حسين عبد الحسين
“أوباما يفوز لأن أميركا لم تعد هي نفسها التقليدية”، يقول مقدم البرامج على محطة فوكس نيوز اليمينية بيل أورايلي في حكمة تلخص الهزيمة القاسية التي تعرض لها الجمهوريون ومرشحهم للرئاسة ميت رومني على يد الحزب الديمقراطي ومرشحه باراك اوباما، الذي كسر ارقاما قياسية، أولها انه اول رئيس يفوز بولاية ثانية فيما نسبة البطالة تتعدى السبعة في المائة، وثانيها انه ثاني رئيس ديمقراطي يفوز بولايتين متتاليتين منذ الحرب العالمية الثانية، وثالثها ان اوباما لم يهزم منافسه رومني فحسب، بل حقق انتصارا باهرا بفوزه بكل الولايات التي كانت مصنفة “متأرجحة” ما عدا نورث كارولاينا.
لكن فوز اوباما يدل على ازمة عميقة داخل الحزب الجمهوري الذي يبدو وكأنه في طريق انحدار طويلة.
الحزب، الذي يحمل شعاره صورة فيل، يدرك انه لم يحقق اي من مرشحيه للرئاسة اي فوز مقنع منذ العام 1988، بل اقتصرت انتصارات الحزب الرئاسية على فوزين متواضعين للرئيس جورج بوش الابن، في العام 2000 عندما خسر بوش التصويت الشعبي واقتنص الرئاسة بحكم صدر عن المحكمة الفيدرالية العليا، وفي العام 2004 عندما بالكاد تعدى فوزه اصوات المجمع الانتخابي الـ270 المطلوبة.
وبالمقارنة بالديمقراطيين، يتضح ان مرشحيهما للفترة نفسها بيل كلينتون وباراك اوباما، حققا اربعة انتصارات كاسحة تعدت جميعها عتبة الـ300 صوت من اصوات المجمع الانتخابي في الاعوام 1992 و1996و2008 و2012. اما المرات التي خسر فيها الديمقراطيون الرئاسة، فجاءت بهامش صغير نسبيا.
ومع ان البعض قد يعتبر ان قوة الجمهوريين مازالت حاضرة، وان الدليل على ذلك فوزهم الكبير في انتخابات الكونغرس في العام 2010 واستعادتهم للاغلبية في داخله، ثم تجديدهم هذا الفوز، وان بهامش اصغر، هذا الاسبوع، الا ان انتخابات الكونغرس لا تعكس بدقة القوى الشعبية الاميركية فهي مبنية على دوائر فردية صغيرة داخل الولايات، غالبا ما يرسمها الكونغرس ذو الاغلبية الجمهورية نفسه، ويوزع الناخبين في داخلها بشكل يتناسب مع قواعده الشعبية ويعطيها حجما اكبر منها.
قوة الجمهوريين تتلاشى خصوصا عندما تصبح الدوائر اكبر، اي على صعيد ولاية، مثل في انتخابات مجلس الشيوخ، او على صعيد الولايات كلها، مثل في انتخابات الرئاسة، وما انتخابات هذا العام التي فاز فيها الحزب الجمهوري بمجلس النواب فيما فاز الديمقراطي بالرئاسة ومجلس الشيوخ الا دليل على ضعف الجمهوريين في الدوائر الكبرى.
اما اسباب التقهقر الجمهوري فتشمل كون “اميركا التقليدية” صارت تنحصر غالبا بالاميركيين البيض من دون الاقليات العرقية الاخرى، والبيض اكثرية تتقلص، وقد اظهرت الارقام ان نسبة الناخبين البيض تراجعت هذه الانتخابات الى 72 في المائة، من 74 في العام 2008، ومن 77 في المائة في العام 2004، في وقت سجلت نسبة الناخبين الاميركيين من أصول أميركية جنوبية رقما قياسيا بلغ 10 في المائة من اجمالي الكتلة الناخبة هذا العام.
في المقابل، يقول جون كاسيدي في مجلة نيويوركر ان “كل عناصر تحالف اوباما خرجوا للاقتراع بأرقام كبيرة: النساء، واللاتينيون، والافارقة الاميركيون، والشباب، والحرفيون من اصحاب الثقافة العالية جدا…”.
مشكلة اخرى لدى الحزب الجمهوري تكمن في مغالاة قادته في اليمينية السياسية ومحاولتهم استنهاض قواعدهم من البيض عبر تكريس مخاوف هؤلاء كأغلبية يتقلص عددها وفي طريقها الى التحول الى اقلية.
وفي هذا السياق، تتضمن مخاوف البيض الخوف من هجرة الاميركيين الجنوبيين وتكاثر عددهم داخل الولايات المتحدة، والخوف من العقائد الدينية من غير المسيحية، والخوف من الافكار الليبرالية الاجتماعية المتعلقة بشؤون الزواج والمرأة وغيرها.
كل هذه المخاوف صارت تدفع مرشحي الحزب الجمهوري الى الرئاسة الى الجنوح يمينا اكثر فأكثر اثناء الانتخابات التمهيدية للحزب، ثم العودة الى الوسط مع اقتراب الانتخابات العامة في محاولة، غالبا ما تكون يائسة، لاجتذاب اصوات التيارات الوسطية، وهو تماما ما حدث مع رومني.
الحزب الجمهوري في تراجع وصورة الفيل تتقهقر بعد ان سيطرت على المشهد السياسي الاميركي طيلة القرن الماضي على الاقل، وهو ما ينذر ان الولايات المتحدة مقبلة على تغيرات جذرية وعميقة، وان هذا الحزب اما يتغير أو يفوته الزمن فيموت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق