حسين عبدالحسين
كتبت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس في صحيفة “واشنطن بوست” في عدد نهاية الاسبوع: “أين هي الولايات المتحدة؟ لقد أمضت اميركا شهورا وهي تحاول اقناع روسيا والصين بقبول قرارات من دون أسنان في الامم المتحدة”.
صحيح ان مقال المسؤولة الاميركية السابقة كان مخصصا للوضع السوري، لكن وصفها ينطبق على غياب الدور الاميركي في الشرق الاوسط عموما.
في العراق، كاد الجيش وقوات البيشمركة التابعة لاقليم كردستان يخوضان حرب كاملة على اثر خلاف بدأ فرديا في طوزخورماتو في شمال البلاد. وفي بغداد، استقال وزراء “كتلة العراقية” واصبحت حكومة نوري المالكي ذات لون طائفي واحد، وهو ما يطلق عليها مساعدوه تسمية “حكومة الاغلبية”.
في سوريا، تخطى عدد القتلى 45 الفا منذ اندلاع الثورة المطالبة بإنهاء حكم الرئيس بشار الاسد في 15 آذار (مارس) من العام الماضي، فيما قواته تتقهقر وتنذر بأن انهياره صار وشيكا، وفي هذه الاثناء تخشى عواصم العالم ان لا تنجح فصائل “جيش السوري الحر” بأن تتوحد على اثر انهيار الاسد، فتتحول الى مجموعات مسلحة ومتناحرة.
في غزة، خاضت الفصائل الفلسطينية حربا غير متكافئة ضد اسرائيل. سقط قرابة 150 فلسطيني وستة اسرائيليين، وعانى الغزاويون دمارا هائلا بسبب الغارات الاسرائيلية التي تجاوز عددها الألف طلعة.
في مصر، المواجهات في الشارع اتسعت بعد اعلان الرئيس محمد مرسي قرارا تشريعيا قيد بموجبه صلاحيات السلطة القضائية، ما يجعل منه حاكما بصلاحيات تتجاوز صلاحيات اي رئيس دولة في العالم. ومع ان المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي اعلن ان هذه القرارات ستبطل بمجرد اقرار دستور جديد وانتخاب برلمان جديد بعد شهرين، الا ان نزعة مرسي للتفرد بالسلطة، ومن خلفه “الاخوان المسلمين”، صارت تقلق عواصم كثيرة حول العالم، هذا ما لم تدخل مصر في مواجهة “ما بعد ثورية” قد تؤدي الى انتشار الفوضى لاجل غير معلوم من الزمن، فيما الوضع الاقتصادي المصري ينتقل من سيء الى اسوأ.
وفي لبنان، النار تحت الرماد اذ قد تندلع حرب طائفية شاملة في اية لحظة، فيما ايران تمضي في تخصيبها لليورانيوم وفي برنامجها للتسلح النووي، الذي يقلق “وكالة الطاقة الذرية” قبل غيرها.
المجتمع الدولي، اي مجلس الامن في الامم المتحدة، شبه معطل بسبب الفيتو والفيتو المضاد الذي تمارسه روسيا والصين من جهة، واميركا وحلفاؤها من جهة اخرى، ما يجعل من قيادات المنظمة الدولية مجموعة من المحللين السياسيين الذين يزورون العواصم ويطلقون التحذيرات والتحليلات السياسية، على غرار ما يفعله الامين العام بان كي مون، ومبعوثه الى سوريا الاخضر الابراهيمي.
اكثر دلالة على غياب اميركا وانهماكها في اقرار اتفاقية “الشراكة عبر المحيط الهادي”، وفي بناء تحالفات بهدف احتواء صعود الصين في الشرق الادنى، هو توجه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من بورما الى الشرق الاوسط للمساهمة في التوصل الى وقف اطلاق نار بين حماس والاسرائيليين.
كلينتون لم تقطع زيارتها، حيث كانت ترافق الرئيس باراك اوباما في اول زيارة لرئيس اميركي لهذا البلد الاسيوي، الا بعد انتهاء المراسيم البروتوكولية كافة، وبعد عدة ايام على نشوب القتال في غزة، ما يشير الى ان واشنطن، في عهدة اوباما، لا تولي الشرق الاوسط الكثير من اهتمامها.
غياب الولايات المتحدة يبدو جليا في احداث الشرق الاوسط. اما الى متى يستمر هذا الغياب، فلا يبدو ان الاحداث المندلعة، على الرغم من فداحتها مثلما في سوريا او في غزة، هي التي تملي السياسة الاميركية، بل الارجح ان اوباما مصمم على تقليص دور بلاده في هذه المنطقة، وتركيز اهتمامه تماما على الصين وجوارها، وهي سياسة بدأت اولى نتائجها تطفو على السطح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق