الخميس، 29 نوفمبر 2012

رايس تستعد لخلافة «العملاقة» كلينتون في «الخارجية»

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

تقترب المبعوثة الاميركية الى الامم المتحدة سوزان رايس من منصب وزيرة خارجية بعدما عقدت، اول من امس، لقاء مع ثلاثة من اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، تصدرهم جون ماكين، لتبديد هواجسهم حول تصريحاتها التي تلت الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر الماضي واعتبرت فيها ان الهجوم كان وليد تظاهرة عفوية ضد الفيلم المسيء للاسلام.
ومع حلول رايس بدلا من هيلاري كلينتون، من المتوقع ان تشهد السياسة الخارجية للولايات المتحدة تغيرات في الفريق المشرف على اعدادها، كما في الاسلوب، وفي عدد لا يستهان به من الاولويات.
ولفهم التغيير المتوقع، لا بد من العودة الى العام 2008، فرايس، التي سبق ان عملت في ادرة الرئيس السابق بيل كلينتون، تخلت عن زوجته هيلاري المرشحة الرئاسية وقفزت الى جانب المرشح باراك اوباما لتعمل ككبيرة مستشاريه للشؤون الخارجية، وكذلك فعل عدد من الديبلوماسيين الذين كانوا محسوبين على كلينتون.
في ذلك العام، وحتى لا تتحول معركة الترشيح الى الرئاسة الى معركة دامية، انسحبت كلينتون لمصلحة اوباما بعدما اثقلت كاهلها ديون الحملة الانتخابية، في مقابل قيام حملة اوباما بتسديد ديون كلينتون، وتعيينها وزيرة للخارجية. 
ديبلوماسيو الرئيس بيل كلينتون ممن راهنوا على اوباما على أمل الفوز بمناصب ديبلوماسية رفيعة، وجدوا انفسهم في ورطة، اذ صارت المرشحة التي تخلوا عنه قبل اشهر هي نفسها وزيرة الخارجية، وتوقعوا ان تجبرهم كلينتون على دفع ثمن باقصائهم، وهو ما دفع اوباما الى تعيينهم في مناصب رفيعة، وانما خارج سلطة وزارة الخارجية.
رايس كانت لها جائزة الترضية الكبرى، فمنصب مبعوث الى الامم المتحدة لا يتبع لوزارة الخارجية، بل للمبعوث مقعد مخصص للحضور في اجتماعات الحكومة الاميركية التي تنعقد برئاسة اوباما. وبالطريقة نفسها، عيّن اوباما دينيس روس مبعوثا رئاسيا خاصا للملف الايراني من دون المرور بالوزيرة. وكذلك فعل مع دان شابيرو، سفير اميركا في اسرائيل اليوم، والذي تم تعيينه كمسؤول ملف الشرق الاوسط في «مجلس الامن القومي» التابع للرئيس من دون الخارجية، وتم تكليفه الاشراف على سياسة «الانخراط» او الانفتاح على النظام السوري.
ومن الذين فازوا بـ «جوائز ترضية» في صناعة وتقرير السياسة الخارجية، من دون تعيينهم في الوزراة، انتوني بلينكن، وهو سبق ان عمل مديرا لموظفي «لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ» عندما كانت برئاسة السناتور جو بيدن، نائب الرئيس اليوم. 
وكما رايس، شارك بيلنكن في حملة اوباما - بيدن الرئاسية، ولمجهوده، تم تعيينه اعلى مسؤول لملف العراق، تحت اشراف بيدن، وحمل صفة مستشار الامن القومي لنائب الرئيس.
على ان كلينتون لم تقم بأي اعمال «انتقامية» بحق ديبلوماسيي زوجها السابقين ممن تخلوا عنها، بل هي عينت منهم في مناصب رفيعة، مثل جيم ساتيبرغ، الذي عينته نائبا لها وكلفته الملف الايراني، وكذلك آن ماري سلوتر التي عينتها كلينتون في منصب «مديرة تخطيط السياسات» في الوزارة.
وحرصت كلينتون على تأكيد انها وضعت خلافها الانتخابي المحموم مع اوباما خلف ظهرها، وشددت سرا وعلنا على التزامها بالسياسة الخارجية كما يحددها الرئيس الاميركي بحذافيرها، ونجحت في ذلك الى حد بعيد.
الا ان كلينتون احتفظت لنفسها بمساحة في السياسة الخارجية، فهي عملت على خلق برامج ومؤتمرات كثيرة مخصصة لدعم المرأة حول العالم، كما عملت على تحسين شروط عمل المرأة في وزارة الخارجية، وخصصت للنساء عددا اكبر من المناصب الرفيعة داخل الوزارة. 
وفي الوقت نفسه، ارتكزت فلسفة كلينتون في السياسة الخارجية على مبدأ «القوة الناعمة»، الذي استلهمته من الاكاديمي جوزيف ناي، والذي يعتبر ان قوة الولايات المتحدة تتجلى بنفوذها الثقافي والاقتصادي حول العالم اكثر منها بسطوتها العسكرية. 
واثناء توليها الوزارة، قامت كلينتون بأكثر من الف زيارة دولة، وحققت نجاحات جعلت من شعبيتها بين الاميركيين ترتفع الى حدود دفعت كثيرين الى الحديث عن حلولها مكان بيدن في انتخابات هذا العام. لكن وزيرة الخارجية كانت اعلنت انها تشتاق لعائلتها ولتمضية الوقت معها، ما يقتضي خروجها من الحياة العامة مع نهاية الولاية الاولى لاوباما. ويعتقد كثيرون اليوم ان امام كلينتون فرصة ذهبية للترشح عن الحزب الديموقراطي للرئاسة في العام 2016.
مع خروج العملاقة كلينتون، ابنة الـ 65 عاما، من الخارجية، تستعد رايس، البالغة من العمر 48 عاما، للحلول مكانها، مع ما يعني ذلك من دخول افكار شبابية ومتجددة الى الوزارة والسياسة الخارجية ككل.
ورايس هي ابنة واشنطن، سبق ان عمل والدها ايميت، الذي توفي العام الماضي، عضو مجلس «البنك الاحتياطي الفيديرالي»، وهي تسلقت سلم السياسة واصبحت كمسؤولي الادارة من الحزبين: تتولى مناصب في الادارة عندما يحكم الرئيس من حزبها وتنضم كباحثة مع احد مراكز الابحاث بانتظار عودة حزبها الى الحكم وعودتها معه.
هكذا خرجت رايس من ادارة كلينتون الى مركز ابحاث «بروكنغز». وفي 2005، انشأت رايس «مبادرة الفينيق»، وبعد ذلك بثلاث سنوات، حررت بالاشتراك مع بلينكن وسلوتر وستاينبرغ دراسة بعنوان «قيادة استراتيجية: اطار لاستراتيجية للامن القومي للقرن الواحد والعشرين»، وكانت تلك اولى الوثائق التي تحدثت عن ضرورة تخفيض الحضور العسكري الاميركي في الشرق الاوسط ونقل اهتمام وتركيز واشنطن الى الشرق الادنى.
ومع ان الكثير تغيّر منذ صدور تلك الوثيقة، الا ان الجزء المخصص للشرق الاوسط مازال حاضرا في السياسة الاميركية، وهو يرتكز على خمسة محاور: الاول، «تطوير استراتيجية مفصلة ومتكاملة للمنطقة بأكملها»، والثاني «خفض عسكري وبناء ديبوماسي في العراق»، والثالث «اعتماد استراتيجية ذات مسارين، ردع وانخراط، مع ايران»، والرابع «تأكيد مشاركة ديبلوماسية رفيعة في مجهود السلام الاسرائيلي - الفلسطيني»، والخامس «تطوير آليات للتعاون الامني والتطوير الاقتصادي والاصلاح الديموقراطي».
وتذكر الوثيقة ان العمل العسكري ضد نظام الجمهورية الاسلامية من شأنه «تقوية المعادين للتغيير السياسي»، اما اعتماد خيار الديبوماسية والانفتاح، فمن شأنه ان «يخلق بيئة موائمة للتغيير الديموقراطي» في ايران.
كذلك، يبدو ان الوثيقة لا تمانع مشاركة ايران في تحديد مصير ملفات اقليمية، وهي كانت دعت بأن تقوم واشنطن باشراك كل من «جامعة الدول العربية، وايران، والاردن، والسعودية، وسورية، وتركيا» للتوصل الى حلول في العراق لمرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي. 

أين هي الولايات المتحدة؟

حسين عبدالحسين

كتبت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس في صحيفة “واشنطن بوست” في عدد نهاية الاسبوع: “أين هي الولايات المتحدة؟ لقد أمضت اميركا شهورا وهي تحاول اقناع روسيا والصين بقبول قرارات من دون أسنان في الامم المتحدة”.
صحيح ان مقال المسؤولة الاميركية السابقة كان مخصصا للوضع السوري، لكن وصفها ينطبق على غياب الدور الاميركي في الشرق الاوسط عموما.
في العراق، كاد الجيش وقوات البيشمركة التابعة لاقليم كردستان يخوضان حرب كاملة على اثر خلاف بدأ فرديا في طوزخورماتو في شمال البلاد. وفي بغداد، استقال وزراء “كتلة العراقية” واصبحت حكومة نوري المالكي ذات لون طائفي واحد، وهو ما يطلق عليها مساعدوه تسمية “حكومة الاغلبية”.
في سوريا، تخطى عدد القتلى 45 الفا منذ اندلاع الثورة المطالبة بإنهاء حكم الرئيس بشار الاسد في 15 آذار (مارس) من العام الماضي، فيما قواته تتقهقر وتنذر بأن انهياره صار وشيكا، وفي هذه الاثناء تخشى عواصم العالم ان لا تنجح فصائل “جيش السوري الحر” بأن تتوحد على اثر انهيار الاسد، فتتحول الى مجموعات مسلحة ومتناحرة.
في غزة، خاضت الفصائل الفلسطينية حربا غير متكافئة ضد اسرائيل. سقط قرابة 150 فلسطيني وستة اسرائيليين، وعانى الغزاويون دمارا هائلا بسبب الغارات الاسرائيلية التي تجاوز عددها الألف طلعة.
في مصر، المواجهات في الشارع اتسعت بعد اعلان الرئيس محمد مرسي قرارا تشريعيا قيد بموجبه صلاحيات السلطة القضائية، ما يجعل منه حاكما بصلاحيات تتجاوز صلاحيات اي رئيس دولة في العالم. ومع ان المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي اعلن ان هذه القرارات ستبطل بمجرد اقرار دستور جديد وانتخاب برلمان جديد بعد شهرين، الا ان نزعة مرسي للتفرد بالسلطة، ومن خلفه “الاخوان المسلمين”، صارت تقلق عواصم كثيرة حول العالم، هذا ما لم تدخل مصر في مواجهة “ما بعد ثورية” قد تؤدي الى انتشار الفوضى لاجل غير معلوم من الزمن، فيما الوضع الاقتصادي المصري ينتقل من سيء الى اسوأ.
وفي لبنان، النار تحت الرماد اذ قد تندلع حرب طائفية شاملة في اية لحظة، فيما ايران تمضي في تخصيبها لليورانيوم وفي برنامجها للتسلح النووي، الذي يقلق “وكالة الطاقة الذرية” قبل غيرها.
المجتمع الدولي، اي مجلس الامن في الامم المتحدة، شبه معطل بسبب الفيتو والفيتو المضاد الذي تمارسه روسيا والصين من جهة، واميركا وحلفاؤها من جهة اخرى، ما يجعل من قيادات المنظمة الدولية مجموعة من المحللين السياسيين الذين يزورون العواصم ويطلقون التحذيرات والتحليلات السياسية، على غرار ما يفعله الامين العام بان كي مون، ومبعوثه الى سوريا الاخضر الابراهيمي.
اكثر دلالة على غياب اميركا وانهماكها في اقرار اتفاقية “الشراكة عبر المحيط الهادي”، وفي بناء تحالفات بهدف احتواء صعود الصين في الشرق الادنى، هو توجه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون من بورما الى الشرق الاوسط للمساهمة في التوصل الى وقف اطلاق نار بين حماس والاسرائيليين.
كلينتون لم تقطع زيارتها، حيث كانت ترافق الرئيس باراك اوباما في اول زيارة لرئيس اميركي لهذا البلد الاسيوي، الا بعد انتهاء المراسيم البروتوكولية كافة، وبعد عدة ايام على نشوب القتال في غزة، ما يشير الى ان واشنطن، في عهدة اوباما، لا تولي الشرق الاوسط الكثير من اهتمامها.
غياب الولايات المتحدة يبدو جليا في احداث الشرق الاوسط. اما الى متى يستمر هذا الغياب، فلا يبدو ان الاحداث المندلعة، على الرغم من فداحتها مثلما في سوريا او في غزة، هي التي تملي السياسة الاميركية، بل الارجح ان اوباما مصمم على تقليص دور بلاده في هذه المنطقة، وتركيز اهتمامه تماما على الصين وجوارها، وهي سياسة بدأت اولى نتائجها تطفو على السطح.

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

مسؤولون أميركيون لـ «الراي»: ديبلوماسيون روس اتصلوا بنا لبحث مرحلة ما بعد الأسد

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

على وقع الانتصارات التي يحققها الثوار السوريون وتراجع قوات الرئيس السوري بشار الاسد في عموم أنحاء سورية، علمت «الراي» من مصادر أميركية رفيعة ان ديبلوماسيين روسا عمدوا الى الاتصال بنظرائهم الاميركيين «للتباحث في الشأن السوري لمرحلة ما بعد الاسد».
ويقول المسؤولون الاميركيون ان الاتصالات الروسية أخذت شكلا مستعجلا وطارئا، إذ حاول المسؤولون الروس التحادث معهم اثناء عطلة عيد الشكر، والتي تمتد اربعة أيام كان آخرها يوم اول من امس. 
واضاف احد المسؤولين الاميركيين ممن قابلتهم «الراي» ان «رسالة روسية وصلتني تقول ان علينا التباحث في موضوع سورية، فالقتال وصل ساحة العباسيين في دمشق».
وتابع انه يعتقد ان الروس حاولوا الاتصال كذلك بالفرنسيين، ولكنهم سمعوا تصلبا فرنسيا ضد الموقف الروسي، ما دفع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف الى مهاجمة فرنسا علنا. وتابع: «سنقوم بالاتصال بالفرنسيين للوقوف على حقيقة الموضوع».
المسؤول الاميركي قال: «يبدو ان الروس يحاولون الحصول على مكاسب للمعارضين السوريين الذين لموسكو نفوذ لديهم مثل هيئة التنسيق». وتابع: «أبلغنا الروس انهم لا يعتبرون ان الائتلاف السوري المنبثق عن لقاء الدوحة يمثل كل المعارضة السورية، وان على المجتمع الدولي الاخذ بعين الاعتبار، في المرحلة المقبلة، ان هناك عددا من المعارضين ممن لم يشتركوا في الاعمال العسكرية، وممن آثروا الحل السياسي، وان لهم دورا في المستقبل».
وبحسب المسؤولين الاميركيين، طالب الروس واشنطن «بالعمل معاً من اجل انهاء الوضع القائم بصورة سلمية»، والحفاظ «على الدولة السورية وتأكيد مشاركة الجميع في المرحلة المقبلة بمن فيهم بعض المعارضين الذين تعتبرهم روسيا غير متمثلين في اعلان الدوحة».
في هذه الاثناء، كثر الحديث داخل أروقة القرار الاميركي عن ضرورة قيام واشنطن بالاشراف على توحيد وتنظيم صفوف «الجيش السوري الحر» للتسريع من عملية سقوط نظام الاسد، ولضمان وجود قوة عسكرية يمكنها ضمان امن سورية بعد انهيار النظام.
مسؤولون في «مجلس الامن القومي» توقعوا في دردشة مع صحافيين «انهيار الاسد الاسد ونظامه في مهلة ثمانية الى اثني عشر اسبوعا». الا انهم اضافوا ان المعارضين السوريين والثوار «يعتقدون ان الانهيار سيحصل قبل ذلك بكثير».
على ان المسؤولين والخبراء الاميركيين لا يتفقون على المهلة التي سيتطلبها انهيار نظام الاسد، فجيفري وايت، الباحث في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى»، يعتقد ان «وتيرة الحرب تتسارع بشكل غير مسبوق»، وان «هناك امكانية كبيرة ان نرى انهيارا مفاجئا للنظام على وجه السرعة». ويضيف: «ليس مرجحا ذلك، لكنه محتمل، ثم يصبح الشباب ممن يحملون السلاح هم المسؤولون عن الامن في سورية».
امكانية الانهيار هذه تدفع واشنطن الى محاولة الاسراع في تنظيم صفوف الثوار. ويقول المسؤولون الاميركيون ان «مشاركة الولايات المتحدة في تنظيم الثوار تتطلب اربعة الى ستة اسابيع». 
وفي هذا السياق، نقل المعلق في «صحيفة واشنطن بوست» دايفيد اغناتيوس عن مصادر قولها انه «من اجل اقامة وحدة عسكرية (بين الثوار)، ستحتاج وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي ايه) الى الضغط على اجهزة الاستخبارات الصديقة من اجل تجميع تمويلها ووسائل دعمها الاخرى خلف قيادة موحدة».
وكتب اغناتيوس ان «المسؤولين الاميركيين يأملون ان هذه العملية ستحصل في غضون الشهر المقبل، فيما يعتقد قادة الثوار ان هذه المدة ستكون متأخرة جداً».
لكن المتابعين الاميركيين يعتقدون ان عملية توحيد الجهود العسكرية للثوار السوريين ستكون عملية «شاقة ومضنية»، بسبب التباين في وجهات نظر الجهات الداعمة لها، رغم ان هذه الجهات الاقليمية صديقة مع بعضها البعض وللولايات المتحدة الاميركية.
ويقول المسؤولون الاميركيون: «هناك جهات تقدم دعما اكبر للمجموعات الاسلامية، وهناك جهات قلقة بسبب النشاط الكردي وتحصر دعمها بالمجموعات العسكرية التي تتصدى له، وهناك من الثوار السوريين من يتسلمون مساعدات من رجال أعمال عرب من دون المرور بأجهزة الاستخبارات الاقليمية او الدولية، وهو ما يعقد اكثر مجهود تحديد من يفعل ماذا».
على ان الاتجاه العام لواشنطن، «منذ اليوم الاول»، هو توحيد صفوف المعارضة والثوار السوريين، اذ يكرر المسؤولون الاميركيون انهم كانوا من اوائل المطالبين بتوحيد صفوف المعارضة، على غرار ما حصل في الدوحة، وانهم في السياق نفسه طالبوا وما زالوا يعملون على «توحيد صفوف المقاتلين في صفوف الثوار».

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

"14 آذار" هي مشكلة "14 آذار"



بقلم حسين عبدالحسين- واشنطن

"14 آذار" في ورطة. فالتحالف الذي ولد وطنياً جامعاً، اصبح اليوم مجرد تحالف حزبي طائفي بين "تيار المستقبل" السني بقيادة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري و"القوات اللبنانية" المسيحية بزعامة الدكتور سمير جعجع. 
قياديو التحالف يعرفون ورطتهم، ولكنهم يعزون ذلك الى استحالة الحفاظ على وتيرة الاستقطاب الشعبي في ظل التهديد الدموي المباشر والمستمر الذي يطاولهم. اما أول الحلول لأزمتهم فهو القاء "حزب الله" سلاحه، ولكن هذا موضوع يرتبط بقضايا اقليمية تتضمن ملف ايران النووي، وعلاقته بالدول العربية والعالم.
اذن، يخلص قياديو "14 آذار" الى ان ما باليد حيلة، وان على اللبنانيين تأييدهم، في دورات الانتخابات النيابية المقبلة، علّ وعسى ان تنجح اكثريتهم البرلمانية يوما ما في استعادة بعض النفوذ في القرار اللبناني الذي يطبق عليه اليوم "حزب الله" منفردا.
لكن هل عودة "14 آذار" الى دائرة النفوذ غاية بذاتها؟ وما الهدف الاسمى وراء عودة كهذه؟
الاجابات لدى هذا التحالف مبعثرة ومتضاربة، وغالبا سطحية، خصوصا بعد مقتل او موت اوخروج معظم المثقفين من هذا التحالف، وبقاء مثقفي البلاط وحدهم. 
في بداياتها العفوية في العام 2005، اكتسبت حركة "14 آذار" ابعادا تجاوزت بلاهة السياسة اللبنانية، ولعب العزيز المغدور سمير قصير دورا محوريا في صوغ الحالة الفكرية المرافقة للحظة الولادة، وتجلت رؤية سمير عندما ساوى ما بين "14 آذار" و"الربيع العربي"، قبل 6 سنوات من انطلاقه، فأطلق "ربيع بيروت" كتسمية مرادفة لـ "14 آذار" او "انتفاضة الاستقلال"، وربط موعد تفتح الورود في دمشق بحلول الربيع في بيروت. 
طبعا لم ينجح سمير في فرض رؤيته، فكان غالبا ما يطل متصديا لعنصرية العامة ضد السوريين في ساحة الشهداء، فيما كان ناشطون وسياسيون في "14 آذار" يعملون على تصوير ثورتهم وكأنها تجلٍ محمود للمناصفة المسيحية الاسلامية في البلاد، ولصيغة التعايش البعيدة اصلا عن الربيع المنشود ودولته، التي يفترض ان تكون مدنية لا طائفية.
رحل سمير، ولكن كثيرين بقوا في "14 آذار"، البعض كرمى لذكراه. وراحت الاحزاب المكونة لهذا التحالف ترتكب الخطيئة تلو الاخرى، في خطواتها السياسية، ترافق ذلك مع فشل ذريع في تقديم اية رؤية يمكن ان تجعل من التحالف او خطته التعايشية المتواضعة المرتبطة باتفاق الطائف، الركيك نصا ومضمونا، عملا يرقى الى كونه ثورة او ربيعا. 
بعد سبع سنوات على تجربة "14 آذار"، يبدو ان المشكلة لا تكمن في علاقة الطوائف اللبنانية ببعضها، ولا في علاقات هذه مع القوى الاقليمية الراعية لها وتضارب مصالح الأخيرة. ومع ان سلاح "حزب الله"، الذي لم يقاوم منذ ست سنوات ومن غير المرجح ان يقاوم في المستقبل المنظور، هو مشكلة قائمة بذاته، الا ان هذا السلاح لا يعوّق وحده بناء دولة حديثة في لبنان، والارجح انه في غياب السلاح، يعود التنوع الى دائرة القرار، لكن هذا التنوع لن يتجاوز حدود لعبة الطوائف والملل المعروفة التي تسود منذ العهد العثماني، ولن يؤدي الى بناء دولة بمواصفات ربيعية.
ويبدو ان المشكلة هي في "14 آذار" نفسها، وفي الاحزاب المشكّلة لها، اذ كيف يمكن احزاباً لا تمارس الديموقراطية داخلها ان تبني دولة ديموقراطية في لبنان لو قيّض لها ان تتسلم الحكم؟ 
هذه المشكلة هي التي قضت على امكان ان تكون "14 آذار" بمثابة "ربيع لبناني" تعيد تشكيل العقد الاجتماعي وتساهم في كتابة دستور جديد، مبني على فلسفة حديثة في المواطنة والحرية والديموقراطية، وفي ضرورة تداول السلطة، حتى لو ثبت ان الرئيس الفلاني قام باداء استثنائي، يبقى خروجه، واقاربه في الحالة العربية واللبنانية، من الحياة الحزبية والسياسية ضرورة لتجديدها، وضرورة ليقوم النظام باصلاح نفسه دوريا، وابقاء المنافسة مشتعلة بين الكفاءات والرؤى.
لكن بدلا من ان تتحول "انتفاضة الاستقلال" ربيعاً، تحولت "دكاناً" طوائفياً آخر، وصارت منهمكة بتقديم ضمانات للطوائف في الابقاء على رئيس هنا، وعدم انتخاب رئيس هناك بأكثرية برلمانية بسيطة، والتصقت بمبدأ المناصفة، المتأرجح اصلا بسبب التغيرات الديموغرافية المستمرة. 
واوغلت "14 آذار" في تأييدها فكرة التعايش المريعة (بدلا من المساواة المدنية)، حتى انها طالبت وايدت منع عرض مسلسل يتناول حياة السيد المسيح على قنوات لبنانية، وهو ما يجعل من مطالبتها بالحرية صورة كاريكاتورية، ثم قدم نواب في هذا التحالف مشروع قانون يحظر على المسيحيين بيع املاكهم للمسلمين وبالعكس، واطل نواب آخرون من "14 آذار" يطالبون بفيديرالية وباستبدال العربية بالسريانية، وما الى هنالك من افكار بائدة تلامس العنصرية.
تاليا، ابتعد معظم غير الحزبيين عن هذا التحالف، وهم وان مازالوا يؤيدونه سياسيا، الا انهم يفعلون ذلك لأنه، بالنظر الى "حزب الله" وسلاحه المنفلت من عقاله، تبدو "14 أذار" اهون الشرّين. لكن تأييداً من هذا النوع ينم عن احباط ويأس من امكان قيام دولة لبنانية حديثة او امكان اندلاع "ربيع لبناني". 
في واشنطن، حضر احد قياديي "14 آذار" وطالب المجتمعين بالدعم في الانتخابات النيابية العام المقبل. احد الحاضرين، مستلهما من الانتخابات الاميركية، اجاب ان كل عملية انتخابية مبنية على امرين: الاداء الماضي وخطة المستقبل. "14 آذار"، حتى بعد فوزهم بالغالبية البرلمانية في انتخابات 2005 و2009، بقي اداؤهم في الحكم وخارجه، وفي السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع عموما، مزريا في اقل تقدير. اما خطة "14 آذار" المستقبلية فهي متطابقة مع ادائهم الماضي، وهي عبارة عن القاء اللائمة على سلاح "حزب الله"، ما يعني انه حتى لو فاز تحالف "14 آذار" بالغالبية للمرة الثالثة على التوالي العام المقبل، فلن يغير فوزه في شيء.
بعد سبع سنوات على "14 آذار"، وبعد العراق والربيع العربي ومصائبهما، قد تكون الشعوب العربية غير مستعدة لحكم نفسها بعد، ربما بسبب سيطرة الامية السياسية والاهواء القبلية.
هذا لا يعني انه كان من الافضل عدم حدوث الربيع العربي، لكن من المفيد التذكير بأن الربيع الحالي لا ينذر الا بالمزيد من الشقاء، وهذا ربما جزء من عملية المخاض التي تكون دائما عسيرة.

مفاوضات «المسار باء» خطوة أولى أمام تسوية أميركية - إيرانية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في تقاليد المفاوضات الديبلوماسية ما يعرف بمفاوضات «المسار باء»، وهي عبارة عن لقاء لغير الرسميين، من اكاديميين وناشطين وحتى مستشارين غير حكوميين لمسؤولين حكوميين من طرفين يحاولان التوصل الى اتفاق لم تتوافر القواسم المشتركة الكافية للتوصل اليه، ما يدفع الصف الثاني الى محادثات ودية، بعيدة عن الانظار وغير رسمية، فان توصلت الى اتفاق، يتم نقلها الى مفاوضات الصف الاول ويعتمدها الرسميون. 
هذه هي حال المفاوضات الاميركية - الايرانية، والتي اشارت مصادر عدة، اولها صحيفة «نيويورك تايمز» مطلع هذا الشهر، وآخرها وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر، الى انها تجرى بعيدة عن الانظار.
«الراي» تحدثت الى عدد من المتابعين الاميركيين للملف الايراني، واكد هؤلاء حصول محادثات غير رسمية قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية، وانه - مثلما ذكرت «نيويورك تايمز» - تم التوافق على تأجيلها حتى ما بعد اعادة انتخاب الرئيس باراك اوباما ليتم استكمالها وتوسيعها.
هوية المفاوضين الاميركيين غير معروفة بعد، فيما يوجد شبه اجماع على ان المفاوض الايراني هو مصطفى دولاتيار، رئيس «معهد الدراسات السياسية والدولية» في ايران.
ويقول عالمون انه تم عقد عدد من اللقاءات بين دولاتيار واميركيين في انقرة في اكتوبر الماضي، وان «نتائج الحوار بين الاثنين كانت ايجابية جدا». اما مضمون هذه المحادثات، فتقول المصادر الاولية انها تمركزت حول النقاط التالية:
- اولا، جزم المفاوض الاميركي ان واشنطن تعتقد ان نشاط ايران التخصيبي لا يبدو انه اخذ منحى باتجاه انتاج السلاح النووي، لكن استمرار التخصيب يعني ان مخزون ايران من اليورانيوم المخصب يرتفع باستمرار، وان درجة التخصيب قابلة للارتفاع بطريقة مفاجئة، وهو ما يجعل من حيازة ايران اليورانيوم ذات التخصيب العالي والكافي لصناعة السلاح موضوعا ممكن تحقيقه في عام على ابعد تقدير.
لذلك، اكد المفاوض الاميركي ان الادارة الاميركية جزمت ان العام 2013 سيكون عام الحسم من دون منازع، وان اوباما قرر انهاء هذا الملف قبل نهاية العام المقبل، حتى لو كان ذلك يعني المضي نحو مواجهة عسكرية.
- ثانيا، ابلغ المفاوض الاميركي نظيره الايراني ان ما يهم اميركا هو انهاء الموضوع النووي اكثر من غيره. طبعا ستتحدث الولايات المتحدة عن تجاوزات ايران لحقوق الانسان وعن ضروروة ادخال اصلاحات ديموقراطية، الا ان «واشنطن لن تتحرك من اجل فرض هذه الاصلاحات لأن الامر موضوع سيادي ايراني، وطهران وحدها القادرة على تحديد مدى وسرعة هذه الاصلاحات». وجرى اعطاء الانفتاح الاميركي على بورما وحاكمها العسكري تيان سين كمثال على امكانية تعايش واشنطن مع خصومها السابقين، وحتى قيام رئيس اميركا بزيارة لهذا النظام والثناء على نيته الاصلاحية.
- ثالثا، الولايات المتحدة مستعدة للعمل على رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن ايران على وجه السرعة، والعمل على بدء اعادة العلاقات الدولية بين الدولتين، والمنقطعة منذ العام 1980 على اثر نشوب الثورة الايرانية قبل ذلك بعام. ويمكن للولايات المتحدة مساعدة ايران في الحصول على قروض دولية واستثمارات مالية، وتقديم الخبرة لتطوير قطاع النفط الايراني وتحديث الاقتصاد، وتوجيه رؤوس الاموال الاميركية للاستثمار في البلاد.
بدوره، حدد المفاوض الايراني دولاتيار المطالب الايرانية على الشكل التالي:
- اولا، اعتراف اميركا والمجتمع الدولي بحق ايران بتخصيب اليورانيوم.
وتقول المصادر ان الرد الاميركي على هذه النقطة افاد انه لا يوجد هكذا حق متعارف عليه دوليا، وان لا واشنطن ولا عواصم العالم الاخرى تعترف بالتخصيب من عدمه، بل ان لكل دولة الحق في برنامجها النوي طالما انه يتطابق ومعايير وكالة الطاقة الذرية، ويجري تحت اشرافها ورعايتها حسب ميثاق الوكالة الذي وقعت عليه ايران.
- ثانيا، تطلب ايران برفع العقوبات الاقتصادية عنها مسبقا، وان جزئيا، كبادرة حسن نية من المجتمع الدولي تجاهها، و«توقف الولايات المتحدة وحلفاؤها حملات التحريض السياسية ضد نظام الجمهورية الاسلامية في ايران».
- ثالثا، تدخل الولايات المتحدة مع ايران في مفاوضات رسمية في شأن ملفي سورية والبحرين، وتطلب ايران عدم تدخل الدول الكبرى بالشؤون الداخلية لهذه الدول. 
وفي قراءة اميركية للطلب الايراني الاخير، أوضحت مصادر اميركية ان ايران تريد «اعترافا اميركيا بحقها في الاستيلاء على هذين البلدين وادارة شؤونهما بالواسطة كما تفعل في دول اخرى مثل لبنان». 
الا ان المفاوض الاميركي رد على نظيره الايراني، حسب المصادر الاميركية، بالقول ان واشنطن لا تملك حق التصرف في اي من هذين البلدين، اي سورية والبحرين، وانها تتعامل معهما من ضمن علاقاتها مع حلفائها في المنطقة والمجتمع الدولي، ولا تتفرد في القرار في شأنهما.
في الختام، يقول المتابعون لهذه المفاوضات ان «الطرفين توصلا الى رؤى مشتركة في معظم الملفات الخلافية، خصوصا في الملف النووي الايراني ورفع العقوبات، الا ان القضايا الاقليمية تبدو انها لا تزال عالقة، مع ان الايرانيين ابدوا رغبة في التوصل الى حل في شأنها».

انفتاح أوباما على الديكتاتوريات

حسين عبد الحسين 

يقول خبراء إيرانيون مقيمون في العاصمة الأميركية ان أحد مساعدي مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي اقترح عليه، على اثر اندلاع انتفاضات الربيع العربي، اغتنام فرصة الانفتاح الذي اعلنه الرئيس باراك اوباما ومباشرة الحوار مع الولايات المتحدة، فما كان من خامنئي الا ان أجاب بالقول: “هذا (معمر) القذافي صديقهم وانظر ماذا يفعلون به”.
خامنئي، الذي لم يغادر ايران منذ الثمانينات ويعيش في شبه عزلة عن العالم بسبب الحراسة الامنية التي تحيط به، كثير المخاوف. يخشى ان يؤدي انفتاحه على أميركا، التي تمد يدها له منذ وصول اوباما الى السلطة في العام 2008، الى خديعة غربية وتاليا الى انهيار حكمه.
لكن القذافي ليس النموذج الوحيد لديكتاتورية حاولت أميركا الانفتاح عليها.
“نحن نقدّر هذا التعاون الملموس الذي اعلنه الرئيس بخصوص امور حظر الانتشار، بما فيه (توقيع) البروتوكول الاضافي لوكالة الطاقة الذرية، لأني اعتقد اننا نتشارك في مصلحتنا في منع انتشار اسلحة الدمار الشامل، وهذا بالطبع احد الهموم الامنية للولايات المتحدة وللعالم”، يقول اوباما في خطابه في رانغون الى جانب الديكتاتور البورمي تيان سين في زيارة هي الاولى من نوعها لرئيس اميركي الى هذا البلد الآسيوي.
وكانت محادثات الاصلاح والانفتاح بدأت قبل عام بين اميركا وبورما، التي تخلت عن تحالفها مع الصين وعن برنامجها للاسلحة النووية، واثمرت اصلاحات ديمقراطية تبدو شكلية حتى الآن مع استمرار تربع الحاكم العسكري تيان سين على رأس النظام منذ العام 2001، بل ترحيبه بأوباما في الزيارة التي كرست عودة العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
في الزيارة نفسها، اعلن اوباما في ما سمّاها رسالة الى كل الدول الآسيوية ان يده ما زالت ممدودة الى اي نظام يقرر ان يرخي قبضته على الحكم.
واضاف اوباما، في ما يدل على ان زيارته المستعجلة جاءت حتى قبل ان تأخذ الاصلاحات البورمية مداها، بالقول: “لقد تشاركت معه (تيان سين) واقع اني اعتقد ان ما قام به هي الخطوات (الاصلاحية) الاولى في رحلة طويلة”. اما طول هذه الرحلة، فلم يحدده اوباما في ما يؤشر ان امام ديكتاتور بورما كل الوقت الذي يطلبه من اجل التوصل الى اصلاحات ذات معنى، وهو ما يعني ان هذه الاصلاحات قد لا تتم اصلا.
اما الخلاصة هنا، فمفادها ان اوباما لن يقوم بجولات تفتيش لتفقد حقوق الانسان في الدول التي تنفتح اميركا عليها مثل بورما، او ربما ايران، بل سيقبل بالتي هي احسن، وسيعتبر كلاميا ان البلد هو في طريقه الى الديمقراطية، وتاليا ينفتح عليه تجاريا وديبلوماسيا وسياسيا حتى قبل ظهور اي مؤشرات على تغييرات فعلية في طريقة تصرفات نظامه.
ولو اخذنا خطاب اوباما البورمي وتخيلنا انه يدلي به في طهران، لما كان ممكنا ان نعرف الفارق بين ديكتاتوريتين، الاولى البورمية تلقفت يد اوباما الممدودة وبدأت اصلاحات شكلية مع بقاء ديكتاتورها الذي استقبل اوباما، والثانية ايران يبدو انها في طريقها الى حوار مع الرئيس الاميركي، وانما مازال حوارا خجولا، على الاقل حسب كبرى الصحف الاميركية، مثل “نيويورك تايمز”، التي تحدثت عن محادثات سرية بين واشنطن وطهران، وقالت ان استكمالها كان مشروطا باعادة انتخاب اوباما.
اما وقد فاز اوباما بولاية ثانية، فيبدو ان البلدين سيستأنفان الحوار، الذي يبدو ان ما يعرقله فقط هو اصرار طهران على ان تمنحها اميركا حق السيطرة على البحرين وسوريا، في مقابل تخلي طهران عن سلاحها النووي.
هل يقبل اوباما بالعرض الايراني، خصوصا ان خطاب الانفتاح الاميركي على ايران، كما شاهدنا في بورما، معد سلفا، ولم يبقى الا استكمال التفاصيل؟

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

واشنطن: نتنياهو في ورطة وأوباما قد لا ينقذه

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يردد السفير الاميركي السابق في اسرائيل مارتن انديك ان دخول رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو في مواجهة مع الرئيس السابق بيل كلينتون ادى الى الاطاحة بنتنياهو وحكومته العام 1999. بعد ذلك التاريخ، عاش نتنياهو على هامش السياسة الاسرائيلية، وتقلّب في مناصب لا تتناسب وطموحاته وزيرا للخارجية، ثم للمالية، فزعيما للمعارضة، حتى عودته رئيسا للوزراء في 2009، اي بعد عقد من خروجه.
منذ عودته، نجح نتنياهو في اعادة بناء زعامته، بل تفوّق على نفسه وعلى خصومه السياسيين حتى صارت استطلاعات الرأي تظهر ان حزبه «الليكود» سيفوز بكتلة من 40 مقعدا في اي انتخابات مقبلة، ما دفعه الى حل البرلمان الاسرائيلي، واعلان 22 يناير موعدا للانتخابات المقبلة.
لكن لم يخطر في بال نتنياهو هذه المرة ضرورة عدم تكرار سيناريو مواجهة القرن الماضي مع رئيس الولايات المتحدة، اذ اطلق المسؤول الاسرائيلي تصاريح متكررة، منها في البيت الابيض، ناقضت اراء باراك اوباما في مواضيع الشرق الاوسط، واظهرته عاجزا امام تل ابيب، كان آخرها حديث المسؤولين الاسرائيليين عن امكان توجيههم ضربة الى المفاعلات النووية الايرانية. وعندما حاول اوباما طلب ضمانات بأن حليفة اميركا اسرائيل ستعطي العلم لواشنطن قبل اي ضربة، كان رد نتنياهو ان «اسرائيل لا تستشير احدا في مواضيع سيادية».
واستمر نتنياهو في مواجهة اوباما، فأطل عبر الاعلام الاميركي اثناء السباق الرئاسي متحدثا ضد سياسات الرئيس أوباما، واستقبل المرشح الجمهوري ميت رومني في اسرائيل واقام له حملة جمع تبرعات، ولم يكن سرا ان اللوبي الاسرائيلي، «ايباك»، كما اصدقاء اسرائيل الكثر وجلّهم من الجمهوريين، عملوا علنا على دعم رومني في وجه اوباما. 
لم تكن المفاجأة ان رهان نتنياهو على رومني ضد اوباما كان رهانا خاسرا، بل اظهرت صناديق الاقتراع ان غالبية الصوت اليهودي الاميركي اقترعت لمصلحة اعادة انتخاب اوباما لولاية ثانية، وهو ما اظهر محدودية نفوذ «ايباك» واصدقاء اسرائيل، وما جعل من اوباما يفوز في هذه الجولة في مواجهته مع رئيس حكومة اسرائيل.
«الراي» سألت مسؤولين اميركيين مقربين من البيت الابيض عن سبب العداء بين اوباما ونتنياهو، فكانت الاجابة انه «لا توجد كيمياء بين الرجلين... ربما لان الاول ليبيرالي والثاني يميني محافظ، وهو تكرار للمشهد السياسي للمواجهة بين كلينتون ونتنياهو».
على ان الايام دارت، وانقلب اوباما من رئيس يعاني من تدهور شعبيته في استطلاعات الرأي، الى آخر حقق فوزا شعبيا مقنعا ليستمر في ولاية ثانية، غالبا ما يكون فيها الرؤساء اجرأ سياسيا. اما نتنياهو، الذي بنى شعبيته على اساس شعار «امن اسرائيل اولا»، فيجد نفسه في وضع حرج منذ الاربعاء الماضي.
تعلق المصادر الاميركية: «بيبي (نتنياهو) في ورطة، فهو لم يفكر مسبقا كيف ينتهي تصعيده العسكري في غزة من دون ان يجد نفسه مضطرا لتقديم تنازلات لـ(حركة) حماس، وهذا امر يؤثر سلبيا في شعبيته ويقلص من امكان فوزه بتلك الكتلة الضخمة التي كان يستعد للفوز بها داخل الكنيست».
وتكشف المصادر ان «العودة الى وقف النار في غزة ليس موضوعا معقدا» وان الجيش الاسرائيلي «شبه استنفد الاهداف التي بحوزته لقصفها من الجو ولم يعد بوسعه التصعيد الا من خلال عملية برية».
العملية البرية، حسب وصف اوباما نفسه، ستكون مكلفة في خسائر الارواح البشرية الاسرائيلية، وهو ما يعقد اكثر حظوظ نتنياهو في الانتخابات المقبلة. كذلك، تحاول اسرائيل تفادي قدر الامكان وقوع عدد كبير من الاصابات بين الفلسطينيين حتى لا تجد نفسها في مواجهة مع الامم المتحدة على غرار تلك التي وقعت فيها بعد حرب 2008 اثر صدور «تقرير غولدستون» الذي دانها ودان «حماس»، واتهمهما بارتكاب مجازر بحق المدنيين.
لذا، تقول المصادر الاميركية، «يفضل الاسرائيليون ان تخضع حماس بسبب الغارات الجوية المتكررة وان تقبل عودة الامور الى ما كانت عليه في 13 نوفمبر (عشية بدء المواجهات المسلحة)، من دون شروط».
لكن «حماس» تبدو مصرة على رفع اسرائيل للحصار المفروض على قطاع غزة منذ العام 2007 كشرط لوقفها اطلاق الصواريخ على اسرائيل، ما يعني، حسب الاميركيين، ان «على اسرائيل إلحاق المزيد من الاذى بحماس حتى تجبرها على قبول الهدنة من دون رفع الحصار، لان رفع الحصار سيكون بمثابة تنازل اسرائيلي لحماس، وهو ما لا يريد ان يقدم عليه نتنياهو، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات».
الحل الوحيد المتاح امام رئيس حكومة اسرائيل، تقول المصادر الاميركية، هو الاستمرار في تصعيد الحملة الجوية حتى اجبار «حماس» على القبول، ولهذا السبب، «طلبت تل ابيب من واشنطن تأجيل موضوع مناقشة اي نص لهدنة في مجلس الامن لمهلة 24 ساعة، علّ اسرائيل تنجح في كسر حماس واجبارها على قبول وقف لاطلاق النار غير مشروط».
خيار آخر كان من الممكن ان تتبناه واشنطن، لكن المصادر الاميركية ترفض الحديث عنه، هو تفعيل ادارة اوباما لضغطها الديبلوماسي على الاطراف المعنية كافة من اجل وقف إطلاق نار غير مشروط. لكن ما مصلحة ادارة اوباما في ذلك؟ وهل يرغب الرئيس الاميركي فعليا في استخدام ثقل بلاده لانقاذ زعيم دولة عمل على «تلقينه» دروسا في السياسة اكثر من مرة؟
واذا كان نتنياهو يرغب في رؤية اوباما يخرج من البيت الابيض، فلماذا اوباما لا يبادل رئيس حكومة اسرائيل الرغبة نفسها. ووقوع الاخير في ورطة قد يرسم على محيا اوباما بسمة من دون ان يحمل ذلك الرئيس الاميركي على التدخل لانقاذ نتنياهو سياسيا.
هل يخرج نتنياهو من رئاسة حكومة اسرائيل بسبب هفوة وبسبب مواجهته اوباما، على غرار ما حصل عندما واجه كلينتون قبل ذلك بعشر سنوات ووجد نفسه خارج الحكم في اسرائيل؟ الاجابة في الايام والاسابيع المقبلة.

الاثنين، 19 نوفمبر 2012

الولايات المتحدة المكتفية نفطياً تهجر الشرق الأوسط وتتفرغ لـ «الأقصى»

| واشنطن - حسين عبدالحسين |

لا يصدق العالم أن الولايات المتحدة تبتعد عن الشرق الأوسط برغبتها. كثيرون يعتقدون أن تراجع دور أميركا في المنطقة هو بسبب أفول نجمها كقوة عظمى، والبراهين واضحة في ضعضعة اقتصادها، وخوار قواها إثر حربي العراق وافغانستان، وصعود قوى عالمية منافسة تتصدرها الصين، وعودة روسيا القيصرية البوتينية. 
ويقول التقرير السنوي الصادر هذا الاسبوع عن «وكالة الطاقة الدولية»، ومقرها باريس إنه «مع حلول العام 2020، من المتوقع ان تصبح الولايات المتحدة اكبر دولة منتجة للنفط في العالم، متجاوزة المملكة العربية السعودية، وفي نفس الوقت تظهر نتائج إجراءات زيادة الفاعلية في تقنية قطاع النقل».
ويضيف التقرير أن «النتيجة ستكون استمرارا في انخفاض كمية النفط الذي تستورده الولايات المتحدة الى درجة ان اميركا الشمالية ستصبح مصدرة للنفط مع حلول العام 2030»، وهو ما يعني ان اميركا ستتحول من دولة تستورد نحو 20 في المئة من استهلاكها البالغ 10 ملايين برميل نفط يوميا، الى دولة مكتفية ذاتيا ومصدرة للنفط الخام. 
كما في النفط، كذلك في الغاز الطبيعي، حققت الاكتشافات العلمية معجزات على صعيد استخراج هذه المادة من باطن الارض بتكلفة تنافسية، ومن المتوقع ان تصبح الولايات المتحدة المصدر الاول في العالم للغاز الطبيعي المسال في العام 2015، حسب التقرير نفسه. 
ويشير مسؤولون اميركيون الى مفارقة مفادها ان الحكومة سمحت ببناء منصة لاستيراد الغاز المسال في ولاية لويزيانا الجنوبية، ويقول هؤلاء: «اليوم، صرنا نستعمل هذه المنصة لتصدير الغاز الاميركي الى العالم بدلا من استيراده».
الرئيس الاميركي باراك اوباما يدرك التحولات الجذرية المقبلة على قطاع الطاقة في بلاده، وهو ما ساهم في تعزيز رأيه القائل بوجوب «ادارة محور» السياسة الاميركية من الشرق الاوسط الى الشرق الأقصى لمواجهة الصعود الصيني بدلا من التلهي بحروب صغيرة وجانبية في منطقة تستنزف الاموال والدماء الاميركية مع مردود منخفض في السياسة والاقتصاد. وبعكس الاشهر الستة لولايته الاولى التي زار خلالها اوباما تركيا والعراق والسعودية ومصر، يبدأ اوباما ولايته الثانية بزيارة تايلند، السبت «لتكريس 180 عاما على الصداقة والتعاون بين البلدين» بحسب بيان البيت الابيض، ينتقل بعدها الى ميانمار التي تشهد زيارة رئيس اميركي اليها للمرة الاولى في تاريخها حيث يلقي خطابا حول الديموقراطية ويحث على الاصلاحات في البلاد. ومن المتوقع ان يصل اوباما بنوم به، عاصمة كمبوديا، يوم الثلاثاء حيث يشارك قي قمة دول «جنوب شرق آسيا»، وحيث سيعقد اجتماعات مع رئيسي الوزراء الصيني وين جياباو والياباني يوشيهيكو نودا. «جنوب شرق آسيا هو المستقبل الاقتصادي، وهو حيث الاقتصادات الكبرى تتنافس، وهو حيث الولايات المتحدة ستكون في طليعة الدول المشاركة في العجلة الاقتصادية هناك استيراداً وتصديراً»، يقول مسؤول في الادارة الاميركية في جلسة مغلقة للدردشة حول رحلة الرئيس المقبلة. 
ويلفت المسؤول الاميركي انه في سنوات رئاسته الاربع، زار اوباما كوريا الجنوبية ثلاث مرات، لتحل في المرتبة الثانية بعد فرنسا الاولى بأربع زيارات ومتقدمة على حلفاء واشنطن الاقربين بريطانيا والمانيا وكندا التي زار كلاً منها مرتين. 
واثمرت زيارات اوباما سيول توقيع اتفاقية تجارة حرة بين البلدين، ويعتقد المسؤول الاميركي ان سبب تصدر شركة «جي ام» مبيعات السيارات في العالم بتسعة ملايين سيارة سببه اتفاقيات كتلك الموقعة مع الكوريين الجنوبيين.
وبالحديث عن الزيارات، ما زال أصدقاء اسرائيل في الولايات المتحدة يأخذون على الرئيس الاميركي عدم قيامه بأي زيارة لاسرائيل منذ انتخابه رئيسا، على ان اوباما لم تطأ قدماه الشرق الاوسط عموما منذ زيارته الشهيرة الى مصر في يونيو 2009.
والمستمع الى حديث اوباما يستشف ان الرجل احبط مبكرا من مواضيع الشرق الاوسط، فهو راهن على التوصل السريع الى سلام عربي اسرائيلي، وفي ديسمبر 2010 اعترف في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» أنه لم يكن يعلم ان الموضوع بهذا التعقيد. ثم حاول اوباما ان يجعل من العراق دولة حليفة، وحاول ان يتوصل الى اتفاقية تبقي عدد من القوات الاميركية هناك، بينهم مدربون عسكريون، على غرار ما تفعله واشنطن مع جميع حلفائها حول العالم. إلا ان الجدل العراقي اقنع الرئيس الاميركي بأن الموضوع اضاعة لوقته، فتخلى عن العراق، الذي استثمرت فيه واشنطن الكثير والذي كان من المتوقع ان يتحول الى حليفها الابرز في المنطقة.
وينقل مسؤولون انه في احدى جلسات «مجلس الامن القومي»، تساؤل اوباما حول جدوى التركيز على الشرق الاوسط، وان الجواب الوحيد كان «الدفاع عن حلفائنا»، اي اسرائيل، فرد اوباما انه يمكن فعل ذلك عسكريا «من دون الغوص في تفاصيل تشكيل حكومة في بغداد او كتابة دستور في القاهرة»، وان «اسرائيل متفوقة عسكريا على خصومها العرب، ولا حاجة لوجود اميركي دائم في المنطقة لهذا السبب».
لكن إيران تهدد اسرائيل، وهو ما يدفع اوباما الى محاولة وقف الطموح النووي الإيراني. هكذا، أعلن اوباما صراحة في مؤتمره الصحافي، اول من امس، ان خيار الحل الديبلوماسي ما زال مطروحا امام الايرانيين، وانه «لا يعرف ان كانت ايران ستخرج من الباب المطلوب ان تخرج منه» لحل الازمة، ولكنه المح، وهو ما يعرفه المقربون منه، انه سيمنع ايران من انتاج سلاح نووي بأي ثمن، وهي الحالة الوحيدة التي سيستخدم فيها قوة بلاده العسكرية في المنطقة.
لكن بعيدا عن الازمة الايرانية، لا تقلق منطقة الشرق الاوسط اوباما كثيرا، وهو ان كان يتعاطف مع ضحايا بشار الاسد في سورية، الا انه لا يعتقد ان على بلاده لعب دور الشرطي، وان عليها ان تشارك في الحل من خلال اطار المجتمع الدولي واصدقاء واشنطن الاقليميين فقط.
وعليه، تدل كل المؤشرات أن التوجه الاميركي في السياسة الخارجية، في عهدة اوباما، هو الابتعاد عن الشرق الاوسط. اما الآن والتقارير النفطية تشير الى ان اميركا في طرقها الى الاكتفاء الذاتي النفطي، المحرك الاول لمصالح اميركا في المنطقة في الماضي حسب رأي كثيرين، لا سبب بعد الآن للغوص في وحول هذه المنطقة وحروبها اللامنتهية من وجهة النظر الاميركية.
في هذه الاثناء، سينشغل اوباما في مضاعفة صادرات بلاده، حسب وعوده، وهي ارتفعت بنسبة النصف منذ تسلمه الحكم، وسيعمل على خلق وظائف لمواطنيه، وسد العجز السنوي في الموازنة، واقامة احلاف عسكرية مع الدول المحيطة بالصين، والتأكد من ان اسواق هذه الدول، ذات الكثافة الشعبية والايرادات التي ترتفع مع مرور الوقت، تقبل على شراء البضائع الاميركية.
الشرق الاوسط، في عهد اوباما، لم يعد في الاهمية الاستراتيجية ذاتها التي كان عليها عند الادارات السابقة المتعاقبة على مدى العقود الماضية.

الخميس، 15 نوفمبر 2012

السنيورة: لو كنت رئيسا للحكومة لتبنّيت سياسة النأي بالنفس

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

قال رئيس حكومة لبنان السابق فؤاد السنيورة انه لو كان رئيسا للحكومة الحالية لتبنى سياسة «النأي بالنفس» عن الاحداث في سورية. لكن السنيورة، الذي حاضر في مركز «وودرو ولسن» في واشنطن، اول من امس على هامش زيارة يقوم بها الى الولايات المتحدة، طالب «باستقالة» حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، متهما اياها «بالتقصير في مهماتها، خصوصا تجاه حفظ الامن»، معتبرا «انها منحازة سياسيا، ما يمنعها من الاشراف على الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل».
وكشف السنيورة ان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري «سيعود الى لبنان قبل نهاية العام الحالي»، معتبرا ان «وجوده في المنفى هو بسبب الخطر المحدق بأمنه».
ودعا السنيورة «الى تأليف حكومة تكنوقراط من 24 وزيرا، على شكل تلك التي ألفها ميقاتي في العام 2005، للاشراف على الانتخابات»، ولفت الى انه في تلك الحكومة، عزف ميقاتي عن الترشح الى الانتخابات، واليوم ممكن العثور على اي شخصية لا تنوي الترشح وتقبل رئاسة الحكومة للاشراف على الانتخابات.
وكان السنيورة وصل المحاضرة آتياً من البيت الابيض حيث عقد لقاء مع نائب مستشار الامن القومي دينيس ماكدونو ومسؤول ملف الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي ستيف سايمون.
وكانت «مجموعة عمل لبنان» استضافت رئيس الحكومة السابق، الثلاثاء، في جلسة مغلقة مع الخبراء عقدها «معهد ستمبسون» بالاشتراك مع «معهد الولايات المتحدة للسلام»، في مقر الاخير.
وفي حديثه عن حكومة بلاده، اعتبر السنيورة ان ايجابيتين تحسب لها: تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وتبني سياسة النأي بالنفس تجاه الاحداث في سورية، لكنه انتقد من ناحية أخرى خصوصا الاداء الاقتصادي لحكومة ميقاتي، معتبرا ان لبنان حقق نسبا من النمو تعدت الثمانية في المئة في الاعوام 2007، 2008، 2009، و2010، وان النمو انخفض الى واحد ونصف في المئة في العام 2011، والى صفر في المئة اليوم.
وعلى رغم التراجع الاقتصادي، يعتقد السنيورة ان ميقاتي يحاول القيام بخطوات شعبوية لاهداف سياسية، وقال: «هل يمكنكم ان تدلّوني على بلد في العالم ترفع حكومته الرواتب والاجور بنسبة 70 الى 120 في المئة في خطوة شعبوية، وهو ما يرتب على الموازنة العامة (مدفوعات اضافية بواقع) مليار و700 مليون الى ملياري دولار»؟
وكان السنيورة افتتح حديثه بالقول ان «العالم العربي يشهد حاليا تغيرين رئيسيين من الصعب الرجوع عنهما، الاول هو الحراك داخل المجتمعات العربية حيث انهارت جدران الخوف والصمت». وقال: «رفع الغطاء وخرج مارد الحرية من القمقم، فالعالم العربي يتحول من شعوب كانت تخاف من الزعماء الى دول حيث الزعماء مسؤولون امام امام شعوبهم».
اما التغيير الثاني، يقول رئيس «كتلة المستقبل» البرلمانية اللبنانية، «فهو في الحركات الاسلامية السياسية، فهؤلاء يخرجون من الظلال الى العالم الحقيقي، والحكم يقدم لهم دروسا مفادها ان القيادة من المقعد الامامي غير التنظير من المقعد الخلفي، وهم يدركون سريعا ان الحداثة ضرورة، اما يتغيرون او يتم تغييرهم».
ورأى السنيورة ان «المفتاح الاساس للتغيير داخل الحركات الاسلامية هو مدى التزامها بالدولة المدنية حيث يتساوى كل المواطنين بغض النظر عن دينهم او عرقهم او اثنيتهم».
وختم بالقول ان «لا شيء غير عالم عربي حر وديموقراطي و مزدهر يمكن ان يكون بمثابة المضاد للاسلام المتطرف».

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

أوباما يستعد لمواجهة الجمهوريين على شفير «هاوية» مالية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

انتهى السباق الرئاسي الأميركي، الذي تخلله الكثير من الحديث عن الشؤون الاقتصادية، بفوز الحزب الديموقراطي والرئيس باراك اوباما على الحزب الجمهوري، الذي احتفظ بدوره بغالبية الكونغرس، وهو ما يعني انه في وقت سيحاول اوباما فرض رؤيته الاقتصادية للبلاد، لن تتم المصادقة على افكاره من دون مفاوضات شاقة بين الطرفين.
وللتبسيط، ممكن تلخيص مشكلة الولايات المتحدة المالية بمقارنة مصروف الحكومة الاميركية، الذي يبلغ 23 في المئة من حجم الناتج المحلي السنوي البالغ اكثر من 15 تريليون دولار، مع مدخولها الذي لا يتعدى 20 في المئة من حجم هذا الناتج.
هذا يعني ان فارق الثلاث نقاط مئوية يؤدي الى عجز سنوي في الميزانية، ويجبر الادارة على الاستدانة باصدار سندات خزينة، مما يساهم في زيادة الدين العام الذي تجاوز 16 تريليون دولار.
وما يفاقم من مشكلة العجز ان المجتمع الاميركي يشيخ، اي ان اعداد المتقاعدين تزداد بالنسبة لعدد العاملين، ما يفرض اعباء على «صندوق الضمان الاجتماعي»، الذي يعتاش المتقاعدون من اصحاب الدخل المحدود من رواتبه الشهرية. كذلك، تزداد الاعباء على صندوق الطبابة المخفضة السعر للفقراء وصندوق الدواء للمتقاعدين.
هذه الصناديق الثلاثة، المدعومة من الحكومة، مازالت تتمتع بفوائض حاليا، ولكن يتوقع ان تدخل في مراحل عجز، اذ يتوقع ان يتضاعف حجم انفاقها، البالغ 5 في المئة من حجم الناتج المحلي سنويا، مع نهاية هذا العقد.
رؤية الحزب الجمهوري للحل تكمن في تخلي الحكومة عن كفالتها لهذه الصناديق، عن طريق الخصخصة او تكليف حكومات الولايات بادارتها مقابل منح من الحكومة الفيدرالية، وهذا يعني ان تكلفة الاشتراك فيها قد ترتفع على المتقاعدين واصحاب الدخل المحدود، في مقابل انخفاض في كمية ونوعية الخدمات التي تقدمها، وهو ما يرفضه الديموقراطيون.
كذلك يعتقد الحزب الجمهوري ان الحلول تتضمن تخفيض الضرائب الفيدرالية اعتقادا منهم ان ذلك سيحفز الاستثمارات ويزيد من نمو الاقتصاد، مما يؤدي بدوره الى زيادة في مدخول الحكومة ككل، على الرغم من خفض النسب الضريبية. 
وسبق للجمهوريين ان قاموا بخفض الضرائب في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن في العامين 2001 و2003، لكن الاقتصاد لم يشهد قفزة في النمو حسبما توقع الحزب الجمهوري، وتاليا لم تشهد الحكومة ازديادا في مداخيلها، مما حرم الخزينة عائدات واجبرها على الايغال في الاستدانة، التي ارتفعت الى ارقام خيالية مع دخول البلاد في حربين في العراق وافغانستان.
للديموقراطيين وجهة نظر مختلفة تقضي بالعودة الى سياسات الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي ساهم رفعه للنسب الضريبية وخفضه الانفاق الى قلب العجز السنوي الى فائض. 
الخلاف في وجهات النظر دفع اوباما في ابريل من العام 2010 الى تشكيل لجنة من مسؤولي الحزبين، ترأسها السناتور الجمهوري السابق الن سيمبسون ورئيس موظفي البيت الابيض في عهد كلينتون الديموقراطي ارسكين بولز، وكان في عضويتها شيوخ من الحزبين، وحملت اسم «الهيئة الوطنية للاصلاح والمسؤولية المالية»، وقدمت توصيات تقضي بقيام الحكومة بخفض دولارين ونصف من الانفاق في مقابل كل دولار اضافي تجنيه من الضرائب. 
لكن مع حلول خريف ذلك العام، اكتسح الجمهوريون الكونغرس بفضل «حركة الشاي» اليمينية المحافظة. ذلك الاكتساح اقترن بتوقيع عدد كبير من الاعضاء الجمهوريين لميثاق، وضعه الناشط غروفر نوركويست، يقسم فيه هؤلاء على تصويتهم ضد المصادقة على اي زيادة في الضرائب مهما كانت. ووصل جنوح الحزب الجمهوري الى اليمين ومطالبة اعضائه في الكونغرس بلجم كل انفاق حكومي الى عرقلة رفع سقف الدين العام في صيف العام 2011، مما هدد باقفال الادارات الفيدرالية ودفع عدد من الوكالات الى خفض درجة التصنيف الائتماني للولايات المتحدة للمرة الاولى في تاريخها.
اثناء ازمة صيف 2011، حاول اوباما ورئيس مجلس النواب الجمهوري جون باينر التوصل الى تسوية تشبه توصيات سيمبسون- بولز، الا ان المقاعد اليمينية لباينر اجبرته على التراجع، فتوصل الرجلان الى اتفاق على وجه السرعة قضى برفع سقف الدين مقابل خفض تريليون و200 مليار دولار على مدى العقد المقبل من الانفاق الحكومي، على شرط ان يطول نصف الخفض الانفاق العسكري، وهو ما يعارضة الجمهوريون تقليديا، ونصفه الاخر الصناديق الاجتماعية، وهو ما يعارضه الديموقراطيون دائما. 
وفي العام 2012، قرر اوباما عدم تمديد الخفض الضريبي الذي وقعه بوش، وآثر العودة الى بعض ضرائب كلينتون التي ستطول فقط العائلات التي تجني اكثر من 250 الف دولار سنويا. 
الخفض المقرر في صيف 2011، مترافقا مع ارتفاع في بعض الضرائب الذي حدده اوباما هذا العام، يدخلان حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، ويؤديان الى خفض العجز السنوي البالغ تريليون دولار الى النصف. 
على ان بعض الخبراء الاقتصاديين حذروا من هذه الخطوة المفاجئة، واعتبروا انها ستؤدي الى وقف النمو الاقتصادي، وربما الى انكماش وركود اميركي يؤدي الى ركود عالمي. واطلقت وسائل الاعلام اسم «الهاوية المالية» على التغيير المقرر في السياسة المالية، وراحت تحذر منه بشكل متواصل.
في اثناء المعركة الرئاسية، قدم كل من المرشحين اوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني رؤيتيهما المتباينتين للاقتصاد، لكن الرجلان اتفقا على ضرورة تفادي «الهاوية» فور انتهاء الانتخابات، عن طريق مباشرة المفاوضات مع الحزب الآخر. 
اوباما اطل في مؤتمر صحافي، معتبرا ان اعادة انتخابه بستين مليون صوت اميركي هي بمثابة تفويض شعبي له ولرؤيته الاقتصادية تسمح له بزيادة بعض الضرائب، ودعا زعماء الحزبين الى اجتماع في البيت الابيض الاسبوع المقبل. اما باينر، فظهر وكأنه اكثر ليونة معتبرا ان حزبه سيناقش كل الاحتمالات، بما فيها زيادة مدخول الحكومة. لكن مسؤولا جمهوريا آخر، هو زعيم الاقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل، قال ان حزبه يعارض اي زيادة ضريبية مهما كانت، ما دفع الخبراء الى اعتبار انه اما ان الحزب الجمهوري منقسم على نفسه، واما ان مسؤوليه يلعبون لعبة «شرطي جيد وشرطي سيئ».
يستأنف الحزبان الاسبوع المقبل المفاوضات التي فشلت في الماضي على امل ان تنجح قبل نهاية العام، وفي الاثناء تستعد مجموعات الضغط من الجهتين للقتال دفاعا عن وجهات نظرها ومكتسباتها، ما ينذر ان البلاد ستشهد اسابيعا من الجدل، لكن هذه المرة في الاقتصاد بدلا من السياسة.

أسبوع سقوط الكبار في أميركا

حسين عبد الحسين

“بالمناسبة، هل يمكنك ان تقرضني 300 مليون دولار؟”، يقول المستشار الرئاسي السابق كارل روف للمرشح الجمهوري ميت رومني حسب وصلة فكاهية عرضها برنامج “ساتيرداي نايت لايف” المعروف. لم يكن في حسبان روف، الذي هلل لقرار المحكمة الفيدرالية العليا في العام 2010 والذي سمح للشركات والمانحين المجهولين المساهمة في التبرع للحملات الانتخابية من دون حدود، ان كل الاموال التي انفقها وحزبه الجمهوري ستؤدي الى الفشل الانتخابي الذريع الذي منيا به.
الاحصاءات تقول إن روف والجمعيات المرتبطة به انفقوا اكثر من نصف مليار دولار ثمنا للحملات الدعائية الانتخابية، وان انعكاس هذه الاموال على نسبة نجاح المرشحين بلغ واحدا في المائة و29 عشرا مائويا، وهي نسبة متدنية جدا.
ولم تكف روف مشاكل الانفاق الانتخابي الهائل والخائب، بل اقترن ذلك بإطلالاته شبه اليومية بصفة محلل على شبكة “فوكس نيوز” الاخبارية ليؤكد مرارا ان رومني سيفوز بالرئاسة، وبفارق كبير. وعندما اعلنت وسائل الاعلام فوز الرئيس باراك اوباما بولاية ثانية، ظهر روف غاضبا وهو يعاتب “فوكس” المحسوبة على الحزب الجمهوري لقبولها النتيجة.
اذن، روف الغاضب، اخطأت توقعاته، وضاعت اموال المانحين لجمعياته الحزبية من دون نتائج تذكر. هكذا، انقلب الرجل الذي اطلق عليه بوش يوما لقب “عقلي”، من ابرز شخصية في الحزب الجمهوري الى محط تهكم شعبي. بكلمة، يمكن القول إن اسطورة روف تحطمت.
لكن روف لم يكن وحيدا، فمدير “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي ايه) دايفيد بترايوس، سقط كذلك بعدما انكشفت خيانته الزوجية وعلاقته العاطفية بكاتبة سيرته.
الجنرال بترايوس سبق ان عمل قائدا للقيادة الوسطى، ثم قائدا للقوات الاميركية في العراق، وهو بطل الحرب هناك من وجهة النظر الاميركية، ومهندس “خطة زيادة القوات” التي سمحت بانهاء الحرب الاهلية في العام 2008، ومهدت للانسحاب الاميركي في كانون الثاني 2011.
بترايوس لم يكن جنرالا فحسب، بل هو خريج جامعة برينستون العريقة، وقد صنفته احدى المجلات على انه احد افضل 100 مثقف اميركي. ونظرا لسعة ثقافته ومهارته العسكرية، قام بترايوس بوضع “كتاب ارشادات” للجيش الاميركي لكيفية مواجهة الجيوش النظامية لقوات غير نظامية والتغلب عليها في حرب العصابات، وكان العراق النصر الاول من نوعه لجيش نظامي في هذا الاطار.
لكن بترايوس انتهى في لحظات: طلب منه جايمس كلابر، مدير وكالات الاستخبارات، الاستقالة، فقدمها لأوباما يوم الخميس الماضي، وقبلها الرئيس الاميركي بعد اقل من 24 ساعة.
وعلى خط بترايوس سار خلفه في افغانستان الجنرال جورد ألن، الذي كان يستعد لمنصبه الجديد قائدا لقوات “تحالف الاطلسي”، فإذ بفضيحة بترايوس تكشف ان ألن اقام كذلك علاقة عاطفية خارج زواجه، وهو ما يعاقب عليه القانون العسكري الاميركي بالطرد، وهو ما يبدو مصير الجنرال المذكور.
في الديمقراطيات لا يوجد كبار ولا صغار. لحظات عز لهذا، وخزي لذاك، اما الرابح الاكبر، فهو من يخرج بسجل نظيف ويحافظ على سمعته، على الاقل “للتاريخ”، او هكذا يحلو للاميركيين القول.

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

«كله في الداخل» يكشف علاقات بترايوس الجنسية في «الخارج»


| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في واحدة من اكثر القصص الاميركية اثارة وتشويقا، تتسابق وسائل الاعلام الاميركية على نشر فصول استقالة احد ابرز جنرالات الولايات المتحدة، «بطل» حرب العراق، ومدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي ايه) دايفيد بترايوس، بعدما اكتشف «مكتب التحقيقات الفيديرالي» (اف بي آي) اقامته علاقة عاطفية مع مؤلفة سيرته الذاتية بولا برودويل، وسط كم هائل من المعلومات، بعضها متضارب، وبعضها منسوب الى مصادر غير موثوقة. 
في القصة ثلاثة ازواج، في كل واحد منها شريك يعمد الى الخيانة الزوجية، فضلا عن رجل، هو الوحيد الذي لم تنكشف هويته حتى الآن، من المتورطين في شبكة العلاقات الجنسية التي تعصف بتفاصيل هذه القصة.
الزوج الاول هو بترايوس، البالغ من العمر 60 عاما، وزوجته هولي، وهما متزوجان منذ 38 عاما ولديهما ولدان راشدان. 
يتعرف بترايوس الى ضابطة في الجيش هي بولا بردويول، ابنة الاربعين، وما تلبث ان تتوطد العلاقة بينهما مع قيامها بتوثيق حياة الجنرال الاميركي لكتابتها في سيرة نشرتها في كتاب بعنوان «اول ان»، او «كل شيء على المحك»، وهو ما يمكن ترجمته ايضا الى «كله في الداخل»، وهو ما دفع شبكات الاعلام الاميركية الى التندر حول عنوان الكتاب بعد انكشاف علاقة الجنرال وعشيقته.
بولا متزوجة من سكوت برودويل، وهو طبيب، ويعيشان في بيت فخم في ولاية نورث كارولاينا، ولديهما ولدان يبلغان من العمر اربع وخمس سنوات. وفي اثناء كتابتها سيرة بترايوس، التي ظهر في ما بعد ان برودويل عمدت الى توظيف كاتب مجهول ليكتبها باسمها، نشأت علاقة عاطفية بين الجنرال والكاتبة يرجح انها بدأت في شهر مايو الماضي.
الزوج الثالث مؤلف من جيل خوام (41 عاما) وزوجها سكوت كيلي، وهو جرّاح، ويعيشان في ولاية فلوريدا الجنوبية مع بناتهما الثلاث. 
خوام، وهي واحدة من اربعة اولاد لوالدين لبنانيين هما جون ومارسيل خوام اللذان هاجرا الى الولايات المتحدة في السبعينات وادارا مطعما للمأكولات اللبنانية حمل اسم «صحارى»، تعمل بصفة متطوعة في تنظيم حفلات لجرحى الجيش الاميركي، وغالبا ما توجه دعوات حضور للضباط. 
واثناء عمله في فلوريدا رئيسا للقيادة الوسطى قبل خمسة اعوام، نشأت علاقة صداقة بين الزوج بترايوس والزوج خوام - كيلي.
الا انه في الصيف الماضي، يبدو ان علاقة الجنرال مع السيدة خوام تطورت، او على الاقل هذا ما اعتقدته عشيقته الاولى بولا برودويل، فعمدت الى ارسال «ايميلات» باسماء مستعارة، الصيف الماضي، تهددها فيها وتطلب منها الابتعاد «عنه»، اي بترايوس. ونقلت وسائل الاعلام عن مصادر قولها انه في احد «الايميلات»، اتهمت برودويل باسمها المستعار خوام بأنها داعبت بقدميها قدمي بترايوس تحت الطاولة اثناء احدى المناسبات. 
ويوم امس، اعلنت وزارة الدفاع مباشرتها التحقيقات في الاف «الايميلات» بين خوام - كيلي والجنرال الذي خلف بترايوس في افغانستان جون الن، والتي يظهر فيها وجود علاقة عاطفية بين الاثنين. وكان الن في طريقه لتسلم منصب «قيادة تحالف الاطلسي» في افغانستان، الا ان هذا التعيين تم تعليقه، بأمر اصدره الرئيس باراك اوباما امس، وقد تؤدي نتائج التحقيق الى طرده من الجيش.
لكن خوام لم تسكت للتهديدات، وهي لديها صديق يعمل في الـ «اف بي آي» تبين لاحقا انه سبق ان ارسل لها صورا يظهر فيها نصف عارٍ، وهو ما حمل البعض على الاعتقاد ان علاقة عاطفية كانت تربط الاثنين. العميل اخذ هذه «الايميلات» وطلب من مكتب التحقيقات التحري عن الموضوع، فتوصلت وحدة مكافحة الجريمة الالكترونية الى ان المرسل هو برودويل. لكن الوكالة لم تبلغه بالنتائج وطلبت منه الابتعاد عن القضية.
بعد التحقيقات، وافقت برودويل على السماح للـ «اف بي آي» بقراءة بريدها الالكتروني ذات الاسم المستعار، وهناك تبين انها على علاقة ببترايوس، وظهر ذلك خصوصا في «ايميلات» حميمة بينهما تحدثت عن «ممارسة الحب تحت المكتب». 
مكتب الـ «اف بي آي» كان يخشى ان يكون المرسل شخصا يتظاهر بأنه بترايوس، او ان «ايميل» الاخير قد تمت قرصنته. لكن بعدما ظهر ان الجنرال نفسه هو المتورط بالعلاقة مع برودويل، انصب الاهتمام على معرفة متى بدأت العلاقة وان كانت اثناء خدمته العسكرية، اذ يحظر قانون الجيش الاميركي الخيانة الزوجية تحت طائلة عقوبات قاسية. 
ثم تحول الاهتمام الى محاولة معرفة ان كانت العلاقة ادت الى تحويل بترايوس لاي معلومات سرية الى عشيقته، ولكن ذلك تبين انه لم يحصل بعد التحقيقات مع الجنرال.
هذا يعني ان بترايوس لم يرتكب اي جرم قانوني، لكن رئيس «وكالات الاستخبارات القومية» جيم كلابر اتصل به الاسبوع الماضي، وطلب منه الاستقالة، وابلغ «مجلس الامن القومي» بالموضوع الاربعاء، الذي ابلغ اوباما بدوره الخميس، اليوم الذي قدم فيه بترايوس استقالته. يوم الجمعة، اعلن اوباما قبوله الاستقالة.
بترايوس اصدر بيانا رافق استقالته وتوارى عن الانظار، ويقال ان زوجته حانقة جدا. اما برودويل، التي كانت تحتفل وزوجها بعيدها الاربعين في منتجع رومانسي في ولاية فيرجينيا، قطعت عطلتها وتوارت عن الانظار هي وعائلتها. بدورها خوام - كيلي كانت تحتفل مع احدى بناتها بعيد ميلادها في بيتها الفخم في فلوريدا، وعندما حضر الصحافيون الى منزلها، طلبت منهم احترام الخصوصية كرمى لابنتها وللمناسبة، ففعل الصحافيون ذلك، ومنذ ذلك الوقت، لم تطل السيدة المذكورة على الاعلام.
اما العميل المجهول الهوية، فهو خشي ان يكون ابعاده عن الملف بهدف «ضبضبة»
الموضوع اثناء موسم الانتخابات بهدف عدم التأثير على حظوظ اعادة انتخاب اوباما، فقام بالاتصال بزعيم الغالبية في الكونغرس الجمهوري اريك كانتور، وابلغه عن الموضوع، فقام الاخير بابلاغ رئيس المكتب جيم مولر. 
ثم حاول الجمهوريون مهاجمة اوباما لتأجيله اعلان نتائج التحقيقات، فرد البيت الابيض انه لم يعرف قبلا، وان كانتور هو الذي كان يعلم قبل الانتخابات ولم يثر الموضوع. 
ثم حاول مكتب الـ «اف بي آي» مهاجمة وكالة الاستخبارات واداء مديرها، الا ان المكتب نفسه وقع تحت الشبهة لاجتياحه الحياة الخاصة للمواطنين، ولكشفه قضية الى العلن لم يثبت فيها اي جرم، ما ادى الى الاطاحة ببترايوس من دون سبب مهني واضح.
في هذه الاثناء، كثرت التحليلات ونظريات المؤامرة، التي كان ابرزها الحديث عن معلومات لدى بترايوس حول اعتقال وكالته لمتطرفين اسلاميين في القنصلية الاميركية في بنغازي، وان هجوم 11 سبتمبر الذي راح ضحيته السفير كريس ستيفنز وثلاثة اميركيين آخرين، كان لتحرير هؤلاء. الا ان الوكالة نفت هذا السيناريو الذي كانت «شبكة فوكس» اول من اطلقته، وفي وقت لاحق كررته برودويل في محاضرة لها حول كتابها في جامعة دنفر في ولاية كولورادو.
ومن المتوقع ان تنكشف تفاصيل اكثر، لكن حتى ذلك الحين، ستستمر القضة البوليسية، الجاسوسية، العاطفية في الاستحواذ على اهتمام الاميركيين ووسائل اعلامهم، على الاقل بعد اشهر طويلة من الاخبار السياسية الجدية التي فرضتها الانتخابات.





أوباما يصرّ على سوزان رايس للخارجية وكيري للدفاع وبرينان رئيسا لـ «سي آي اي»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مصادر في البيت الابيض ان الرئيس باراك اوباما يصر على تعيين مبعوثته الى الامم المتحدة سوزان رائيس وزيرة للخارجية خلفا لهيلاري كلينتون، التي اعلنت تقاعدها، مستبعدا بذلك السناتور الديموقراطي جون كيري، الذي يبدو انه سيدخل الى الادارة وزيرا للدفاع خلفا لليون بانيتا، المتقاعد ايضا.
ولملء الفراغ الذي تركه الجنرال دايفيد بترايوس على رأس «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي)، المقال بسبب انكشاف علاقته العاطفية بكاتبة سيرته بولا برودويل، رجحت المصادر تعيين مستشار الرئيس لشؤون الارهاب جون برينان رئيسا للوكالة. 
وفي الامم المتحدة، يتسابق مرشحان هما سامانتا باورز، مستشارة اوباما للشؤون الخارجية اثناء حملته الرئاسية الاولى قبل اربعة اعوام، ومسؤول الملف العراقي في الادارة حاليا، انتوني بلينكن، وهو يعمل مستشارا للامن القومي لنائب الرئيس جو بيدن.
وكانت رايس تعرضت لهجوم واسع من الجمهوريين على اثر تصريحاتها في شأن الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر والتي راح ضحيتها اربعة اميركيين بيهم السفير كريس ستيفنز. رايس اعتبرت ان سبب الهجوم هو الفيديو المسيء للاسلام، وهي رواية تعارضت مع ما اعلنته الادارة فيما بعد ومفاده ان الهجوم كان ارهابيا ومصمما في وقت سابق. 
على ان اوباما يبدي عنادا وتمسكا برايس، وهي واحدة من اقرب المقربين اليه في شؤون السياسة الخارجية، وحجته انها - كما الادارة - قالوا ما كانت وكالات الاستخبارات نقلته اليهم حول حادثة الهجوم. 
ورايس كانت عملت في «مجلس الامن القومي» في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، والمعروف انها علقت على مجازر رواندا العام 1994 بالقول انه «اذا استخدمنا كلمة ابادة جماعية ولم نفعل شيئا من بعدها، ماذا سيكون تأثير ذلك على الانتخابات في نوفمبر»، وهو تصريح ندمت عليه في وقت لاحق وقالت: «اقسمت على نفسي اني ان واجهت ازمة كهذه مجددا، ساساند الخيار العسكري بقوة، وآمل ان اتحول الى لهيب نار اذا لم افعل ذلك».
لكن رايس لم تتحول الى السنة لهب بعد تجاوز عدد القتلى المدنيين على ايدي قوات بشار الاسد في سورية الاربعة الاف. ويقول العالمون ان رايس توافق، بل تحضّ اوباما، على ضرورة حصر النشاط الاميركي حول سورية بالتحرك من ضمن اطار المجموعة الدولية، لذا، من غير المتوقع ان تولي رايس تدخل اميركا في سورية عسكريا، بأي شكل، اهتماما يذكر في حال وصولها الى وزارة الخارجية.
كيري بدوره كان له تجربة خاصة مع الاسد، فبدءا من العام 2006 عندما فاز الديموقراطيون بغالبية الكونغرس بمجلسيه، كان السناتور المخضرم من اول زوار دمشق ومن ابرز الداعين للانفتاح عليها. على انه على اثر اندلاع الثورة السورية ضد الاسد في مارس من العام الماضي، عدل كيري من مواقفه تدريجيا، وصار اليوم من ابرز مطالبين الادارة بالتدخل لترجيح الكفة لمصلحة الثوار، كما طالب الادارة علنا ومرارا باجبار العراق على وقف شحنات الاسلحة الايرانية التي تمر في اجوائه في طريقها الى قوات الاسد.
وسيكون مثيرا للاهتمام مراقبة تفاعل رايس، صاحبة الموقف البارد تجاه الازمة السورية، مع كيري، الداعي الى حركة اميركية اكبر، في حال وصولها الى الخارجية وتسلمه الدفاع.
اما برينان، المرشح لادارة «وكالة الاستخبارات المركزية، فهو معروف بالمامه بتفاصيل المفاوضات الاميركية مع حركة الطالبان، وباشرافه على دور اميركا في اليمن، وكان من الداعين لفتح الحوار الفوري مع «حزب الله» لحضّه على التخلي عن العنف والقائه السلاح. كذلك، يعتبر برينان من ابرز الداعين الى الانفتاح على النظام الايراني.
وتنقل مجموعة عقدت لقاء معه حول موضوع ايران تعبيره عن «قلقه من احتمال انهيار النظام الايراني يوما، وتفتت ايران التي تحوي اكثر من 15 مجموعة اثنية، الى دويلات متناحرة او الى حرب اهلية»، وانه يعتقد ان السيناريو الافضل هو تخلي طهران عن برنامجها النووي مقابل الغاء العقوبات الدولية وتطبيعها العلاقات مع الغرب، بدلا من توجيه ضربة وقائية لمنعها من صناعة السلاح النووي.
وسيناريو برينان يبدو انه بدأ يلقى اذانا صاغية في واشنطن مع بدء ورود تقارير عن لقاءات غير رسمية يعقدها اميركيون مع ايرانيين في ما يبدو انه انفراجا مقبلا في المفاوضات وفي العلاقات، وهو ما اوردته في الاونة الاخيرة صحف اميركية، معتبرة ان الايرانيين باشروا الحوار، لكنهم طلبوا تعليقه حتى ما بعد فوز اوباما بولاية ثانية خوفا من التوصل الى اتفاق كان من المحتمل ان يطيح به المرشح الجمهوري ميت رومني في حال انتخابه.

الخميس، 8 نوفمبر 2012

صورة الفيل

حسين عبد الحسين

“أوباما يفوز لأن أميركا لم تعد هي نفسها التقليدية”، يقول مقدم البرامج على محطة فوكس نيوز اليمينية بيل أورايلي في حكمة تلخص الهزيمة القاسية التي تعرض لها الجمهوريون ومرشحهم للرئاسة ميت رومني على يد الحزب الديمقراطي ومرشحه باراك اوباما، الذي كسر ارقاما قياسية، أولها انه اول رئيس يفوز بولاية ثانية فيما نسبة البطالة تتعدى السبعة في المائة، وثانيها انه ثاني رئيس ديمقراطي يفوز بولايتين متتاليتين منذ الحرب العالمية الثانية، وثالثها ان اوباما لم يهزم منافسه رومني فحسب، بل حقق انتصارا باهرا بفوزه بكل الولايات التي كانت مصنفة “متأرجحة” ما عدا نورث كارولاينا.
لكن فوز اوباما يدل على ازمة عميقة داخل الحزب الجمهوري الذي يبدو وكأنه في طريق انحدار طويلة.
الحزب، الذي يحمل شعاره صورة فيل، يدرك انه لم يحقق اي من مرشحيه للرئاسة اي فوز مقنع منذ العام 1988، بل اقتصرت انتصارات الحزب الرئاسية على فوزين متواضعين للرئيس جورج بوش الابن، في العام 2000 عندما خسر بوش التصويت الشعبي واقتنص الرئاسة بحكم صدر عن المحكمة الفيدرالية العليا، وفي العام 2004 عندما بالكاد تعدى فوزه اصوات المجمع الانتخابي الـ270 المطلوبة.
وبالمقارنة بالديمقراطيين، يتضح ان مرشحيهما للفترة نفسها بيل كلينتون وباراك اوباما، حققا اربعة انتصارات كاسحة تعدت جميعها عتبة الـ300 صوت من اصوات المجمع الانتخابي في الاعوام 1992 و1996و2008 و2012. اما المرات التي خسر فيها الديمقراطيون الرئاسة، فجاءت بهامش صغير نسبيا.
ومع ان البعض قد يعتبر ان قوة الجمهوريين مازالت حاضرة، وان الدليل على ذلك فوزهم الكبير في انتخابات الكونغرس في العام 2010 واستعادتهم للاغلبية في داخله، ثم تجديدهم هذا الفوز، وان بهامش اصغر، هذا الاسبوع، الا ان انتخابات الكونغرس لا تعكس بدقة القوى الشعبية الاميركية فهي مبنية على دوائر فردية صغيرة داخل الولايات، غالبا ما يرسمها الكونغرس ذو الاغلبية الجمهورية نفسه، ويوزع الناخبين في داخلها بشكل يتناسب مع قواعده الشعبية ويعطيها حجما اكبر منها.
قوة الجمهوريين تتلاشى خصوصا عندما تصبح الدوائر اكبر، اي على صعيد ولاية، مثل في انتخابات مجلس الشيوخ، او على صعيد الولايات كلها، مثل في انتخابات الرئاسة، وما انتخابات هذا العام التي فاز فيها الحزب الجمهوري بمجلس النواب فيما فاز الديمقراطي بالرئاسة ومجلس الشيوخ الا دليل على ضعف الجمهوريين في الدوائر الكبرى.
اما اسباب التقهقر الجمهوري فتشمل كون “اميركا التقليدية” صارت تنحصر غالبا بالاميركيين البيض من دون الاقليات العرقية الاخرى، والبيض اكثرية تتقلص، وقد اظهرت الارقام ان نسبة الناخبين البيض تراجعت هذه الانتخابات الى 72 في المائة، من 74 في العام 2008، ومن 77 في المائة في العام 2004، في وقت سجلت نسبة الناخبين الاميركيين من أصول أميركية جنوبية رقما قياسيا بلغ 10 في المائة من اجمالي الكتلة الناخبة هذا العام.
في المقابل، يقول جون كاسيدي في مجلة نيويوركر ان “كل عناصر تحالف اوباما خرجوا للاقتراع بأرقام كبيرة: النساء، واللاتينيون، والافارقة الاميركيون، والشباب، والحرفيون من اصحاب الثقافة العالية جدا…”.
مشكلة اخرى لدى الحزب الجمهوري تكمن في مغالاة قادته في اليمينية السياسية ومحاولتهم استنهاض قواعدهم من البيض عبر تكريس مخاوف هؤلاء كأغلبية يتقلص عددها وفي طريقها الى التحول الى اقلية.
وفي هذا السياق، تتضمن مخاوف البيض الخوف من هجرة الاميركيين الجنوبيين وتكاثر عددهم داخل الولايات المتحدة، والخوف من العقائد الدينية من غير المسيحية، والخوف من الافكار الليبرالية الاجتماعية المتعلقة بشؤون الزواج والمرأة وغيرها.
كل هذه المخاوف صارت تدفع مرشحي الحزب الجمهوري الى الرئاسة الى الجنوح يمينا اكثر فأكثر اثناء الانتخابات التمهيدية للحزب، ثم العودة الى الوسط مع اقتراب الانتخابات العامة في محاولة، غالبا ما تكون يائسة، لاجتذاب اصوات التيارات الوسطية، وهو تماما ما حدث مع رومني.
الحزب الجمهوري في تراجع وصورة الفيل تتقهقر بعد ان سيطرت على المشهد السياسي الاميركي طيلة القرن الماضي على الاقل، وهو ما ينذر ان الولايات المتحدة مقبلة على تغيرات جذرية وعميقة، وان هذا الحزب اما يتغير أو يفوته الزمن فيموت.

أوباما يحتفظ برئاسته... وبريقه


| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

حقق الرئيس باراك اوباما فوزا كبيرا على منافسه الجمهوري ميت رومني واحتفظ بمنصبه لولاية رئاسية ثانية، فيما باءت معظم التوقعات التي تحدثت عن سباق متقارب بالفشل، اذ انتزع اوباما كل الولايات المتأرجحة، ماعدا نورث كارولاينا، واظهرت الارقام انه لم يفقد بريقه الشعبي بعد، وان مؤيديه وقاعدة الحزب الجمهوري لم تفقد حماسها.
انتصار اوباما جاء حاسما، وسريعا ايضا، اذ اعلنت وكالات الاعلام المختلفة فوزه قبل منتصف الليل بخمسين دقيقة بعدما فاز بولايات الوسط الغربي، مينيسوتا وويسكونسن وآيوا، واظهرت ارقام الفرز حتمية فوزه بولاية اوهايو. وفور اعلان فوزه باوهايو، تم اعلان فوز اوباما بولايته الثانية التي تمتد لاربع سنوات وتنتهي في العام 2016.
وبعد حصوله على اكثر من 270 «صوت كلية» اعطته الفوز، توالت انتصارات اوباما حتى في الولايات التي كان من الضروري لرومني الفوز بها، ففاز في فيرجينيا واكد انتصاره في نيفادا وكولورادو، ولم تترك فورة اوباما الشعبية مجالا لرومني او لحملته للشك، وحصل الرئيس الاميركي على 303 «اصوات كلية انتخابية» مخلفا رومني وراءه بـ 206 اصوات كلية قبل حسم نتائج فلوريدا التي تملك 29 «صوت كلية».
الا ان رومني لم يكن مستعدا للتنازل، حتى بعد اعلان فوز اوباما، واخذت اوساط حملته تنفي انتهاء السباق في اوهايو، وتقول ان ارقام الفرز متقاربة، مشيرة الى احتمالية الطعن بهذه النتائج وطلب اعادة الفرز، وهو امر لا تسمح به قوانين الولاية المذكورة. 
وبعد اخذ ورد، اتصل رومني بأوباما بعد منتصف الليل مهنئا اياه ومعلنا تنازله، ثم اطل المرشح الجمهوري امام مؤيديه، في مدينته بوسطن، ليسدل الستارة على حياته السياسية ويمضي في طريقه لاعتزالها. 
واطل الى جانب رومني افراد عائلته، والمرشح الى منصب نائب الرئيس بول رايان، والذي خسر السباق الرئاسي ولكنه فاز في معركة اعادة انتخابه عضوا في الكونغرس عن ولاية ويسكونسن ومن المرجح ان يحتفظ بمنصبه القوي رئيسا للجنة الشؤون المالية في مجلس النواب.
وفي الواحدة والنصف بعد منتصف الليل بتوقيت العاصمة واشنطن، اطل اوباما في مدينته شيكاغو، وكال المديح لمنافسه رومني وحملته والحزب الجمهوري، وتوجه الى مؤيديه بالقول انه «اصبح رئيسا افضل» بالسماع لهم، ووعدهم بأن يعود الى البيت الابيض «بتصميم وعزم اكبر»، وتابع ان ولايته المقبلة ستكون ولاية «عمل».
اوباما لم يتطرق في خطاب الانتصار الى تفاصيل في السياسة، بل وعد بالتواصل مع الجمهوريين، وقال ان لدى بلاده اقوى جيش في العالم، لكن قوتها تأتي فعليا من ديموقراطيتها ومن التفاف الاميركيين حول مبدأ الحرية.
في هذه الاثناء، لم تخطئ التوقعات في شأن الانتخابات التشريعية، فحافظ الجمهوريون على اكثريتهم في مجلس النواب، فيما اضاف الديموقراطيون مقاعد اضافية الى الاغلبية التي يتمتعون بها في مجلس الشيوخ، وهو ما يعني ان ميزان القوى على الساحة السياسية الاميركية سيستمر على ماهو عليه في السنتين المقبلتين، او على الاقل حتى انتخابات الكونغرس النصفية في العام 2014.
والرئيس العائد الى البيت الابيض سيواجه فورا مجموعة ملفات معقدة، تبدأ باعادة تشكيل فريقه، اذ صار مؤكدا خروج وزراء الخارجية هيلاري كلينتون والخزانة تيم غايثنر وربما العدل اريك هولدر. وفي الخارجية، من المرجح تعيين السناتور جون كيري، او مبعوثة اميركا في الامم المتحدة سوزان رايس، او مستشار الامن القومي توم دونيلون. 
بيد ان من شأن تعيين كيري خسارة الديموقراطيين لمقعد في مجلس الشيوخ لمصلحة الجمهوريين، وهو ما قد يثني اوباما عن فعله. اما رايس، فهي تعرضت لنقد لاذع بسبب تصريحاتها على اثر هجوم 11 سبتمبر على القنصلية الاميركية في بنغازي، ما يعني ان دونيلون هو صاحب الحظ الاكبر ليخلف كلينتون. 
وفي وزارة الخزانة، يسعى اوباما الى اقناع ارسكين بولز، وهو رئيس موظفي البيت الابيض في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون، بتوليها على وجه السرعة مع اقتراب ما صار يعرف بـ «الجرف المالي» المحدد مطلع العام المقبل، وهو موعد بدء الخفض البالغ تريليون و200 مليار دولار في الميزانية الاميركية على مدى العقد المقبل، نصفها من مخصصات وزارة الدفاع، والنصف الاخر من البرامج المدنية. يضاف الى الخفض اعلان اوباما عدم تجديد «ضرائب الرئيس السابق جورج بوش» الابن على اصحاب المداخيل التي تفوق 250 الف دولار سنويا.
ويعتقد الخبراء ان الخفض وزيادة الضرائب قد يساهمان في انكماش، وربما ركود وتقلص، في الاقتصاد الاميركي، وتاليا في الاقتصاد العالمي.
لذلك، ستكون اولى اولويات اوباما في ولايته الثانية الاسراع في التوصل الى حل مع الكونغرس الجمهوري نفسه الذي فشل في ايجاد الحلول معه الصيف الماضي. 
وكان بولز، المحبب لدى الجمهوريين ايضا، ترأس، والجمهوري الان سيمبسون، لجنة عينها اوباما وقدمت توصيات لخفض العجز، وكانت عبارة عن مزيج من خفض الانفاق وزيادة الضرائب على مراحل بشكل لا يؤثر سلبا في الاقتصاد او نموه. على ان بولز نفسه لا يبدو متحمسا للمنصب.
ومن المتوقع ان يلتزم اوباما بسياساته الاقتصادية الاخرى ليحقق وعودا اطلقها في الماضي مثل مضاعفة الصادرات الاميركية قبل نهاية ولايته الثانية. وكانت الصادرات الاميركية ازدادت 40 في المئة في السنوات الاربع الماضية. كما سيستمر الرئيس الاميركي على الارجح في زيادة الانفاق على البرامج العلمية والبحثية، وعلى المدارس الرسمية وعلى مشاريع البنية التحتية.
في السياسة الخارجية، التي لا يبدو انها في اولويات الرئيس الاميركي في المدى القريب، من المتوقع ان يحافظ اوباما على الخطوط العريضة الحالية من دون ادخال تغييرات تذكر عليها، حتى لو تغير بعض اعضاء فريقه. وفي هذا السياق، من المتوقع ان تحافظ واشنطن على جلوسها في الصفوف الخلفية للسياسة الدولية، خصوصا تجاه مواضيع الشرق الاوسط. ومن المتوقع ايضا ان تستمر ادارة اوباما في الانفتاح على التيارات الاسلامية التي يتم انتخابها الى الحكم في بعض الدول العربية، مثل مصر وتونس، فيما تحافظ على وتيرة الضغط الاقتصادي والديبلوماسي على ايران، التي تعرض نفسها لضربة عسكرية فقط في حال احس اوباما وفريقه ان طهران عقدت العزم على انتاج اسلحة نووية. 
هذه ابرز الملفات التي سيجدها الرئيس الاميركي على مكتبه ابتداء من اليوم، وهو ليس غريبا عنها.
اما في سياق الاحتفالات، فمن المتوقع ان يطل المستشار الرئاسي المحنك دايفيد اكسلرود على شبكة «ام اس ان بي سي» ليعلن ان نذره تحقق بفوز اوباما بولايات بنسلفانيا ومينيسوتا وميشيغان، وانه تاليا لن يكون عليه حلق شاربيه حسبما وعد قبل ايام، بل سينبغي على مقدم البرنامج جو كلاين ان يطلق شاربيه لخسارته الرهان.

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

الحسم الليلة: باراك أوباما أم ميت رومني؟

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

الليلة يحسم السباق الطويل والمضني والباهظ التكلفة المالية الى البيت الابيض بعد ان يدلي عشرات ملايين الاميركيين باصواتهم وتقفل صناديق الاقتراع في الولايات الاميركية الخمسين ومقاطعة كولومبيا حيث العاصمة واشنطن، ويبدأ الفرز الذي سيحدد ان كان الرئيس باراك اوباما سيفوز بولاية ثانية، ام ان منافسه ميت رومني سينجح في اخراجه من البيت الابيض والحلول مكانه لولاية رئاسية مدتها اربع سنوات.
وكانت معظم المدن الاميركية انهت، ليل امس، 22 شهرا من السباق الرئاسي المضني، الذي بلغت تكاليفه مليار ونصف مليار دولار، وهو رقم قياسي في تاريخ الانتخابات الاميركية. 
السباق شهد كذلك الاف المهرجانات الانتخابية في طول البلاد وعرضها، وعشرات المناظرات في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، تلتها اربع اضافية بين المرشحين الرئاسيين ونائبيهما، فضلا عن مئات الالاف من الاعلانات الانتخابية التي غطت معظم شبكات التلفزيون والراديو ومواقع الانترنت في عموم البلاد.
ومع حلول الظلام مساء امس، ساد الهدوء في واشنطن، ولكنه هدوء ما قبل العاصفة، اذ كان يمكن للقلة القليلة من المتجولين في شوارع العاصمة سماع الاحاديث الانتخابية وصوت البرامج التلفزيونية من داخل البيوت، وفي مكاتب الناشطين الذين اتموا استعدادتهم لليوم. 
واشنطن هي اكثر مدينة ولاء للديموقراطيين، وهي الوحيدة التي صوتت ضد الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان عندما فاز بـ 49 ولاية اميركية في انتخابات العام 1984. ولكن الى جنوب العاصمة، نهر بوتوماك الذي يفصلها عن ولاية فيرجينيا المتأرجحة، وناشطو حملة اوباما، الذين لا عمل لهم داخل العاصمة المحسومة لمرشحهم، عملوا على تنظيم نشاطهم في الولاية المجاورة من ضمن اطار «الحملة البرية لاخراج الصوت» التي اعلنتها حملة اوباما، والتي يذهب بموجبها الناشطون من باب الى باب، يقرعونها ويرافقون الناخبين الى مراكز الاقتراع.
وكان آخر الاستطلاعات الجدية الصادر عشية الانتخابات عن مركز «بيو»، المحايد حزبيا، اظهر تقدم اوباما شعبيا بـ 50 في المئة مقابل 47 لرومني. بيد ان الاستطلاع نفسه اورد ارقاما قد تدفع مسؤولي حملة اوباما الى الشعور بالقلق اذ اظهرت ان 92 في المئة من الجمهوريين ينوون الاقتراع اليوم، مقابل 86 في المئة من الديموقراطيين، وهو ما يتوافق مع قول الخبراء في وقت سابق ان القاعدة الشعبية الجمهورية اكثر حماسة من نظيرتها الديموقراطية. وفي حال صحت هذه التوقعات، فان اوباما قد يجد نفسه في ورطة خصوصا في الولايات العشر المتأرجحة والتي تدور فيها المعارك التي ستحسم السباق.
على انه بغض النظر عن هوية الفائز التي ستتحدد منتصف هذا الليل، او في ساعات الفجر من يوم غد، خرج معظم الاميركيين باستنتاجات عديدة، اولها ان معظم المؤشرات تدل على ان الاقتصاد الاميركي في طريقه الى التعافي، وانه كائنا من كان الرئيس المقبل، فان النمو الاقتصادي سيتحسن، وان الوظائف ستتوفر بشكل اكبر.
كذلك، شهد السباق الرئاسي هذا العام عودة الزوج كلينتون الى الواجهة مع الصعود الهائل للرئيس السابق بيل كلينتون، الذي سرق الاضواء من اوباما في مؤتمر الحزب في سبتمبر، والذي كان له تأثير كالسحر في تحفيز القاعدة الشعبية للحزب، وهو ما دفع حملة اوباما الى الاعتماد عليه حتى اصبحت اهمية حضوره في المهرجانات الانتخابية تضاهي اهمية حضور الرئيس نفسه.
عودة الزوج كلينتون الى الواجهة دفعت اكثر المعلقين الى التعبير عن اعتقادهم بأن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي لاقى اداؤها في الوزارة استحسانا كبيرا لدى الاميركيين، ستكون مرشحة الحزب الديموقراطي الى الرئاسة في العام 2016. كلينتون كانت اعلنت نيتها الخروج من ادارة اوباما في حال فوزه بولاية ثانية، وهي ستكون في التاسعة والستين من العمر في الدورة الانتخابية المقبلة. ومع ان خليفة الرئيس في الترشح عادة ما يكون نائبه، الا ان الخبراء استبعدوا ان يقوم جو بيدن بترشيح نفسه في العام 2016 لانه سيكون اصبح في الرابعة والسبعين، وهو امر من الصعب تجاهله او تسويقه شعبيا.
في الجهة الجمهورية، سطع نجم عضو الكونغرس بول رايان المرشح الى منصب نائب الرئيس لرومني. وبغض النظر عن نتائج الليلة، فان هذا السياسي البالغ من العمر 42 عاما ما زال في اول الطريق، ومن الواضح ان مستقبله السياسي سيشهد ترشحه الى منصب الرئاسة، ربما في العام 2016، ان خسر السباق هو ورومني الليلة.
لكن طريق رايان الى الترشيح الجمهوري للرئاسة لن تكون سهلة، اذ من المتوقع ان ينافسه عدد من الجمهوريين الصاعدين، يتصدرهم السناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، البالغ من العمر 41 عاما، كذلك محافظ ولاية نيوجيرزي المحبوب كريس كريستي، وشقيق الرئيس السابق ومحافظ فلوريدا صاحب الشعبية الكبيرة جب بوش.
ومن دروس الحملة الرئاسية لهذا العام ان الحزبين باتا يواجهان مشكلة مع المتطرفين من الجهتين، فالحزب الجمهوري يجد انه من الصعب السيطرة على «حركة حفلة الشاي» التي تغالي في اندفاعتها اليمينية الى حد ابعد الجمهوريين الوسطيين، ودفع بمرشحين متطرفين مع حظوظ متدنية الى الواجهة، واجبر قيادة الحزب على تبنيهم بعد فوزهم في الانتخابات التمهيدية. 
كما اجبرت هذه الحركة قيادة الحزب الجمهوري على الجنوح نحو اليمين، والابتعاد عن الوسط، وهو امر قد يكون مربحا على صعيد الدوائر الانتخابية الصغرى كما هي الحال في انتخابات الكونغرس، ولكنه مكلف عندما تكبر الدائرة وتصبح على صعيد ولاية كما في الانتخابات الرئاسية وفي انتخابات مجلس الشيوخ.
اما الحزب الديموقراطي، فهو يواجه كذلك صعود الليبراليين اليساريين الذين يدفعون بالحزب بعيدا عن الوسط، وسيعملون على منع اوباما، في حال فوزه الليلة، من المساومة مع الجمهوريين والاقتطاع من موازنات الرعاية الاجتماعية، وهو اقتطاع صار ضروريا بهدف لجم العجز السنوي والمديونية العامة التي فاقت 16 ترليون دولار.
الليلة ينتهي السباق الرئاسي للعام 2012، لكن السياسة الاميركية مستمرة. 
غدا سيكون يوم جديد في البيت الابيض والكونغرس، ولكن المواضيع الاميركية باقية هي نفسها، وعندما يستفيق الجميع من نشوة النصر او احباط الخسارة، سيعودون الى مواقعهم ويعود التراشق السياسي وتبدأ الاستعدادات لسباق ديموقراطي جديد في الانتخابات النصفية بعد عامين من اليوم.

الأحد، 4 نوفمبر 2012

أوباما يستعد لولاية ثانية و«معسكره» بدأ «الحملة البرية»

| واشنطن - من حسين عبد الحسين |

من المتوقع ان يتوجه غدا قرابة 140 مليون ناخب اميركي في 50 ولاية الى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم، واعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435، و33 عضوا في مجلس الشيوخ من اصل 100، ومسؤولين محليين اذ تنتخب 11 ولاية محافظا لها، فضلا عن انتخاب مديري شرطة ومدارس ودوائر اطفاء ومدعين عامين وقضاة، والاجابة عن عدد كبير من الاسئلة المتنوعة التي تضاف الى دفاتر الاقتراع وتتحول اجابات الناخبين عنها الى استفتاء شعبي.
مرشح الحزب الديموقراطي للرئاسة، الرئيس باراك اوباما، يتمتع بافضلية في وجه منافسه مرشح الحزب الجمهوري ومحافظ ولاية ماساشوستس السابق ميت رومني.
وعشية الانتخابات، اعتبر ابرز الخبراء نايت سيلفر ان فرص الرئيس الاميركي للفوز بولاية ثانية تقارب الـ 85 في المئة. ورشح سيلفر في صفحته «538» فوز اوباما بنحو 303 من اصل 535 صوت «كلية انتخابية»، ويحتاج اي من المرشحين الى 270 من هذه الاصوات للفوز.
اما حسابات سيلفر فمبنية على معادلة معقدة تأخذ في عين الاعتبار نتائج معظم الاحصاءات التي تجري في عموم البلاد، فضلا عن المؤشرات الاقتصادية، والتي كان آخرها - يوم الجمعة - ايجابيا لمصلحة اوباما، وظهر فيه ان سوق العمل اضافت اكثر من 17 الف وظيفة في شهر سبتمبر الماضي.
ويقول سيلفر انه من اصل 22 استطلاعا اجريت الجمعة الماضي في «الولايات التي يتوقع ان تحصل فيها معارك انتخابية»، اظهر 19 منها تقدم اوباما، فيما اظهر اثنان تعادلا وتقدم رومني في استطلاع واحد فقط.
خبير مرموق آخر هو تشارلي كوك اعتبر كذلك ان حظوظ اوباما تبدو افضل من حظوظ منافسه رومني.
واعتبر كوك ان لرومني 22 ولاية مضمونة، وهي الولايات ذات الغالبية الجمهورية المؤكدة والتي فاز بها جون ماكين العام 2008، فضلا عن ولاية انديانا الجمهورية ذات الاصوات الـ 11 والتي اقتنصها اوباما في 2008. مجموع «اصوات كلية» هذه الولايات الـ 23 هو 191، ما يجعل رومني بحاجة الى 79 صوتا للوصول الى عتبة 270، وهو ما سيدفع رومني الى محاولة اقتناص عدد من الولايات المتأرجحة، وسيحاول المرشح الجمهوري ضمان الفوز اولا في الولايات التي تظهر استطلاعات الرأي تقدمه فيها، ثم يسعى في الولايات الاكثر صعوبة.
الولايات الاسهل لرومني هي نورث كارولاينا (15 صوت كلية) وفلوريدا (29 صوت كلية) وفيرجينيا (13 صوت كلية)، رغم ان احدث الاستطلاعات اظهرت تقدم اوباما في فلوريدا بنقطتين مئويتين، وهو اقل من هامش الخطأ البالغ ثلاث نقاط، فيما اظهرت الاستطلاعات تعادلا في فيرجينيا. وان خسر رومني احدى هذه الولايات الثلاث، يمكن اعتبار ان خسارته السباق صارت شبه محققة، ولكن ان فاز بها، يضيفها الى اصواته المضمونة، لتصبح حصيلته 248، ويبقى بحاجة الى 22 «صوت كلية» للفوز.
في هذه المرحلة، يعتبر الخبراء انه سيكون امام رومني طرق متعددة للفوز، وان عليه جمع 22 صوتا من بقية الولايات المتأرجحة وهي كولورادو (9 اصوات)، ونيو هامبشير (4 اصوات)، وآيوا (6 اصوات)، ونيفادا (6 اصوات) واوهايو (18).
ويقول كوك: «المطلوب من رومني الفوز بالولايات الـ 23 المتوقع فوزه بها، ثم نورث كارولاينا وفلوريدا وفيرجينيا، حيث تبدو المنافسة متقاربة جدا وحامية، ثم عليه الفوز في ولايات يتقدم فيها اوباما مثل كولورادو، ونيوهامبشير وآيوا، واما نيفادا او اوهايو». ويختم: «الولايات التي كانت متأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن هي خارج متناول رومني، وفوزه في كولورادو اونيوهامبشير او آيوا او نيفادا او اوهايو يبدو صعب جدا».
لكن على رغم صعوبة موقف رومني، لم يظهر الجمهوريون تراجعا، بل استمرت ماكينتهم الدعائية في محاولة قلب الصورة، فقدمت امس استطلاعا صادرا عن مركز مغمور يظهر تعادل المرشحان في بنسلفانيا (18 صوت كلية)، المعتبرة محسومة لاوباما.
ولاحقا بثت وسائل اعلام الجمهوريين تقارير تتحدث عن «تعادل» في التصويت المبكر، ولفتت الى انه في مهرجانه الانتخابي الاخير في ولاية اوهايو، جذب رومني وبول رايان 30 الف مؤيد (قدرت شرطة الولاية الرقم الفعلي بـ 15 الفا). وقال الجمهوريون ان اوباما عقد لقاء انتخابيا مماثلا في الولاية نفسها لم يجذب الا الفي مؤيد.
على ان الصورة تبدو مختلفة تماما في المعسكر الديموقراطي، حيث اعلن القيمون على حملة اوباما بدء «الحملة البرية»، على غرار ما يحصل في الحروب العسكرية.
وزعم ميتش ستيوارت، احد كبار مسؤولي اوباما، ان ناشطيهم نجحوا في تسجيل قرابة مليون و800 الف ناخب جديد، وان 28 في المئة من هؤلاء اقترعوا في التصويت المبكر، وان ناشطي الحملة افتتحوا 5117 مكتبا مخصصا لمرافقة الناخبين الديموقراطيين الى صناديق الاقتراع غدا.
وقال ستيورات ان الناشطين خصصوا قرابة 700 الف «فترة مناوبة» منذ يوم امس، يعملون خلالها على التأكد من ان قاعدتهم تقترع. وختم ان هدف الحملة في الساعات المتبقية هو «توسيع قاعدة الناخبين بتسجيل ناخبين جدد، واقناع الناخبين المترددين بالاقتراع، والتأكد من اقتراع مؤيدينا».
في انتخابات الكونغرس، تشير الترجيحات الى ان الديموقراطيين قد يعززون عدد المقاعد التي يشغلونها بفوزهم بحوالي عشرة مقاعد جديدة، الا ان هذا الفوز لن يكون كافيا لانتزاعهم اغلبية 218 من الجمهوريين.
وكما النواب، كذلك في الشيوخ، حيث يتوقع المراقبون ان يزداد عدد مقاعد الجمهوريين من 47 الى 49، ولكن ذلك يبقى اكثرية 51 في يد الحزب الديموقراطي.
وفي حال صدقت كل التوقعات، يفوز اوباما بولاية ثانية ويحافظ حزبه على الغالبية في مجلس الشيوخ، فيما يحافظ الجمهوريون على غالبيتهم في مجلس النواب، ما يعني ان توزيع القوى الاميركية، ابتداء من صباح الاربعاء، سيكون مطابقا للتوزيع الحالي، ما يعني ان المشهد السياسي سيبقى، الى حد كبير، على حاله، مع فارق ان الرئيس عادة ما يكون اكثر جرأة في ولايته الثانية والاخيرة اذ لا يسعى الى أي مناصب بعد نهايتها.

السبت، 3 نوفمبر 2012

فوز أوباما سيعكس انعطافة في حياة أميركا السياسية

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

عندما انتقل الشاب باراك اوباما للعيش في مدينة شيكاغو في العام 1985، كانت المدينة انتخبت اول عمدة لها من اصل افريقي بعدما نجح هارولد واشنطن في بناء تحالف معقد من الاقليات العرقية والطبقية اطاح بطبقة سياسية كانت تتحكم بالمدينة بزعامة ريتشارد دالي الذي احتل المنصب بين 1955 و1976. 
السياسة في شيكاغو كانت معروفة بفسادها، ففيها برز نجم اشهر وجوه المافيا الايطالية آل كابوني، الذي بنيت حول قصته رواية «العراب»، والتي تحولت في ما بعد الى اشهر افلام هوليوود. وفساد شيكاغو السياسي اكسبها لقب «بيروت على البحيرة» نسبة لبحيرة ميشيغان التي تقع شيكاغو على شواطئها. 
لكن هارولد واشنطن حطم اسطورة دالي والمدينة الفاسدة، واجتاح الطبقة السياسية من اصل ايطالي التي سادت لعقود، وحكم شيكاغو وغير تركيبتها حتى يومنا هذا. صحيح ان ابن دالي، المدعو ريتشارد ايضا، فاز بمنصب عمدة فيما بعد، الا ان السياسة كانت اختلفت عن الماضي. اما اليوم، فيشغل المنصب عضو الكونغرس السابق واول رئيس لموظفي البيت الابيض في ادارة اوباما رحم ايمانيويل.
يقول كتبة سيرة الرئيس الاميركي ان فوز واشنطن ترك اثرا في نفس اوباما الشاب، الذي رأى فيه درسا لكيفية بناء تحالف متنوع يطيح بالطبقة الحاكمة. طبعا لم ينجح اوباما من المحاولة الاولى، فهو تكبد خسارة فادحة عندما خاض انتخابات الكونغرس للمرة الاولى في العام 2000، لكنه تابع مسيرته، ودخل مجلس الشيوخ في العام 2006، وبدأ على اثرها عملية بناء تحالف اميركي واسع يشمل اليوم فئة الشباب دون 30 عاما، والاقليات العرقية من اصول افريقية واميركية لاتينية وآسيوية، ومثليي الجنس، الذين فتح الباب لهم للانتساب علنا الى الجيش، والنساء اللاتي يدافع عن حقوقهن في شؤون منع الحمل والصحة الجنسية، كما الاتحادات العمالية الموالية تقليديا للحزب الديموقراطي والتي انقذها اوباما بانقاذ مصانع السيارات الاميركية من الافلاس باقراضها اموالا حكومية ضخمة في العام 2009.
تحالف اوباما الواسع، فضلا عن الكاريزما التي يتمتع بها الرجل، وقصة جذوره من اب كيني مسلم وام تزوجت في ما بعد في اندونيسيا واخذته ليسكن معها، ثم ارسلته الى جديه البيض في ولاية هاواي ليكمل تعليمه المتوسط، ساهمت في اضفاء بريق فريد من نوعه على شخصية السناتور الذي اثبت قوته السياسية بالحاقه الهزيمة باقوى زوج في الولايات المتحدة عندما اخرج هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس الاسطوري بيل كلينتون، من الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي، ليفوز بترشيح الحزب الى الرئاسة في العام 2008.
في ذلك العام، حقق اوباما فوزا سهلا وباهرا على منافسه الجمهوري جون ماكين، وتسلم اميركا منهكة بسبب حربين طويلتين في العراق وافغانستان وذات اقتصاد متهاو. 
انهى اوباما حرب العراق، وحدد العام 2014 موعدا للانسحاب من افغانستان، وعمل على اصدار قانون للرعاية الصحية سبق ان حاول رؤساء كبار تحقيقه وفشلوا. والتفت الى الاقتصاد، ففرض قوانين قاسية على مضاربة البنوك في اسواق الاسهم المالية، وعمل على تشجيع الصناعة فزادت الواردات الاميركية بنسبة 40 في المئة، وعاد الاقتصاد الى النمو، وان ببطء، واضاف وظائف على مدى الاشهر الاثنين وثلاثين الماضية من دون انقطاع.
وانعكست اهتمامات التحالف الذي يقوده اوباما على سياسة اميركا الدولية، اذ يندر ان يبدي من هم دون الثلاثين او الاقليات او العمال اهتماما في شؤون العالم، ما دفع اوباما الى ابعاد اميركا عن الشؤون الدولية الى اقصى حد منذ دخولها الحرب العالمية الثانية.
لكن الطبقة التي حكمت اميركا لقرون، خصوصا من اليمين الاميركي المحافظ، لم تستسغ وصول اميركي من اصل افريقي الى البيت الابيض، ولم تعجبها اجندة اوباما في السياسات الداخلية اوالخارجية اوالاقتصادية، فصممت انتفاضة انتخابية اطاحت بالاغلبية الديموقراطية التي كانت تسيطر على الكونغرس، واعطتها في العام 2010 للحزب الجمهوري، الذي راح يعرقل كل خطوة تقوم بها ادارة اوباما على امل الاطاحة به تماما في انتخابات بعد غد.
في العام 2012، اصبحت قصة اوباما قديمة، فخسر بعضا من بريقه، لكن تحالفه في وجه الطبقة التقليدية يبدو انه يصمد، وكذلك حظوظه في التفوق على مرشح الحزب الجمهوري، المليونير ميت رومني. 
ولحسن حظ الرئيس الاميركي، فان آخر تقريرين صدرا عن وزارة العمل، الاخير يوم الجمعة الماضي، اظهرا نموا في سوق العمل اكثر من المتوقع، كما سجل الاقتصاد الاميركي نموا اكبر من المتوقع كذلك بواقع نقطتين مئويتين للفصل الثالث من هذا العام، وهو نمو يأتي في وسط اقتصاد عالمي متهالك واقتصادات تتقلص في اوروبا ونمو ينحدر في الصين والهند والبرازيل.
يوم الثلاثاء هو يوم الحساب السياسي لاوباما فاما يصمد تحالفه ويهزم الحزب الجمهوري التقليدي واما ينهار. على ان الارقام تشير الى ارجحية لاوباما، تقودها في الغالب الاقلية الاميركية من اصول لاتينية، التي يتبنى اوباما مطالبها في خصوص شؤون السماح لافرادها بالهجرة والاقامة في البلاد. هذه الاقلية يمكنها ترجيح عدد من المعارك خصوصا في ولايات فلوريدا ونيوميكسيكو وكولورادو ونيفادا وفيرجينيا. 
وفي ولايات اخرى، مثل ميشيغان وويسكونسن، للاتحادات العمالية نفوذ ترجيحي. اما الصوت النسائي، فهو الابرز الذي يعول عليها اوباما للفوز بولاية ثانية.
هذه المكونات التي تشكل التحالف الديموقراطي تعادي الحزب الجمهوري بمعظمها وهو يبادلها العداء، ما يجعل هذا الحزب حزبا للذكور البيض من متوسطي وكبار السن. فالحزب الجمهوري الابيض يعادي الاقليات من غير البيض ويعارض هجرتهم واقامتهم في البلاد. والحزب الجمهوري يحارب سياسات تتعلق بمنع الحمل والاجهاض حتى الاضطراري منه، عملا بتعاليم الديانة المسيحية، التي تملي كذلك العداء مع مثليي الجنس. 
ولأنه حزب الاغنياء واصحاب الاعمال، فان الحزب الجمهوري يسعى الى حل الاتحادات العمالية والقضاء على البرامج الحكومية للرعاية الاجتماعية لسد عجز الموازنة لكنه يعمل على خفض الضرائب على الاغنياء.
في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري هذا العام، اتخذ رومني مواقف مغالية في يمينيتها بهدف اقصاء خصومه، لكنه في المناظرة الرئاسية الاولى، تخلى عنها جميعها فجأة وتبنى مواقف اقرب الى الوسط ادراكا منه ان مجموعة الافكار المحافظة التي كان يتبناها من غير الممكن ان تسعفه للفوز بالرئاسة. 
على ان للتقلب في السياسة ثمن، وهو ما حدا بـ صحيفة «واشنطن بوست»، الى كتابة افتتاحية، امس، بعنوان «اهانة رومني للناخبين» اتهمته فيها بالتقلب في المواقف وكأن الناخبين لا ذاكرة لهم. 
قد يدفع رومني بعد غد ثمن تقلبه ويخسر السباق الى الرئاسة، لكن من سيدفع الثمن على المدى الطويل هو «الحزب الجمهوري»، الذي يبدو انه يبتعد اكثر فأكثر عن غالبية الاميركيين، ويوغل في الاعتماد على قاعدته التي يتقلص عددها، وتشيخ عمرا وتزداد في يمينيتها، وهو ما يبدو ان الحزب صار يدركه ولكنه يقف عاجزا عن تغييره. 
هذا ما يعني ان فوز اوباما بولاية ثانية الثلاثاء لن يكون انتصارا لاوباما والديموقراطيين فحسب، بل سيكون مؤشرا على تغيرات دائمة وكبرى تحصل في المشهد السياسي الاميركي، وعلى الجمهوريين اما ادراكها والتغير معها، واما المجازفة بالمزيد من التهميش على الصعيد الوطني مستقبلا.

Since December 2008