حسين عبدالحسين
في واشنطن، هدوء كالذي يسبق العاصفة في الموضوع السوري. توقفت التسريبات التي دأب البيت الابيض ووزارتا الدفاع والخارجية على تمريرها الى الصحافيين منذ يوم الخميس الماضي، ولولا المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية جون كيري، للحديث حول التطورات السورية والذي اعتبرته صحيفة "الواشنطن بوست" "خطاب حرب"، لكان المشهد السياسي الاميركي روتينياً بالكامل. الرئيس باراك أوباما يشارك في حفل تكريم عسكريين قاتلوا في افغانستان، والكونغرس في عطلته الصيفية المستمرة حتى نهاية هذا الشهر.
انقسم المعلقون والباحثون الى صفين في كتاباتهم. الاول يعارض اي "تورط" في سوريا من اي نوع كان، فيما الثاني يعمل على توقع توقيت الضربة واسداء النصائح للادارة حول الاهداف المطلوب ضربها وهدف الحملة المتوقعة. اما الرئيس الاميركي، فلا يزال ملتزماً الصمت.
أوباما دخل البيت الابيض على ظهر وعوده بانهاء حربي العراق وافغانستان، واستخدام الاموال المخصصة لهاتين الحربين في "بناء الداخل"، على حد تعبيره. وباستثناء عملية قتل زعيم تنظيم القاعدة، اسامة بن لادن، والمشاركة الطفيفة في حرب ليبيا، نفذ الرئيس الاميركي وعوده بتقليص نشاط بلاده العسكري، بل بدا متردداً في كل مرة تلتفت اليه الانظار في قرارات عسكرية.
ابرز محطات التردد كانت في اعلان أوباما "خطة زيادة" القوات في افغانستان في العام 2011، اذ منح جنرالاته نصف عدد القوات التي طلبوها، وربط الزيادة باعلان تاريخ الانسحاب. وهو الاعلان الذي يعتقد كثيرون انه يمنح اعداء الحكومة الافغانية تاريخاً للعودة الى تشكيل صفوفهم للهجوم والاستيلاء على السلطة، بدلًا من قبولهم بالهزيمة التي من المفترض أن يلحقها بهم الاميركيون.
في المواضيع العسكرية، "يدوس أوباما على البنزين والفرامل في الوقت نفسه"، حسب التعبير الاميركي الرائج، فتأتي نتائج العمليات العسكرية نصف موفقة. ويبدو ان أوباما لا يأبه للانتقادات التي تطاله لتردده عسكرياً، وهو غالباً ما يقول لمقربين منه إن "اميركا ليست شرطي العالم"، ويعلن تمسكه بالمنظمات الدولية كبديل عن الدور الاميركي الاحادي.
في موضوع سوريا، وعلى عكس الاعتقاد السائد لدى البعض، لا توجد اي مصالح اميركية. اسرائيل، حليفة الولايات المتحدة المدللة، يمكنها تدبر امنها بنفسها. وهي قامت بعدد من الغارات الجوية ضد شحنات سلاح في سوريا كانت تعتقد أن وجهتها "حزب الله" في لبنان. كذلك، تم منح الاردن مئات الملايين من الدولارات من اجل التعامل مع وضع اللاجئين السوريين، ويجري التنسيق مع الاجهزة الامنية من أجل منع اي تمدد للصراع السوري الى اراضيه. في تركيا، نشر "تحالف الاطلسي" صواريخ باتريوت، في وقت تطير فيه طائرات اميركية من دون طيار من قاعدة انغرليك لمراقبة الحدود مع سوريا والعراق من اجل منع المقاتلين، الأكراد او غيرهم، من التسلل الى الاراضي التركية.
اذاً، القتل في سوريا لا يطال الا السوريين، ويصل بعضه الى لبنان. والبلدان كانا تحت تأثير النفوذ الايراني منذ ما قبل اندلاع الثورة السورية منتصف آذار/ أيار 2011، ما يعني ان امكان فوز الاسد على الثوار لا يغير الكثير في التوازن الاقليمي، ولا يعني اميركا في شيء.
ومنذ اندلاع الثورة وسوريا لا تعني أوباما استراتيجياً، باستثناء موضوع واحد: الترسانة الكيماوية. طالما بقيت هذه الترسانة في مخازن النظام، طالما اعتقد غالبية اصحاب القرار الاميركيين ان لبقاء الاسد جانباً ايجابياً. وهو ما عبر عنه أوباما بوضوح قبل عام، عندما قال إن الامر الوحيد الذي قد يغير من حساباته هو "تحريك" او "استخدام" السلاح الكيماوي.
ويبدو ان الأسد لم يفطن الى ان بقاءه يرتبط بأمن السلاح الكيماوي، لا باستخدامه، تماما كما ارتبط بقاء نظام آل الاسد، لعقود، بهدوء الحدود السورية مع اسرائيل، لا بتفجيرها.
كذلك، لا يتناسب استخدام الكيماوي وتفكير أوباما، فالرئيس الاميركي يشدد دائماً على تمسكه بالمنظمات الدولية والقانون الدولي، واكثر ما يخرق هذا القانون هي الاسلحة الكيماوية، التي استخدمت للمرة الاولى، منذ اكثر من عقدين، في الحرب العراقية الايرانية على النطاق الذي استخدمت به في هجوم غوطة دمشق يوم الاربعاء الماضي، وهو ما يعطي أوباما الاستثناء المطلوب للتخلي عن تفاديه الدائم للصراعات العسكرية.
كل هذه العوامل، دفعت الرئيس الاميركي الى حسم امره بالتدخل عسكرياً في سوريا. اما توقيت التدخل وشكله، فيعتمدان على عوامل متعددة، مثل انتظار تقرير فريق الامم المتحدة، الذي تم السماح له بمعاينة موقع الهجوم، والذي قد يؤجل وقت الضربة، لكنه لن يلغيها.
اما حجم الضربة ومداها، فيبدو انه لم يحسم بعد، والامر الوحيد المؤكد هو ان أوباما لن يستخدم قوات برية في سوريا، فيما المرجح ان الضربة ستكون صاروخية فقط. ويبدو ان الهم الاول لدى الرئيس الاميركي هو تحديد هدف الضربة قبل شنها، وخصوصاً بعدما صار معلوماً ان القضاء على نظام الأسد بالكامل لن يكون جزءاً من هذا الهدف.
أوباما يريد ان "يعاقب" الاسد لاستخدامه الكيماوي، ويريد في الوقت نفسه ان يضعضع مقدرة الاسد العسكرية على الحاق الاذى بمعارضيه على غرار ما يحدث الآن.
كذلك، يعتقد المقربون من الرئيس الاميركي ان خلف الضربة العسكرية ضد قوات الاسد رسالة الى ايران مفادها، ان اميركا لا تزال تنوي استخدام القوة يوماً ما لكبح طموح طهران النووي. روسيا أيضاً، من وجهة نظرهؤلاء، ليست بمنأى عن الرسالة، وتحديداً أن مشاغبتها الدولية هي عبارة عن مجرد ثرثرة. اما السيناريو العسكري الكفيل بتحقيق هذا الهدف الاميركي، فماهيته لا يعرفها حتى الآن الا أوباما ونفر قليل من مساعديه وجنرالاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق