| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
التأخر في توجيه الولايات المتحدة ضربتها المتوقعة ضد اهداف لقوات بشار الاسد، وسقوط القانون غير الملزم لذهاب بريطانيا الى الحرب في مجلس العموم، وتضارب تصريحات المسؤولين الاميركيين، وعدم شعبية العمل عسكري بين غالبية الاميركيين، قد تشير كلها الى أن الضربة المزعومة لا تعدو كونها فقاعة اعلامية. الا انه بعيدا عن الضجيج الاعلامي، مازالت المؤشرات الجدية تشير الى ان الضربة قائمة.
مصادر في الادراة اكدت، في لقاء مغلق مع الاعلاميين اول من امس، ان «أوباما ينوي توجيه الضربة من دون بريطانيا ومن دون قرار من مجلس الأمن»، وان «واشنطن تنتظر خروج فريق محققي الامم المتحدة من دمشق (اليوم) قبل ان توجه اي ضربة الى قوات الاسد».
وفي حسابات الرئيس باراك أوباما ان الكونغرس لن يعود من عطلته الصيفية قبل التاسع من الشهر المقبل، ما يعطي الرئيس الاميركي متسعا من الوقت للتحرك عسكريا في غياب السلطة التشريعية، وبعيدا عن جلسات الاستتماع والتصريحات الصاخبة للنواب واعضاء مجلس الشيوخ، والتي يمكن ان ترافق اي عمل عسكري اميركي.
ويكرر البيت الابيض، سرا وعلنا، ان أوباما لن يذهب الى الكونغرس لطلب الموافقة، ويستند في ذلك الى سابقة حرب كوسوفو في العام 1998، التي لم يستصدر الرئيس السابق بيل كلينتون موافقة من اجلها. ويمنح الدستور الاميركي، حسب تعديل العام 1973، الرئيس الاميركي مهلة ستين يوما للابلاغ عن اي عمل عسكري يبادر اليه غير المواجهات الدفاعية. حرب كوسوفو دامت 78 يوما، الا ان كلينتون علل عدم طلبه موافقة السلطة التشريعية بالقول ان مصادقة الكونغرس على الاموال المطلوبة للحرب كانت بمثابة مصادقة.
هذه المرة، لا ينوي أوباما طلب اي تمويل من الكونغرس، ففي موازنة وزارة الدفاع (البنتاغون) 3 مليارات دولار يتم رصدها سنويا «لحالات طارئة»، وهو نفس البند الذي استند اليه أوباما عندما شاركت قواته في الاسبوع الاول من حرب ليبيا، والتي كلّفت الخزينة الاميركية مليار و100 مليون دولار.
والحشد الاميركي في البحر الابيض المتوسط يشي بأن أوباما بدأ فعلا في اجراءات مكلفة، منها انه أمر حاملة الطائرات «نيميتز»، الموجودة في بحر العرب، البقاء في موقعها رغم ان المفروض كان استبدالها بالحاملة «هاري ترومان». وتنص سياسة الدفاع الاميركية الحالية على وجود حاملة طائرات واحدة في الخليج العربي، اما ابقاء الثانية، بتكاليف اضافية، فسببه تحسب الجيش الاميركي لأي طارئ قد ينجم عن المواجهة المقبلة في سورية.
كذلك، دفعت البحرية بتعزيزات اضافية الى قرب الشاطئ السوري على شكل مدمرة، هي الخامسة من نوعها، ما يرفع عدد صواريخ «توماهوك» المتوفرة لاستخدامها في الضربة من 300 الى قرابة 400. ويعتقد الخبراء ان لدى وزارة الدفاع لائحة من 400 هدف في سورية، ولكن بعض هذه الاهداف لا يؤثر فيها «توماهوك» وتحتاج الى صواريخ المقاتلات.
وفي اطار التعزيزات ايضا، وضعت القوات الاميركية عددا من اسراب الطائرات المقاتلة من طراز «اف 15 اي» و«اف 18 اي» في حالة تأهب في قواعدها في تركيا واليونان، كذلك عدد من القاذفات الاستراتيجية.
كل هذه الاستعدادات الاميركية المكلفة لا تشي بأن أوباما ينوي استعراض قواته فحسب، بل ترجح نيته توجيه الضربة في وقت قريب جدا.
اما توقيت الضربة، وهو الذي سيبقى سرا للحفاظ على عنصر المفاجأة، فصار معلوما ان واشنطن تنتظر فريق محققي الامم المتحدة ليقدم تقريره، ليبني الاميركيون عليه المزيد من الاثباتات. ويقول مسؤول في الادارة انه «منذ اللحظة التي تلي تقديمنا الاثباتات التي تظهر تورط نظام الاسد في هجوم الغوطة الكيماوي في 21 اغسطس، يمكن ان تقوم قواتنا بشن الهجوم «.
وفي ظل التصميم الاميركي على توجيه الضربة للأسد، لماذا كل التلكؤ والتلعثم؟
يقول العارفون بشخصية الرئيس الاميركي ان أوباما يفضل شن الحروب من دون ضجيج، وهذا كان اسلوبه في ليبيا، وهو لا يعتقد ان عليه ان يتوجه الى الشعب الاميركي لحشد تأييد الرأي العام من اجل عمليات «غير مفتوحة الامد»، كتلك المتوقعة في سورية.
ومن يعرف الرئيس الاميركي يعرف انه يحشد شعبيا فقط عندما يعتقد ان الرأي العام بامكانه ممارسة الضغط على الكونغرس، اذا ما قام الاخير بعرقلة مشاريعه، وخصوصا الاقتصادية الداخلية.
اما السياسة الخارجية، فغالبا ما يتفادى أوباما الحديث عنها، وهو رفع شعار انهاء حروب اميركا حول العالم، وأصر على ان قواته نجحت في إلحاق الهزيمة بتنظيم «القاعدة»، ما يعني ان تورط اميركا في الخارج هو في تراجع.
التراجع الاميركي من اجل التفرغ لشؤون الداخل هو شعار أوباما، وهو لا يتوافق مع حروب مثل ليبيا او سورية، لذا يعمد الرئيس الاميركي الى ابقاء الموضوع خارج الكونغرس، ولا يحاول كسب تأييد الرأي العام، ولهذا السبب، تتصدر سورية معظم الكتابات والتقارير الاعلامية، الا ان غالبية هذه التقارير، بما فيها التي تبثها قناة «الجزيرة اميركا» القطرية، تلقي ضوءا سلبيا على الضربة المتوقعة ضد سورية وتحرض الرأي العام ضدها.
أوباما لم يستمع للضجيج الذي اثاره الجمهوريون والمشككون اثناء حرب ليبيا، ولم يستمع لكل المناشدة للتدخل في سورية على مدى العامين الماضيين، ولا يبدو انه يكترث لما يحكى الآن ضد الضربة المتوقعة في سورية، وهو ممن «يبقون اوراقهم قريبة الى صدورهم»، حسب التعبير الاميركي الرائج، وهو - على عكس ادعاءاته - يفضل البقاء بعيدا عن اعين العالم في قراراته، ويبقيها طي الكتمان، ان كانت طائرات من دون طيار، او صواريخ «توماهوك»، ما يجعل ضربة سورية المتوقعة واحدة من قرارات أوباما الغامضة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق