الاثنين، 23 ديسمبر 2013

أميركا: توافر التأمين الصحي للجميع قد يزيد تنافسية اليد العاملة

واشنطن - حسين عبدالحسين

في الولايات المتحدة غالباً ما تعاني قطاعات كثيرة ظاهرة الفقاعة، وكان أشهرها فقاعة المنازل السكنية عام 2008، وقبلها فقاعة «دوت كوم» في نهاية القرن الماضي، وبين الاثنتين عانت الجامعات الأميركية العريقة من مغالاة في الاستثمار وتضخم موازناتها وانعكاس ذلك على كلفة العلم فيها، ما أدى إلى هبوط حاد في موازناتها.
ولم يسلَم قطاع أميركا الصحي من هذه الظاهرة، فنما بنسب سنوية زادت على نمو الناتج المحلي وبات ينذر بأزمة. وتُعدّ موازنة أميركا الصحية الأكبر في العالم، إذ في وقت يعتقد بعضهم أن موازنة وزارة الدفاع التي تناهز نصف تريليون دولار سنوياً هي الأكبر أميركياً، إلا أنها تحتل المرتبة الثانية بعد موازنة وزارة الصحة البالغة قيمتها 850 بليون دولار.

وكان المرشح السناتور باراك أوباما يدرك وجود خلل ما في القطاع الصحي الأميركي كما القطاع المصرفي، وأن الاثنين يحتاجان إلى تشريعات تنظم عملهما وتمنع المضاربة فيهما، للتخفيف من حصول فقاعات اقتصادية في أي منهما. وعلى رغم أن فاتورة أميركا الصحية هي الأكبر في العالم، إلا أن ذلك لا يعني أنها توفر أفضل رعاية للأميركيين، كما أن ما يزيد على 20 مليون أميركي من أصل عدد السكان البالغ 330 مليوناً، كانوا يعيشون من دون تغطية صحية. وتشير الأرقام الأميركية أيضاً، إلى أن من أصل 3.5 مليون حالة إفلاس على مدى العقد الماضي، 2.2 مليون منها كانت نتيجة مشكلة صحية أصابت هذه العائلة أو تلك واضطرتها إلى بيع الغالي والنفيس لتوفير تكاليف العلاج الباهظ لتعلن الإفلاس بعد ذلك.

ولأن المال السائب يعلم الناس الحرام، باتت المستشفيات وبعض الأطباء يطلبون تكاليف كبيرة للاستشفاء، كثير منها غير مبرر. إذ ما معني أن يكون راتب مدير مستشفى نحو مليون دولار سنوياً مقارنة بمديري أكبر المصارف الذين يتقاضون راتباً يعادل نصف مليون؟

وعلى مدى العقدين الأخيرين، كانت التغطية الصحية الأميركية تأتي من مصدرين، هما شركات التأمين الخاصة وصناديق التعاضد الحكومية التي تغطي تكاليف استشفاء المتقاعدين والفقراء فقط. لكن هذا الترتيب لم يغط جميع الأميركيين بل فقط القسم الأكبر منهم وبأسعار مخفضة، ما جعل تكاليف الاستشفاء للذين لا يحملون بوالص تأمين باهظة جداً.

ولأن المستشفيات والأطباء يتقاضون أموالهم على قدر العمل الذي يقدمونه بغض النظر عن النتيجة، اقترح الأطباء علاجات غير مطلوبة للمرضى أو يكررون طلبهم إجراء فحوص مختلفة، لعلمهم أن القيام بمزيد من المعاينات والبقاء مدة أطول في المستشفى بحاجة أو من دونها، فإن ذلك يعني مزيداً من الأموال.

ولتسديد فواتير الأطباء والمستشفيات الكبيرة والمتزايدة، باتت شركات التأمين تطلب أموالاً باهظة من أرباب العمل لقاء تأمين موظفيهم، وأصبحت تتدخل في القرارات الاستشفائية للمرضى فلا تغطي معاينة ما أو تحليلاً. وفي أوقات تتحايل على المريض وتعتبر أن حالته سابقة للتأمين فلا تدفع نفقاتها، أو تضع سقفاً للحد الأقصى لتكاليف الاستشفاء التي تغطيها، ما يترك بعض المرضى من دون تأمين في بعض الحالات ويجبرهم على تسديد فواتير باهظة جداً وربما رهن منازلهم وفي ما بعد إشهار إفلاسهم.

ودفعت هذه الفوضى أوباما إلى محاولة مواجهتها في قانون الرعاية الصحية الذي أُقرّ عام 2009 ويُعتبر إنجازه الأكبر. القانون يمنع شركات التأمين من التدخل في كيفية المعاينة، ويفرض عليها تغطية كل نفقات الاستشفاء. ويقدم قانون الرعاية الصحية أيضاً والذي تغطي الحكومة جزءاً من تكاليفه، بوالص تأمين مع شركات خاصة مختلفة لكل غير المضمونين. ويفرض القانون على كل مواطن شراء بوليصة تأمين، بحسب دخله، أو تكبد ضرائب جزائية في حال تخلفه.

وحتى قبل أن يدخل قانون الرعاية الصحية حيز التنفيذ مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، راح المعنيون في القطاع الصحي يغيّرون من عاداتهم وممارساتهم استعداداً وتحسباً، فانخفضت نسبة نمو الفاتورة الصحية الأميركية للمرة الأولى منذ عقود لتبلغ 1.3 في المئة من حجم الاقتصاد الأميركي العام الماضي.

ويعتقد خبراء أميركيون إمكان أن يؤدي توافر التأمين الصحي في المدى القصير لكل فرد أميركي، إلى زيادة في تنافسية اليد العاملة الأميركية. إذ بات يمكن الشركات التي لا يتجاوز عدد العاملين فيها 50، توظف مواطنين يتمتعون بتأمين ولا يكبدون الشركات الصغيرة والمتوسطة تكاليف إضافية على شكل تأمين صحي.

أما جايمس سوراويكي فكتب في مجلة «نيويوركر»: «من الصعب الوقوف في وجه التغيرات التي رأيناها تحصل في السنوات الماضية، إذ يبدو أن كل واحد منا صار يدرك أن إنفاقنا على الرعاية الصحية كبير جداً مقارنة بالنتائج التي نحصل عليها (...) حان وقت التغيير وعلى رغم المعارضة الشرسة التي يلقاها القانون من الحزب الجمهوري، يبدو أن التغيير حاصل لا محال، كما أن لجم الفاتورة بدأ فعلاً، مع الأفضلية التنافسية التي يعطيها ذلك للاقتصاد الأميركي داخلياً كما على صعيد العالم.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008