشيات، لكن المراقبين الأميركيين يجمعون على أن الطريق لاتزال طويلة.
أما في لبنان، فرغم اعتقال دقو، ترى غالبية المراقبين الأميركيين أن الحكومة مازالت تعاني من ضعف شديد أمام «حزب الله»، وأن اعتقال «ملك الكبتاغون» لم يكن ممكناً لولا قرار الحزب بالتضحية به.
مع ذلك، تسعى مجموعات عديدة في العاصمة الأميركية إلى إقناع الإدارة، والكونغرس خصوصاً، بمواصلة دعم الجيش اللبناني، بل بمضاعفة الرهان عليه لأنه، كما في العراق، «ورقة الخلاص الوحيدة من السلاح خارج أيدي الوكالات الأمنية التابعة للحكومة المنتخبة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق