حسين عبدالحسين
أحسن فعلا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بوصفه الوجود الإيراني في سوريا احتلالا. تصريح الجبير، اثناء استقباله نظيره الألماني فرانك شتاينماير، لم يكن الأول على لسان مسؤول سعودي، فإيران تحتل سوريا والعراق، ولا وصف لاحتلالها الدول العربية غير كلمة احتلال، على الرغم من انه وصف يثير حنق الإيرانيين دائما ويدفعهم للنفي.
لكن ان لم تكن إيران تحتل سوريا، فما الذي يفعله كبار ضباط حرسها الثوري، مثل حسين همداني، الذي أعلنت طهران الأسبوع الماضي مقتله في حلب. والهمداني لم يكن اول قتيل من القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا، والأغلب انه لن يكون الأخير.
قد تتنطح مرضية أفخمي، الناطقة باسم الخارجية الإيرانية، لنفي احتلال إيران لسوريا، لكن الواضح ان همداني لم يكن يزور حلب بصفة سائح، بل هو كان يشارك قوات الرئيس السوري بشار الأسد خططهم لقتل سوريين وتهجيرهم من منازلهم، وهذا عمل – حسب أي تعريف – اسمه احتلال.
وكما في سوريا، التي تحتلها طهران وضباطها والمجموعات المسلحة اللبنانية والعراقية والأفغانية التابعة لها، كذلك في العراق، حيث يطل بين الحين والآخر قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” قاسم سليماني، فيقف امام الكاميرات لتلتقط له صورا في آمرلي وتكريت وبيجي، ثم يحضر لقاءات كتلة النواب الشيعية، ويملي عليها قراراتها، ويعزل رئيس حكومة، ويعين بديلا عنه، ويحمي مسؤولين حاليين وسابقين من إمكانية ان يلاحقهم القضاء العراقي بتهم إرهاب أو فساد.
ولأن إيران تحتل العراق، فهي قامت بتعليق صور مرشدي الثورة الإيرانية السابق والحالي روح الله خميني وعلي خامنئي في عموم شوارع المدن العراقية، الى حد دفع رجال دين عراقيين ونواب سابقين، من أمثال اياد جمال الدين، للاعتراض علنا، واعتبار رفع صور القادة الإيرانيين في شوارع بغداد إهانة للعراقيين والعرب عموما.
ثم ان اثبات واقع الاحتلال الإيراني للدول العربية لا يحتاج الى البحث عن دلائل، فالمسؤولين الإيرانيين أنفسهم يتعاقبون على التباهي بذلك، فيطل أحد أقرب المقربين من خامنئي ليكتب في صحيفته ان البحرين محافظة إيرانية، ويتحدث مسؤول إيراني آخر عن سيطرة إيران على أربع عواصم عربية، ويكتب وزير خارجية إيران جواد ظريف تعليقا على الأزمة اليمنية بالقول ان اليمن هي جزء من منطقة “الخليج الفارسي الأوسع”.
احتلال إيران لسوريا والعراق واضح وضوح الشمس، وذكره لا يعجب إيران واصدقائها، من أمثال شتاينماير، الذي خرج بعد لقائه الجبير ليقول ان الفجوة في الرؤى السياسية بين ايران وألمانيا كبيرة.
والوزير الجبير أحسن فعلا، لا بتكراره وصف الوجود الإيراني في الدول العربية احتلالا فحسب، بل باختياره اللقاء مع شتاينماير لقول ذلك. ربما يعتقد المسؤول الألماني ان ذاكرة العرب فيها ثقوب، لكن العرب – والسعودية في طليعتهم – يعرفون جيدا انه يوم قمعت إيران الثورة الخضراء، انما فعلت ذلك بشرائها معدات تجسس متطورة من شركة سيمنز الألمانية، التي لم تعر العقوبات الدولية أي اهتمام.
ويعرف العرب كذلك ان ألمانيا ليست محايدة، وأنها تنحاز الى إيران، وان برلين هي التي بادرت الى الحوار النووي مع طهران، ثم دعت باريس ولندن، وبعدها انضمت باقي العواصم ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن.
ويعرف العرب أيضا ان ألمانيا ضد الثورة السورية منذ انطلاقتها، وان برلين تؤيد بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم سرا وعلنا، وان المسؤولين الألمان غالبا ما يحرضون ضد العرب ويدعون الغرب للانحياز للإيرانيين.
على ان العرب معروفون بحسن الضيافة والكرم، وأبوابهم مفتوحة للأعداء قبل الأصدقاء، لكنهم ليسوا أولاد البارحة، وهم يقرأون التاريخ ويفهمون الحاضر، ويعرفون ان احتلال إيران لسوريا والعراق ليس الأول في التاريخ، والأرجح انه لن يكون الأخير.
ويعرف العرب أيضا ان كل الاحتلالات الإيرانية لبلدانهم، الماضية والحاضرة، كانت مكلفة على إيران والإيرانيين وأنها ستبقى كذلك، بغض النظر عن عتاب السيدة أفخمي او فجوات السيد شتاينماير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق