| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في مسلسل «حمام الهنا» السوري، يلقن غوار الطوشة (دريد لحام) حسني البرازان (نهاد قلعي) درسا، فيتوصل الاخير الى نتيجة مفادها ان في كل ما يقوله غوار قطبة مخفية، او مقلبا، وان افضل وسيلة للتعامل مع صاحب المقالب هو القيام بعكس ما يقوله تماما. هكذا هي سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية اليوم: القيام بعكس كل ما قامت به في العراق منذ العام 2003.
ومايزيد الطين بلة ان غالبية الديبلوماسيين الاميركيين، السابقين والحاليين، المعنيين بالازمة السورية، سبق ان عملوا في العراق واكتسبوا فيه تجربة ساهمت في تشكيل، او اعادة تشكيل، رؤيتهم اومفهومهم للشرق الاوسط ككل. اما الديبلوماسيون الاميركيون الوحيدون الذين مازالوا يبدون رأيا سديدا في الازمة السورية، فهم ممن لم يتعاطوا بالملف العراقي على مدى العقد الماضي.
فروبرت فورد، السفير الاميركي في سورية الذي غادرها لاسباب أمنية، سبق ان عمل في العراق وتوصل الى نتيجة مفادها ان لا حل عسكريا للخروج من الازمة فيه، وانه لابد من حل سياسي يرضي جميع الفرقاء، وهو الحل الذي يعتقد فورد ان لا مناص منه في سورية، بغض النظر عن ميزان القوى العسكري على الارض بين الرئيس بشار الاسد ومعارضيه.
لكن ابرز الديبلوماسيين ممن سبق ان عملوا في العراق ويتحدث اليوم بطلاقة حول الموضوع السوري فهو السفير السابق في بغداد ريان كروكر، الذي دعا عبر صحيفة «نيويورك تايمز» الى الانفتاح على الأسد لأنه اهون الشرين، والتنسيق معه في محاربة التنظيمات الاسلامية الاصولية المتطرفة في سورية مثل «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام».
ووصف كروكر قبول بقاء الاسد بالسيناريو الاكثر واقعية، معتبرا انه «حان الوقت للتفكير بمستقبل لسورية من دون الاطاحة بالأسد، لأن الارجح ان هذا ما سيحدث مستقبلا».
واضاف كروكر: «لأنه احسن تسليحا وتنظيما، ودعما، وحماسة، لن يرحل الاسد، والارجح انه سيستعيد البلاد، شبرا دمويا بعد شبر دموي، وربما يحافظ تنظيم القاعدة على جيوب في الشمال، لكن (الاسد) سيحافظ على دمشق». وختم: «وهل نريد البديل حقا، بلد رئيسي في قلب العالم العربي في ايدي القاعدة؟».
اما فرد هوف، وهو ديبلوماسي مخضرم عمل على الملف السوري منذ وصول أوباما الى الحكم وحتى خروجه من وزارة الخارجية قبل نحو عام، فهو، على الرغم من تاريخه الطويل في التعاطي مع الشرق الاوسط، لم يكن منخرطا في حرب العراق، بل كان من الفريق الاوبامي الذي باشر بتسويق سياسة «الانخراط» مع الاسد، وانهاء عزلة دمشق، وابعاد النظام السوري عن ايران عن طريق التوصل الى تسوية سلمية تعيد الجولان الذي تحتله اسرائيل الى السيادة السورية.
لكن هوف وجد نفسه فجأة في وسط عملية سلمية متهالكة، ومسار سوري - اسرائيلي متوقف، وصادف ان اندلعت الثورة السورية في مارس 2011، فتحول الى ارفع ديبلوماسي مكلف متابعتها، خصوصا التنسيق مع الاوروبيين، بمن فيهم الروس والاتراك، في الشأن السوري، فعايش الديبلوماسي الاميركي اولى سنتين للاحداث السورية، وتوصل الى استنتاجات تتضمن تعاطفه الانساني مع ضحايا الاسد من السوريين، الى جانب الحسابات البراغماتية المطلوبة للسياسة الاميركية.
ولأن هوف، على عكس كروكر، لا يرى الحلول السورية باردة وغير انسانية ومحصورة بين شرين، فهو يعتقد انه يمكن للولايات المتحدة التأثير في ما يحدث بطريقة ايجابية.
والمراقب لمواقف هوف قد يلاحظ صمته اثناء خدمته في الخارجية، والتزامه بسياسة بلاده المتخبطة نحو سورية، حتى يوم تقاعده. بعد ذلك، اطلق الديبلوماسي الاميركي العنان لمخيلته وآرائه التي تخالف صراحة آراء حكومته.
وكتب هوف في موقع «مركز رفيق الحريري» التابع لـ «مجلس الاطلسي»، حيث يعمل كبيرا للباحثين، ان «المدنيين السوريين يجدون انفسهم تحت رحمة نظام متوحش واسلاميين عنفيين لأن الغرب قدم نصف دعم للوطنيين السوريين، واختار ان يترك موضوع تسليح مقاتلي المعارضة السورية في ايدي آخرين».
وتابع ان «اتفاق (نزع) الاسلحة الكيماوية سمح بطريقة ضمنية للأسد باستئناف حرب من دون ضوابط ضد المدنيين السوريين، ومؤتمر جنيف اعطى النظام واصدقاءه تاريخ 22 يناير ليقوموا بأسوأ ما يمكنهم القيام بهم».
وختم هوف: «لم يكن اي من هذا مقصودا من الرئيس باراك أوباما، ولا شك انه يشعر برعب ما يحدث، لكن رغم ذلك، كل شيء يحدث في وضح النهار».
ديبلوماسيو واشنطن ممن عملوا في العراق يعتقدون بضرورة التواصل مع كل الاطراف لتحقيق هدف واحد: إلحاق الهزيمة بالتنظيمات الاسلامية المتطرفة. ذلك كان الهدف الذي سعوا الى تحقيقه في العراق، وهو ما يسعون الى تكراره في سورية، حتى لو كان ذلك يعني اعادة وصل ما انقطع مع الاسد.
اما الديبلوماسيون الذين عاشوا مراحل الازمة السورية، من دون ظلال عراقية، فيرون في الازمة السورية مشكلة اجرام نظام بحق مدنيين عزل، ويرون ارتباكا اميركيا وغربيا ساهم في الوصول الى الوضع الحالي الذي صار يميل الى اعطاء الأسد اجازة ممارسة حرب من دون ضوابط تحت عنوان مكافحة الارهاب، وهو العنوان الذي يمثل نقطة ضعف لدى الاميركيين.
اما الكلمة الفصل بين المدرستين الديبلوماسيتين الاميركيتين فبيد أوباما وحده، والاخير يبدو انه عديم الخبرة في السياسة الخارجية، ويحاول الابتعاد عن كل المآزق التي وقع بها سلفه جورج بوش. لكن يبدو كذلك ان اوباما لا يعرف الفرق بين الابتعاد عن مآزق بوش والابتعاد عن اتخاذ قرارات مطلوبة ادى عدم اتخاذها الى تأزيم الوضع اكثر، وبدلا من ان ينجح أوباما في تفادي مشكلة في سورية، وجد نفسه في مشكلة اكبر، تكللها اليوم دعوات الى العودة الى حضن الأسد، الحضن نفسه الذي اوصل الى اندلاع الثورة السورية اصلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق