حسين عبدالحسين
بعد أقل من أسبوع على صدور قرار مجلس الأمن 1701 في آب (أغسطس) 2006، والذي نص على انهاء الاعمال العدوانية بين إسرائيل و “حزب الله” اللبناني، أودعت المملكة العربية السعودية مبلغ مليار دولار في مصرف لبنان المركزي لتعويض نزيف العملات الأجنبية الذي كان يعاني منه المصرف والذي كان يمكن له ان يؤدي لانهيار العملة الوطنية، وتاليا تحويل مرتبات اللبنانيين ومدخراتهم الى خردة.
بعد أسابيع، أطل حسن نصرالله في خطاب اتهم فيه معارضيه اللبنانيين بتزويدهم إسرائيل احداثيات مواقع تواجد قادة “حزب الله”. وراح نصرالله يحرّض على هؤلاء اللبنانيين وعلى اصدقائهم الإقليميين، وخصوصا السعودية. وتزامن هجوم نصرالله على اللبنانيين والسعودية مع هجوم مشابه للرئيس السوري بشار الأسد ضد الخليج وزعمائه.
وفي العام 2013، وبعد مرور أشهر على تورط “حزب الله” في الحرب السورية، ضربت لبنان سلسلة من التفجيرات الإرهابية التي طالت احياء مؤيدي الحزب. وخوفا من انفلات الوضع الأمني في لبنان، ورغبة منها في تعزيز قدرات القوات الأمنية، قدمت السعودية منحة بلغت قيمتها 3 مليار دولار للجيش اللبناني بهدف تزويده بأسلحة فرنسية متطورة.
لكن نصرالله لا يهدأ، بل يواصل تحريضه ضد الخليج، كما في آخر خطاباته الأسبوع الماضي. والسؤال هو: لماذا يكره نصرالله السعودية؟ ولماذا يحرّض ضدها باستمرار على الرغم من عطاءاتها السخية للبنان واللبنانيين؟ وأين يذهب المغتربون اللبنانيون الذين يعملون ويسعون لرزق عيالهم واهلهم في لبنان لو قطعت المملكة علاقاتها بلبنان، مثلا، ورحلّت اللبنانيين المقيمين فيها؟
حتى نفهم دوافع نصرالله لكراهية السعودية، علينا أولا ان نفهم ان الرجل، باعترافه، ليس سيد قراره، فهو – على الرغم من لبنانيته – يطلق على نفسه تسمية “جندي في جيش الولي الفقيه”، أي مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي. ولأن خامنئي يعتقد ان الخليج جزء من إمبراطورتيه الفارسية، ولأن خامنئي، كما الفرس عموما، يؤمنون بتفوقهم الثقافي والحضاري على العرب ويستكثرون ان تكون السعودية، مثلا، بين اول 20 اقتصاد عالمي بينما إيران، التي لا تقل ثروتها النفطية عن السعودية بكثير، تتخبط اقتصاديا، يعتقد خامنئي بضرورة اثبات التفوق الفارسي والتوسع لابتلاع المنطقة واخضاعها لحكم طهران. هذا في الدوافع العميقة.
اما في الدوافع الآنية، فيمكن ملاحظة الأوقات التي يعبّر فيها نصرالله عن كرهه للسعودية والخليج. فعلى إثر حرب 2006، التي قاد فيها نصرالله شيعة لبنان الى دمار وخراب مهولين، خافت ايران ان يوجه الشيعة غضبهم ضد الحزب، فكان لا بد من إيجاد هدف بديل للغضب الشيعي في لبنان. هكذا، وجد نصرالله ضالته في النظام اللبناني المبني على كراهية ومنافسة دفينة بين الطوائف، فعمل على اشعال النار الطائفية بتحريضه ضد رئيس حكومة لبنان، السني حسب الدستور.
وبتوجيه الغضب الشيعي الناجم عن مغامرات نصرالله العسكرية في العام 2006 ضد السنة في لبنان، نجح نصرالله في ابعاد هذا الغضب عن حزبه وعن ايران.
اليوم، بعد مرور حوالي عقد على جولة تحريض 2006، يعود نصرالله بجولات تحريض جديدة ضد السنة في لبنان والمنطقة والخليج. سبب الجولة الأخيرة من تعبير نصرالله عن كراهيته هو نفسه سبب جولة العام 2006، أي ارهاق شيعي وتعب من المغامرات العسكرية التي تفرضها الإمبراطورية الإيرانية على نصرالله وصحبه.
ومن نافل القول انه على الرغم من التحالف السياسي، الا ان الاختلاف العقائدي الديني بين الشيعة والعلويين في سوريا هائل، ما يعني ان الشيعة اللبنانيين ممن يقاتلون في سوريا لا يرون مبررا لدفاعهم عن الأسد او العلويين.
ومع مرور السنوات، وغرق شيعة لبنان في دمائهم، ونفاد سلسلة التبريرات التي دأب نصرالله على تقديمها للشيعة لتبرير تورطهم غير المفهوم في الحرب السورية على مدى الأعوام الأربعة الماضية، يعود نصرالله الى التحريض ضد السنة والسعودية، فالطائفية، على فجاجتها، تثير الحمأة القبلية والعصبية، وتنسي الشيعة – الى حد ما – خسائرهم الكبيرة في سوريا.
سخاء السعودية والخليج على لبنان واللبنانيين كثير وقديم ولا مبرر لتحريض نصرالله ضد المملكة. ولكن إيران وطموحات إمبراطورتيها تقضي بذلك، فان لم يخسر اللبنانيون رزقهم بسبب حروب “حزب الله” المستمرة في لبنان وسوريا، قد يخسرونها بسبب تصريحات نصرالله الفجّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق