حسين عبدالحسين
لم يتوان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، عن مواصلة إطلاق التصريحات النارية حول الأزمة السورية منذ اندلاعها في ربيع ٢٠١١ وحتى الصيف الماضي.
في واشنطن، لم يكن يمر أسبوع أو اثنين من دون حضور إعلامي للزعيم التركي: مرة يوزع البيت الأبيض صورة تثير جدلاً وتظهر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وهو في مكتبه البيضاوي يتحادث مع أردوغان هاتفياً ويمسك بمضرب بايسبول، ومرة أخرى يوزع الإعلام الرئاسي صوراً تظهر الزعيمين ووزيري خارجيتهما في عشاء خاص تخلله ما بدا أنه حوار ساخن بينهم.
لكن فجأة، غاب أردوغان عن الصورة. غابت تصريحاته ضد الرئيس السوري، بشار الأسد، وغابت التغطية الإعلامية شبه المستمرة لتواصله المستمر مع أوباما.
حضر وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، إلى واشنطن الشهر الماضي وعقد اجتماعات رفيعة المستوى. وفي اللقاءات الخاصة والمغلقة التي تخللت زيارته، أدلى المسؤول التركي بتصريحات بدت كأنها انقلاب تام على مواقف أنقرة السابقة.
ومما قاله داوود أوغلو، إنه التقى المسؤولين الإيرانيين، وأن هؤلاء أكدوا له قبول إيران تماماً ببحث مصير الأسد، في مقابل ضمان مصالح طهران و"حزب الله" في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد.
بناء عليه، انقلب الموقف التركي من مؤيد لحسم عسكري ومطالب بتدخل عسكري خارجي إلى موقف يفضل الحل السياسي عن طريق مؤتمر جينيف المزمع عقده الشهر المقبل.
كذلك أبدى داوود أوغلو تأييد بلاده التوصل إلى تسوية دائمة بين المجتمع الدولي وإيران حول ملف الأخيرة النووي، وقال إن بديل الحل هو الحرب، وأن الحرب تؤذي الجميع بما فيها بلاده، في وقت اعتبر فيه مطلعون أن لتركيا نصيباً من الإفراج عن جزء من الأموال الإيرانية، وأن السماح بتجارة الذهب للإيرانيين تتم عبر الأتراك وذلك يعود عليهم بعائدات مالية محترمة.
التغير في الموقف التركي قد يبدو ظاهره تغير الظروف الدولية، ولكن الأرجح أن باطنه تغيرات داخل تركيا، على حد قول مراسل جريدة "حرييت" التركية في واشنطن، تولغا تانيش، في حديث لـ"المدن".
تانيش وهو من معارضي أردوغان وحكومته وسياساتهما، يعتقد أن الموقف الفعلي لأردوغان لا يزال مؤيداً للمعارضة السورية المسلحة، بل أن الحكومة التركية مازالت تعمل بصمت على دعمها.
وكان تانيش كشف في تقرير أن تركيا تزود المعارضين السوريين بما لايقل عن ٢٥ طناً من الأسلحة شهرياً حتى اليوم، وهو حاول الحصول على تعليق وزارة الخارجية التركية في هذا الشأن، إلا أنها رفضت الإدلاء بأي تصريحات.
ويقول تانيش إن صمت أردوغان لا يعني بالضرورة تغيراً جذرياً في مواقفه وسياساته، بل إن سبب صمته هو الأزمات الداخلية التي يواجهها والتي تفرض عليه العمل بتأنٍ، فالانقسام التركي حول الموقف من الأزمة السورية عميق، وأردوغان مقبل على انتخابات بلدية في آذار المقبل، وهو لا يريد إثارة حساسيات حول السياسة الخارجية يمكن أن تكلفه بلدية هنا أو محافظاً هناك.
كذلك، تظهر التقارير الإعلامية أن الزعيم التركي في مواجهة قاسية مع "حركة خدمات" التابعة للداعية الإسلامي فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية.
وعلى الرغم من محدودية التأييد الشعبي لغولن داخل تركيا، إلا أنه قد يتمتع بقدرات ترجيحية في أي انتخابات مقبلة من شأنها أن تؤدي إلى فوز المعارضة العلمانية، وهو ما دفع أردوغان إلى إرسال وفود للقاء غولن وتحذيره من أن الانقسامات تنعكس سلباً على الطرفين وقد تؤدي إلى عودة العلمانيين إلى الحكم.
لكن اللقاء بين الطرفين "لم يخرج بنتيجة إيجابية"، حسب الأوساط التركية في العاصمة الأميركية.
أردوغان منشغل بقضاياه الداخلية. طبعاً ذلك لا يعني انقلاباً جذرياً في مواقفه، ولكنه يعني تراجع دوره وحضوره إقليمياً وعالمياً. وحتى يقرر رئيس حكومة تركيا العودة إلى سابق عهده، سيفوض أمره إلى حليفته واشنطن، فهو لا يريد أن تصمم واشنطن وطهران شرق أوسط جديداً من دون تركيا بسبب غيابه، لذا يظهر موافقاً على تسوية مع إيران وحول سوريا، وإن بخفر، إلى أن يعود وتعود تصريحاته وصوره لتملأ الأثير وصفحات الصحف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق