| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
الليلة يحسم السباق الطويل والمضني والباهظ التكلفة المالية الى البيت الابيض بعد ان يدلي عشرات ملايين الاميركيين باصواتهم وتقفل صناديق الاقتراع في الولايات الاميركية الخمسين ومقاطعة كولومبيا حيث العاصمة واشنطن، ويبدأ الفرز الذي سيحدد ان كان الرئيس باراك اوباما سيفوز بولاية ثانية، ام ان منافسه ميت رومني سينجح في اخراجه من البيت الابيض والحلول مكانه لولاية رئاسية مدتها اربع سنوات.
وكانت معظم المدن الاميركية انهت، ليل امس، 22 شهرا من السباق الرئاسي المضني، الذي بلغت تكاليفه مليار ونصف مليار دولار، وهو رقم قياسي في تاريخ الانتخابات الاميركية.
السباق شهد كذلك الاف المهرجانات الانتخابية في طول البلاد وعرضها، وعشرات المناظرات في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، تلتها اربع اضافية بين المرشحين الرئاسيين ونائبيهما، فضلا عن مئات الالاف من الاعلانات الانتخابية التي غطت معظم شبكات التلفزيون والراديو ومواقع الانترنت في عموم البلاد.
ومع حلول الظلام مساء امس، ساد الهدوء في واشنطن، ولكنه هدوء ما قبل العاصفة، اذ كان يمكن للقلة القليلة من المتجولين في شوارع العاصمة سماع الاحاديث الانتخابية وصوت البرامج التلفزيونية من داخل البيوت، وفي مكاتب الناشطين الذين اتموا استعدادتهم لليوم.
واشنطن هي اكثر مدينة ولاء للديموقراطيين، وهي الوحيدة التي صوتت ضد الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان عندما فاز بـ 49 ولاية اميركية في انتخابات العام 1984. ولكن الى جنوب العاصمة، نهر بوتوماك الذي يفصلها عن ولاية فيرجينيا المتأرجحة، وناشطو حملة اوباما، الذين لا عمل لهم داخل العاصمة المحسومة لمرشحهم، عملوا على تنظيم نشاطهم في الولاية المجاورة من ضمن اطار «الحملة البرية لاخراج الصوت» التي اعلنتها حملة اوباما، والتي يذهب بموجبها الناشطون من باب الى باب، يقرعونها ويرافقون الناخبين الى مراكز الاقتراع.
وكان آخر الاستطلاعات الجدية الصادر عشية الانتخابات عن مركز «بيو»، المحايد حزبيا، اظهر تقدم اوباما شعبيا بـ 50 في المئة مقابل 47 لرومني. بيد ان الاستطلاع نفسه اورد ارقاما قد تدفع مسؤولي حملة اوباما الى الشعور بالقلق اذ اظهرت ان 92 في المئة من الجمهوريين ينوون الاقتراع اليوم، مقابل 86 في المئة من الديموقراطيين، وهو ما يتوافق مع قول الخبراء في وقت سابق ان القاعدة الشعبية الجمهورية اكثر حماسة من نظيرتها الديموقراطية. وفي حال صحت هذه التوقعات، فان اوباما قد يجد نفسه في ورطة خصوصا في الولايات العشر المتأرجحة والتي تدور فيها المعارك التي ستحسم السباق.
على انه بغض النظر عن هوية الفائز التي ستتحدد منتصف هذا الليل، او في ساعات الفجر من يوم غد، خرج معظم الاميركيين باستنتاجات عديدة، اولها ان معظم المؤشرات تدل على ان الاقتصاد الاميركي في طريقه الى التعافي، وانه كائنا من كان الرئيس المقبل، فان النمو الاقتصادي سيتحسن، وان الوظائف ستتوفر بشكل اكبر.
كذلك، شهد السباق الرئاسي هذا العام عودة الزوج كلينتون الى الواجهة مع الصعود الهائل للرئيس السابق بيل كلينتون، الذي سرق الاضواء من اوباما في مؤتمر الحزب في سبتمبر، والذي كان له تأثير كالسحر في تحفيز القاعدة الشعبية للحزب، وهو ما دفع حملة اوباما الى الاعتماد عليه حتى اصبحت اهمية حضوره في المهرجانات الانتخابية تضاهي اهمية حضور الرئيس نفسه.
عودة الزوج كلينتون الى الواجهة دفعت اكثر المعلقين الى التعبير عن اعتقادهم بأن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي لاقى اداؤها في الوزارة استحسانا كبيرا لدى الاميركيين، ستكون مرشحة الحزب الديموقراطي الى الرئاسة في العام 2016. كلينتون كانت اعلنت نيتها الخروج من ادارة اوباما في حال فوزه بولاية ثانية، وهي ستكون في التاسعة والستين من العمر في الدورة الانتخابية المقبلة. ومع ان خليفة الرئيس في الترشح عادة ما يكون نائبه، الا ان الخبراء استبعدوا ان يقوم جو بيدن بترشيح نفسه في العام 2016 لانه سيكون اصبح في الرابعة والسبعين، وهو امر من الصعب تجاهله او تسويقه شعبيا.
في الجهة الجمهورية، سطع نجم عضو الكونغرس بول رايان المرشح الى منصب نائب الرئيس لرومني. وبغض النظر عن نتائج الليلة، فان هذا السياسي البالغ من العمر 42 عاما ما زال في اول الطريق، ومن الواضح ان مستقبله السياسي سيشهد ترشحه الى منصب الرئاسة، ربما في العام 2016، ان خسر السباق هو ورومني الليلة.
لكن طريق رايان الى الترشيح الجمهوري للرئاسة لن تكون سهلة، اذ من المتوقع ان ينافسه عدد من الجمهوريين الصاعدين، يتصدرهم السناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، البالغ من العمر 41 عاما، كذلك محافظ ولاية نيوجيرزي المحبوب كريس كريستي، وشقيق الرئيس السابق ومحافظ فلوريدا صاحب الشعبية الكبيرة جب بوش.
ومن دروس الحملة الرئاسية لهذا العام ان الحزبين باتا يواجهان مشكلة مع المتطرفين من الجهتين، فالحزب الجمهوري يجد انه من الصعب السيطرة على «حركة حفلة الشاي» التي تغالي في اندفاعتها اليمينية الى حد ابعد الجمهوريين الوسطيين، ودفع بمرشحين متطرفين مع حظوظ متدنية الى الواجهة، واجبر قيادة الحزب على تبنيهم بعد فوزهم في الانتخابات التمهيدية.
كما اجبرت هذه الحركة قيادة الحزب الجمهوري على الجنوح نحو اليمين، والابتعاد عن الوسط، وهو امر قد يكون مربحا على صعيد الدوائر الانتخابية الصغرى كما هي الحال في انتخابات الكونغرس، ولكنه مكلف عندما تكبر الدائرة وتصبح على صعيد ولاية كما في الانتخابات الرئاسية وفي انتخابات مجلس الشيوخ.
اما الحزب الديموقراطي، فهو يواجه كذلك صعود الليبراليين اليساريين الذين يدفعون بالحزب بعيدا عن الوسط، وسيعملون على منع اوباما، في حال فوزه الليلة، من المساومة مع الجمهوريين والاقتطاع من موازنات الرعاية الاجتماعية، وهو اقتطاع صار ضروريا بهدف لجم العجز السنوي والمديونية العامة التي فاقت 16 ترليون دولار.
الليلة ينتهي السباق الرئاسي للعام 2012، لكن السياسة الاميركية مستمرة.
غدا سيكون يوم جديد في البيت الابيض والكونغرس، ولكن المواضيع الاميركية باقية هي نفسها، وعندما يستفيق الجميع من نشوة النصر او احباط الخسارة، سيعودون الى مواقعهم ويعود التراشق السياسي وتبدأ الاستعدادات لسباق ديموقراطي جديد في الانتخابات النصفية بعد عامين من اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق