المدن
في احتفال سنوي ضخم لإحدى ابرز المؤسسات العاملة على التوصل الى حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي في واشنطن، كرر مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، فيليب غوردون، موقف الحكومة الأميركية القائل بلا شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، على وقع تصفيق حاد للفلسطينيين وأصدقائهم، فيما ساد الوجوم بين الإسرائيليين الحاضرين ومؤيديهم.
تلك اللحظة مثّلت العملية السلمية بأدق تفاصيلها: عشاء فاخر يحضره الفلسطينيون والإسرائيليون ومؤيدو الطرفين، يتخلله خطابات تصر على أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة وتثني على مبدأ حسن الجوار الذي يعززه تاريخ طويل من التعايش حتى بداية القرن الماضي. ثم في لحظة، يطلق الوسيط الأميركي تصوراً حول حل النزاع فيؤدي إلى انقسام حاد بين الطرفين وإلى "عودة إلى المربع الأول"، حسب التعبير الأميركي، ما يجبر وزير الخارجية جون كيري على الاعلان عن نيته العودة إلى الشرق الأوسط من جديد هذا الأسبوع.
على أن هذا الانقسام الحاد لا يثني ادارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، غير الواقعية عموماً في فهمها للسياسات الدولية والعالمية، ولا مسؤوليها من أمثال غوردون وكيري، المعروف عنه الإفراط في ثقته بنفسه وبمقدراته الدبلوماسية، عن الإصرار على ان الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيلين هو في متناول اليد مع حلول الصيف كحد أقصى. وهو الموعد نفسه الذي تتصور الادارة الأميركية انه سيشهد إتمام الرئيس السوري، بشار الأسد تدمير ترسانته الكيماوية، كذلك الانتقال من الاتفاق المؤقت بين مجموعة دول خمسة زائد واحد وإيران إلى اتفاق دائم حول برنامج الأخيرة النووي.
إذاً هو صيف شرق أوسطي واعد ستتحقق مع حلوله حلولٌ لمشاكل، بعضها، مثل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مستمر منذ ٦٥ عاماً، أو هكذا على الأقل تعتقد إدارة أوباما.
لكن الكلام أسهل من الواقع، فعلى الرغم من نجاح كيري في اعادة الطرفين الى مفاوضات كانت متوقفة منذ سنوات بعدما توصل الى اتفاق بناء ثقة بينهما يقضي بإفراج اسرائيل عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين في مقابل تجاوز السلطة الفلسطينية لمطلبها القائل بضرورة اعلان الإسرائيليين تجميدهم لبناء مستوطنات، لا يبدو أن في جعبة الوزير الأميركي المزيد من المغريات لدفع العملية السلمية قدماً.
"الأفكار لا تزال هي نفسها وكذلك وجوه المفاوضين وتكتيكاتهم وتصريحاتهم، كلها لا تزال هي نفسها منذ ما يقارب العقدين"، يقول مسؤول عربي رفيع في العاصمة الأميركية يتابع تطورات العملية السلمية منذ فترة طويلة، ويضيف: "كيف نتوقع نتائج مختلفة مستقبلاً في ظل ظروف مشابهة للماضي وعلى أيدي المسؤولين أنفسهم؟".
حتى الوسطاء لا يزالون أنفسهم ويتصدرهم اليوم ما يعرف بفريق بروكنغز، نسبة لمركز الأبحاث الأميركي، فالمبعوث الأميركي الحالي مارتن أنديك، سبق أن عمل سفيراً لبلاده في اسرائيل وشارك في جولة مفاوضات "واي ريفر" اثناء إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، والحكومة الاولى لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أن يتقاعد أنديك وينتقل لإدارة مركز "صابان" في "معهد بروكنغز"، وهو المعهد نفسه الذي كان يعمل خبيراً فيه غوردون المسؤول الأرفع في البيت الأبيض عن ملف المفاوضات.
الفرق هذه المرة يكمن في أن واشنطن بإدارة أوباما تعتقد أن بإمكانها تبسيط الأمور لحلها: في إيران الحل يرتبط بالنووي حصراً، وفي سوريا بالكيماوي، وفي اسرائيل بهاجسها الأمني. لذا تعتقد واشنطن اليوم ان "ضمان أمن اسرائيل" بإسكات جميع هواجسها من شأنه ان يسحب كل ذرائعها ويجبرها على الانتقال الى مرحلة التفاوض حول رسم الحدود بين الدولتين، وهو ما يؤدي حكماً الى اعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام مع جارتها، ما يؤدي تالياً إلى إنهاء الصراع.
إلا ان اسرائيل، التي يبدو انها تتمتع بخبرة أكبر بكثير من الأميركيين حول ما يمكن للفلسطينيين قبوله وعدم قبوله، قدمت شرطاً معقداً يقضي بإبقاء تواجد عسكري لها في وادي الأردن داخل الدولة الفلسطينية المستقلة المزمع قيامها، وهو طلب أثار حفيظة الوفد الفلسطيني وأجبره على الانسحاب والتهديد بتعليق المفاوضات برمتها.
لم يفهم كيري سبب الغضب الفلسطيني، فالقواعد العسكرية أمر مألوف بين الدول، ولا سيما حسب التجربة الأميركية، فحاول الضغط على الفلسطينيين للقبول مصوراً لهم ثمن قبول المطلب الاسرائيلي بالزهيد في مقابل حصولهم على دولة مستقلة تحصل على مساعدات مالية ضخمة مع حلول الخريف المقبل.
إلا أن الفلسطينيين استمروا في رفضهم، ما حمل كيري على إعلانه نيته الحضور شخصياً لإقناعهم واستئناف المفاوضات والتوصل إلى حل نهائي من شأنه، في حال حدوثه أن يدخل كيري وأوباما التاريخ. فهل تنجح إدارة أوباما حيث فشلت كل الإدارات المتعاقبة التي سبقتها؟
في احتفال سنوي ضخم لإحدى ابرز المؤسسات العاملة على التوصل الى حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي في واشنطن، كرر مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، فيليب غوردون، موقف الحكومة الأميركية القائل بلا شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، على وقع تصفيق حاد للفلسطينيين وأصدقائهم، فيما ساد الوجوم بين الإسرائيليين الحاضرين ومؤيديهم.
تلك اللحظة مثّلت العملية السلمية بأدق تفاصيلها: عشاء فاخر يحضره الفلسطينيون والإسرائيليون ومؤيدو الطرفين، يتخلله خطابات تصر على أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة وتثني على مبدأ حسن الجوار الذي يعززه تاريخ طويل من التعايش حتى بداية القرن الماضي. ثم في لحظة، يطلق الوسيط الأميركي تصوراً حول حل النزاع فيؤدي إلى انقسام حاد بين الطرفين وإلى "عودة إلى المربع الأول"، حسب التعبير الأميركي، ما يجبر وزير الخارجية جون كيري على الاعلان عن نيته العودة إلى الشرق الأوسط من جديد هذا الأسبوع.
على أن هذا الانقسام الحاد لا يثني ادارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، غير الواقعية عموماً في فهمها للسياسات الدولية والعالمية، ولا مسؤوليها من أمثال غوردون وكيري، المعروف عنه الإفراط في ثقته بنفسه وبمقدراته الدبلوماسية، عن الإصرار على ان الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيلين هو في متناول اليد مع حلول الصيف كحد أقصى. وهو الموعد نفسه الذي تتصور الادارة الأميركية انه سيشهد إتمام الرئيس السوري، بشار الأسد تدمير ترسانته الكيماوية، كذلك الانتقال من الاتفاق المؤقت بين مجموعة دول خمسة زائد واحد وإيران إلى اتفاق دائم حول برنامج الأخيرة النووي.
إذاً هو صيف شرق أوسطي واعد ستتحقق مع حلوله حلولٌ لمشاكل، بعضها، مثل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مستمر منذ ٦٥ عاماً، أو هكذا على الأقل تعتقد إدارة أوباما.
لكن الكلام أسهل من الواقع، فعلى الرغم من نجاح كيري في اعادة الطرفين الى مفاوضات كانت متوقفة منذ سنوات بعدما توصل الى اتفاق بناء ثقة بينهما يقضي بإفراج اسرائيل عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين في مقابل تجاوز السلطة الفلسطينية لمطلبها القائل بضرورة اعلان الإسرائيليين تجميدهم لبناء مستوطنات، لا يبدو أن في جعبة الوزير الأميركي المزيد من المغريات لدفع العملية السلمية قدماً.
"الأفكار لا تزال هي نفسها وكذلك وجوه المفاوضين وتكتيكاتهم وتصريحاتهم، كلها لا تزال هي نفسها منذ ما يقارب العقدين"، يقول مسؤول عربي رفيع في العاصمة الأميركية يتابع تطورات العملية السلمية منذ فترة طويلة، ويضيف: "كيف نتوقع نتائج مختلفة مستقبلاً في ظل ظروف مشابهة للماضي وعلى أيدي المسؤولين أنفسهم؟".
حتى الوسطاء لا يزالون أنفسهم ويتصدرهم اليوم ما يعرف بفريق بروكنغز، نسبة لمركز الأبحاث الأميركي، فالمبعوث الأميركي الحالي مارتن أنديك، سبق أن عمل سفيراً لبلاده في اسرائيل وشارك في جولة مفاوضات "واي ريفر" اثناء إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون، والحكومة الاولى لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أن يتقاعد أنديك وينتقل لإدارة مركز "صابان" في "معهد بروكنغز"، وهو المعهد نفسه الذي كان يعمل خبيراً فيه غوردون المسؤول الأرفع في البيت الأبيض عن ملف المفاوضات.
الفرق هذه المرة يكمن في أن واشنطن بإدارة أوباما تعتقد أن بإمكانها تبسيط الأمور لحلها: في إيران الحل يرتبط بالنووي حصراً، وفي سوريا بالكيماوي، وفي اسرائيل بهاجسها الأمني. لذا تعتقد واشنطن اليوم ان "ضمان أمن اسرائيل" بإسكات جميع هواجسها من شأنه ان يسحب كل ذرائعها ويجبرها على الانتقال الى مرحلة التفاوض حول رسم الحدود بين الدولتين، وهو ما يؤدي حكماً الى اعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام مع جارتها، ما يؤدي تالياً إلى إنهاء الصراع.
إلا ان اسرائيل، التي يبدو انها تتمتع بخبرة أكبر بكثير من الأميركيين حول ما يمكن للفلسطينيين قبوله وعدم قبوله، قدمت شرطاً معقداً يقضي بإبقاء تواجد عسكري لها في وادي الأردن داخل الدولة الفلسطينية المستقلة المزمع قيامها، وهو طلب أثار حفيظة الوفد الفلسطيني وأجبره على الانسحاب والتهديد بتعليق المفاوضات برمتها.
لم يفهم كيري سبب الغضب الفلسطيني، فالقواعد العسكرية أمر مألوف بين الدول، ولا سيما حسب التجربة الأميركية، فحاول الضغط على الفلسطينيين للقبول مصوراً لهم ثمن قبول المطلب الاسرائيلي بالزهيد في مقابل حصولهم على دولة مستقلة تحصل على مساعدات مالية ضخمة مع حلول الخريف المقبل.
إلا أن الفلسطينيين استمروا في رفضهم، ما حمل كيري على إعلانه نيته الحضور شخصياً لإقناعهم واستئناف المفاوضات والتوصل إلى حل نهائي من شأنه، في حال حدوثه أن يدخل كيري وأوباما التاريخ. فهل تنجح إدارة أوباما حيث فشلت كل الإدارات المتعاقبة التي سبقتها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق