| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
حسبما سبق ان أوردت «الراي»، أدت سلسلة المراجعات التي قامت بها الوزرات والوكالات الحكومية الأميركية لمعالجة أزمة التدخّل الروسي في سورية الى اتخاذ «فريق الأمن القومي»، على إثر اجتماع ترأسه الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض قبل أسبوعين، الى اتخاذ مجموعة من القرارات، جاء في طليعتها قرار «تجهيز» الفصائل السورية المعارضة بمعدّات قتالية، بما فيها أسلحة هجومية.
وعلى مدى الأسبوعين الماضين، اتخذت الإدارة مجموعة من الخطوات، وأطلق مسؤولوها عدداً من التصريحات، هدفت جميعها الى تأكيد رفع الرئيس الأميركي «الفيتو» الذي يفرضه ضد تسليح الثوار، منذ العام 2011.
وفي آخر إطلالات مسؤولي البيت الأبيض، عقد نائب مستشارة الامن القومي بن رودز، ومساعدة وزير الدفاع كريستين وارموث، ونائب المبعوث الرئاسي الى التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) بيرت ماكغيرك، لقاء صحافياً، قدموا فيه تصور الإدارة لسياستها الجديدة في سورية. ويمكن تلخيص تصريحات المسؤولين الثلاثة على الشكل التالي: أولاً، مازالت الإدارة تتمسّك بتصوير أي تدخّل لها في سورية على انه جزء من حربها ضد «داعش»، لأسباب متعددة، أبرزها ان تفويض الكونغرس الحكومة إنفاق نصف مليار دولار على «برنامج تدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة» كان إنفاقاً مخصصاً للحرب ضد «داعش». هكذا، عقد المسؤولون الثلاثة جلستهم مع الصحافيين تحت عنوان «الإستراتيجية الأميركية الجديدة لمكافحة داعش».
ثانياً، في الرؤية الأميركية الجديدة، خرجت إيران كلياً من المشهد السوري، فعلى مدى ساعتين من حديث مسؤولي البيت الأبيض مع الصحافيين، لم ترد كلمة إيران حتى مرة واحدة. وما يؤكد تراجع إدارة الرئيس أوباما عن فكرتها القاضية بـ «البناء على الإيجابية المتولّدة من الاتفاقية النووية مع إيران» للتوصّل الى حلول في أزمات المنطقة، مثل سورية، الإحباط الذي يبدو انه أصاب اللوبي الإيراني ومناصريه في العاصمة الأميركية. في هذا السياق، كتبت الصحافية الأميركية المقرّبة من الإيرانيين لورا روزن تغريدة جاء فيها انه «بعد الاتفاقية مع إيران، من المحزن ان المنطقة تقترب أكثر من مسار الحرب».
ويعتقد كبار المسؤولين في الإدارة انه يبدو ان تدخّل روسيا في سورية قلب حسابات الرئيس الأميركي، فأوباما كان يعوّل على إيران للتوصّل الى حل في سورية، وكان يعتقد ان تحسّن العلاقات بين واشنطن وطهران يصبّ في اتجاه التوصّل لتسوية. لكن دخول الروس الحرب السورية، حسب المسؤولين، جعل سورية جزءاً من المواجهة الأميركية - الروسية، بعدما كانت سورية، حتى الأمس القريب، جزءاً من عملية التقارب الأميركية - الإيرانية. ثالثاً، رغم ان عنوان اللقاء الصحافي للمسؤولين الثلاثة كان الحرب ضد «داعش»، إلا ان رودز قال علانية انه «بالنسبة للمعارضة (السورية)، نحن نسعى الى تحقيق هدفين، الأول هو تقويتهم حتى يحاربوا (داعش) ويستعيدوا مناطق يسيطر عليها التنظيم في سورية، والثاني هو تأكيد ان هناك قوات معارضة قوية تتمتّع بمصداقية». وتابع رودز ان الدعم الأميركي لفصائل المعارضة السورية في الشمال، وخصوصاً الشمال الشرقي، وللثوار في الجنوب، حيث يكاد ينعدم وجود «داعش»، ماهو إلا مؤشر آخر على ان الدعم الأميركي عنوانه الحرب ضد التنظيم ودعم المعارضة السورية بشكل واسع ومنع انهيارها امام الأسد وروسيا. رابعاً، كان ملاحظاً ان وارموث تفادت استخدام كلمة تسليح او أسلحة، والتزمت كلمة تجهيز. لكن المسؤولة الأميركية حرصت على القول ان التجهيز الأميركي يعطي الفصائل السورية المقدرة على شن عمليات هجومية، وقالت: «سنتواصل مع زعماء الفصائل المقاتلة على الأرض، وتطبيق عملية التحقق من توجهاتهم السياسية، ثم تزويدهم برزم من المعدّات الأساسية حتى يوزّعوها على مقاتليهم حتى نساعد على تقوية عملياتهم الهجومية». وأردفت وارموث انه في مراحل تعزيز الثقة، لن تزوّد أميركا الثوار بصواريخ «مانباد» المضادة للطائرات او بصواريخ ضد الدروع، لكن واشنطن قد تزوّدهم بهذه الأسلحة في حال تعزّزت الثقة بينها وبينهم. كذلك، أوضحت المسؤولة الأميركية ان هناك «طرقاً» يمكن من خلالها معرفة مكان الأسلحة ومراقبتها. وفي السياق نفسه، علمت «الراي» من مصادر أميركية ان واشنطن ستسقط معارضتها للدول الإقليمية الراغبة بتزويد الثوار بصواريخ مضادة للطائرات والدروع. وكان واضحاً ان مسؤولي البيت الأبيض يدركون ان الإحجام عن تسليح ثوار سورية كان بمثابة خطأ، فدأب الثلاثة على الحديث عما تعلّمته الإدارة منذ بدء الحرب ضد «داعش» قبل عام ونصف العام. وراح المسؤولون يقولون انهم يبنون سياستهم الجديدة على الخبرة التي اكتسبوها في هذه الفترة، وان التكيّف مع الوقائع الجديدة للحرب السورية هو من أكثر الأمور فعالية.
ربما لم تقلها واشنطن بشكل صريح، لكن على مدى الأسبوعين الماضيين، دأب مسؤولو الإدارة على إعلان انهم ألغوا برنامج تدريب وتجهيز قوة مقاتلة سورية، وتحدثوا عن اللجوء الى بديل. وفي وقت لاحق، صاروا يتحدثون عن استخدام الأموال التي كانت مخصصة للبرنامج المذكور لتسليح زعماء الفصائل، من دون الخوض في هويات المقاتلين المنضوين تحت لوائهم.
ورغم ان الجلسة كانت مخصصة للحرب ضد «داعش»، إلا ان رودز كان واضحاً في ان الانتصار على «داعش» مستحيل من دون انهاء الحرب السورية أولاً، وان انهاء الحرب السورية مستحيل لأن انتصار الأسد او أي من معارضيه مستحيل، ما يعني ان الطريق الوحيد للقضاء على «داعش» يمر عبر التوصّل الى تسوية، والتسوية تعني استحالة اكتساح أي طرف للآخر، وإذا اعتقدت روسيا انه يمكنها والأسد الاكتساح، فواشنطن - في سياستها الجديدة في سورية - ستحرص على تحويل اكتساح الأسد وروسيا للمعارضة أمراً مستحيلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق