| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
لم يكد الرئيس باراك أوباما يضع اللمسات النهائية على خطته الجديدة في سورية حتى سبقته الاحداث. فبعدما تراجع للمرة الأولى منذ أربع سنوات، عن معارضته تسليح فصائل سورية معارضة، ووافق على قيام واشنطن بتسليح 14 فصيلاً اختارتهم الاستخبارات التركية للانخراط في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية (داعش) شمال شرقي البلاد، عاود الاتراك اتصالهم بالأميركيين، للمرة الثانية في أقل من أسبوع، للشكوى حول تكرار المقاتلات الروسية دخولها الأجواء التركية.
في واشنطن، بدأت تتكوّن قناعة مفادها ان الضرر الذي أحدثه أوباما بحق النظام العالمي قد يكون أفدح بكثير مما يتصوره البعض، وهو ما دفع أقرب مؤيدي الرئيس الأميركي إلى النأي بأنفسهم عنه وعن سياسته الخارجية. المعلّق في صحيفة «واشطن بوست» دايفيد إغناتيوس، المعلق في «نيويورك تايمز» نيكولا كريستوف، السفير السابق في العراق ريان كروكر، وغيرهم بدأوا بمعارضة أوباما والمطالبة بفرض حظر جوي في سورية والقيام بدور أكبر هناك.
حتى وزير الخارجية السابق الشهير هنري كيسنجر، المؤيد الأول لديبلوماسية أوباما والاتفاقية النووية مع إيران، صار يتحدث اليوم عن سماعه «طبول الحرب» تقرع حول العالم.
لكن أوباما تمسّك بإصراره على سياسته، وهو يعمل اليوم على تجديدها. فبعدما تحوّل الفشل الذريع في تجنيد وتدريب قوة سورية معتدلة الى موضوع تندّر وفكاهة في العاصمة الأميركية، وبعدما سخر بوتين من خطة أوباما لإلحاق الهزيمة بـ«داعش» وأعلن الفشل الأميركي سبباً للتدخّل الروسي في سورية، وجد أوباما نفسه مضطراً لإعادة النظر بأدائه في سورية والعراق عموماً، وفي الحرب ضد «داعش» خصوصاً.
وحسبما أوردت «الراي»، الأسبوع الماضي، طلب البيت الأبيض من الوزارات والوكالات الحكومية تدارس الخيارات الممكنة للتعامل مع تدخّل روسيا في سورية. وسمعت «الراي» من مسؤولين حكوميين يومها ان الاتجاه الأساسي لإعادة النظر الأميركية كان مبنياً على «رفع تكلفة التدخّل الروسي في سورية عبر تكبيد موسكو خسائر في أوكرانيا».
لكن هذه الخطة الأميركية جاءت متأخرة، فالوضع في شرق أوكرانيا يبدو في طريقه الى التثبيت. ربما أراد بوتين هذا التثبيت حتى يتفرّغ لجبهته السورية، وما حضوره لقاء جمعه مع نظيريه الاوكراني والفرنسي والمستشارة الألمانية، في عطلة نهاية الأسبوع، إلا تأكيد أن المواجهة في أوكرانيا في طريقها للانحسار، الى حد دفع بعض المسؤولين الروس الى القول انهم ينوون نقل ميليشياتهم من شرق أوكرانيا للانخراط في القتال في سورية.
وعندما ترأس أوباما اجتماع فريقه للأمن القومي الخميس الماضي، لم تبد أي اشارت قلق او شعور بفداحة الموقف، حسب مطلعين على مجريات اللقاء. وقالت مصادر أميركية إن الرئيس طالب بإصلاح «الثغرات التي شابت خطة الحرب الأساسية» ضد «داعش». هكذا يسعى أوباما الى تعويض فشل تجنيد مقاتلين سوريين للمشاركة في الحرب ضد التنظيم حصراً. ويريد في الوقت نفسه تحسين فعالية مقاتلات التحالف الدولي التي تدك مواقع «داعش»، وتحسين التعاون بين القوة الجوية للتحالف والمقاتلين على الأرض.
ويعتقد أوباما ان سماح تركيا لأميركا والتحالف باستخدام قاعدة «إنجرليك» الجوية القريبة من الحدود مع سورية من شأنه ان يرفع من أداء مقاتلات التحالف في الحرب ضد «داعش». وكانت واشنطن طلبت من انقرة السماح لمقاتلات التحالف باستخدام القاعدة كذلك، فبدأت المقاتلات الفرنسية والأسترالية بشن غارات انطلاقاً من تركيا.
ثمن سماح تركيا استخدام «إنجرليك» هو انشاء خط دفاعي على الحدود السورية لحماية تركيا من أي توغل لمقاتلين كرد، وهو ما وعد أوباما بالعمل عليه بمساعدة الفصائل السورية الأربعة عشر، التي يبلغ مجموع مقاتليها 5 آلاف، والتي اختارتها الاستخبارات التركية وقدمتها للأميركيين كفصائل «يمكن التعامل معها».
هذه القوة، الى جانب 20 ألف مقاتل من البيشمركة الكردية، ستعمل على قطع طريقي الرقة - عاصمة داعش - في الشمال الغربي والشرقي، على أمل «زيادة الضغط على التنظيم».
إذاً، ما تزال طموحات أوباما للتدخّل في سورية تقتصر على الحرب ضد «داعش»، ومازالت رؤية أوباما للحرب ضد التنظيم عبارة عن حرب محدودة بقوة سورية صغيرة تساهم في ضعضعة التنظيم «في طريق» القضاء عليه. بكلام آخر، لا يعمل أوباما على البحث عن حل في سورية او القضاء على التنظيم. جلّ ما يعمل عليه هو إدارة الازمة السورية، خصوصا «داعش»، وتمرير الوقت حتى خروجه من البيت الأبيض في يناير 2017.
عن التدخّل الروسي، قال المطّلعون على الاجتماع الذي ترأسه أوباما الأسبوع الماضي، ان «الرئيس الأميركي لا يمانع ان تقوم روسيا بتثبيت الوضع السوري، مع انه يشك بقدرتها على ذلك». ولكن صار معلوماً ان واشنطن لم تعارض موسكو جدياً، منذ اليوم الأول لبدء الحملة الروسية في سورية. على العكس، فقد دأب ضباط من الدولتين على تشكيل لجنة تنسيق عسكرية لتقاسم الأجواء السورية وتفادي أي مواجهة عن طريق الخطأ.
أما انقرة وقلقها من الاختراقات الروسية لأجوائها، والقلق الذي يسود قادة «تحالف الاطلسي» من تصرفات ورعونة الروس واستفزازاتهم لتركيا، عضو التحالف، فلا تبدو انها تقلق أوباما.
هكذا، صار بوتين يدير الاحداث في سورية، وتسبق الاحداث أوباما الذي يصدر تصوّراً بعد الآخر كان مصيرها جميعاً، حتى الآن، الفشل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق