| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
عندما عقدت الادارة الاميركية سلسلة لقاءات على مستوى رفيع في الاسبوع الثاني من يونيو، وتوجتها باجتماع ترأسه الرئيس باراك أوباما لما يعرف برؤساء الوكالات، في «غرفة الاوضاع» في الجناح الغربي للبيت الابيض، كانت النتيجة الاتفاق على ضرورة «قلب الموازين» على الارض السورية لمصلحة الثوار، فيما ساد الانقسام تجاه التدخل العسكري المباشر عن طريق فرض حظر جوي او توجيه ضربة محدودة.
في نهاية ذلك الاجتماع، طلب أوباما من وزيري خارجيته جون كيري، المؤيد للتدخل العسكري، ودفاعه تشاك هيغيل، المعارض للتدخل، ان يعقدا لقاء ثنائيا حتى يقنع واحدهما الآخر. والى ان يتم التوصل الى اجماع، داخل الفريق الرئاسي حول كيفية التعاطي مع الموضوع السوري، ختم أوباما الجلسة بالقول ان «قلب الموازين» من دون تدخل اميركي صار امرا متفقاً عليه، وانه اذا لم ينجح سيناريو تحسين وضع الثوار، حينذاك ممكن التفكير بضربة جوية محدودة، وبعيدة عن انظار معارضيها خصوصا من اعضاء الكونغرس من الحزبين.
رجح الخبراء حينذاك ان يشهد شهر اغسطس الجاري ضربة اميركية تطيح بقوة الاسد الجوية وتخرجها ومطاراتها من المعادلة، ما من شأنه ان يعطي الثوار تفوقا اما يجبر بشار الاسد على الذهاب الى «مؤتمر جنيف الثاني» المزمع عقده في تاريخ لم يحدد بعد، او يضعه تحت رحمة التقدم المستمر، وان البطيء، لمعارضيه المسلحين.
ولم يكد شهر يونيو ينقضي حتى بدا ان ما يسمى «زخم انتصار القصير» الذي تمتع به الاسد هو اقرب الى فقاعة، في وقت اخذت قوات الاسد ومقاتلو «حزب الله» يغرقون في مستنقعات بلدات صغيرة في حمص، فيما نجح الثوار في هجومهم المضاد في حلب اذا استولوا على خان العسل مع اواخر يوليو، وبعدها مطار منغ مع مطلع اغسطس، وذلك بعد معارك دموية ومعقدة وطويلة.
تقدم الثوار لم يحصل بسبب عملية تسليح اميركية، بل جزئيا لأن «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي) اسقطت الفيتو الذي كان مفروضا على ارسال حلفائها للسلاح النوعي، اي الصواريخ المضادة للدروع والطائرات، الى الثوار السوريين. والاستخبارات الاميركية لم تسقط معارضتها صدفة، بل هي فعلت ذلك بعد مرور اكثر من عامين عمدت خلالها الوكالة على مراقبة شبكة توزيع المساعدات الانسانية، ما اتاح لها نسج علاقات وتحديد «الجيدين من السيئين»، على حسب التعبير الاميركي.
وفور تحديد الأميركيين معظم ولاءات الثوار وانتماءاتهم، صار ممكنا الموافقة على تزويد الحلفاء لهم بالسلاح. اما اميركا نفسها، وعلى الرغم من تسهيلها عمليات التسليح واشرافها عليها، فهي «لم ترسل ولا طلقة واحدة الى الثوار السوريين»، حسب مصدر اميركي رفيع، فموضوع التسليح «شائك جدا، وهو الاكثر ترجيحا ان يسلك طريقا خاطئا، وان يورط الرئيس ويكلفه سياسيا في الداخل والخارج».
اليوم، يقول المسؤولون الاميركيون ان «الموازين تنقلب» لمصلحة الثوار، «لكن ذلك لا يعني ان موعد الحسم قارب بالضرورة».
في هذه الاثناء، مازلت الخطط الاميركية لتوجيه ضربة تؤدي الى شلل قوة الاسد الجوية ومطاراتها جاهزة وبانتظار ايماءة رئاسية، وهذه يبدو انها لن تأتي الا «في حالة الضرورة القصوى، اي ان ينجح الاسد في قلب الامور لمصلحته مجددا وضعضة الثوار الى حد القضاء عليهم».
اذا، مع تقدم الثوار في سورية، وفتحهم «معركة الساحل» التي صارت تضعهم على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة اللاذقية، معقل مؤيدي الاسد، تراجعت امكانية التدخل الاميركي جوا الى نسب ضئيلة جدا.
وفي هذ السياق، قدم ضابط البحرية السابق والخبير في «معهد دراسة الحرب» كريستوفر هارمر دراسة اظهرت ان «سلاح الجو السوري ضعيف جدا امام ضربة محدودة من قوات البحرية والجو الاميركية تستخدم فيها اسلحة موجهة عن بعد». وقال هارمر ان الضربة تتم «من اماكن خارج نطاق الدفاعات الجوية السورية»، وانها بذلك «لا تعرض حياة اي اميركيين للخطر، وممكن انجازها بتكلفة منخفضة، ومن شأنها ان تحقق هدفين: الاول هو تفسخ البنية التحتية والانظمة المساندة لسلاح الجو السوري، والثاني اضعاف القوة التي تعتمد على مقاتلات ثابتة الجناح».
واضاف هارمر ان من شأن الضربة المحدودة ان تحقق اهدافا ثلاثة هي تعطيل مقدرة قوات الاسد «على تسلم مؤن عن طريق الجو من روسيا وايران، و(مقدرتها) تزويد الجيش العربي السوري بالمؤن والذخائر جوا، وشنها الغارات ضد الثوار».
وورد في الدراسة ان في سورية 27 مطارا، خمسة منها بيد الثوار، واربعة في مناطق متنازع عليها، و18 في المناطق التي يسيطر عليها الأسد. لكن الدراسة اشارت الى انه بسبب ضعف الموارد البشرية والمادية، يستخدم الاسد ستة مطارات فقط، هي الضمير والمزة والضبعة ومطاري باسل الاسد ودمشق الدوليين، وطيفور.
المطلوب حسب هارمر، توجيه ضربة صاروخية اولية تعطل قدرة الملاحة بالكامل لهذه المطارات، يتبعها غارات تعطل الامكانات الباقية. بعد ذلك، قد يتطلب الامر غارة بمعدل واحدة كل اسبوع او عشرة ايام للتأكد من ان قوات الاسد لا تعمل على ترميم هذه المطارات لاعادة استخدامها، او حسبما تظهر الصور الجوية لهذه المطارات.
ويعتقد هارمر ان الضربة الاولية تتطلب استهداف كل واحد من المطارات الستة بـ 12 صاروخا، يبلغ ثمن كل واحد منها قرابة 600 الف دولار. بعد ذلك، تشن 12 مقاتلة «اف 15 اي» و12 مقاتلة «اف 18 اي» غارة واحدة بمثابة الضربة الثانية.
ويحصي هارمر 109 اهداف في مطارات الاسد الستة، ويعتبر ان عدد مقاتلات الاسد لا يتجاوز المئة، وان معظم التي يستخدمها في غاراته ضد الثوار والمدنيين معدة للتدريب اصلا بسبب سهولة استخدامها وصيانتها.
ويتابع ان حاملة طائرات «يو اس اس نيميتز» موجودة حاليا «شمال بحر العرب، ويمكنها الانتقال الى المتوسط في اقل من اسبوع»، وان على متنها 48 مقاتلة «اف 18»، ويمكنها «شن غاراتها على مطارات الاسد من عرض البحر الابيض المتوسط من دون الحاجة الى اذن مرور في مجال الجوي لاي دولة او الطلب لاي دولة فتح قواعدها لاستضافة القوات المهاجمة». اما مقاتلات «اف 15»، فهي موجودة «في تركيا والكويت والسعودية والبحرين وقطر واليونان وايطاليا»، وان انطلاقها من هذه القواعد وتحليقها في اجواء هذه الدول متفق عليه مسبقا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق