الأربعاء، 25 مارس 2009

التغيير الأميركي جدّي... أي تغيير إيراني؟

الأربعاء 25 آذار 2009 - السنة 76 - العدد 23649

‏حسين عبد الحسين – واشنطن

قد يكون المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية في ايران علي خامنئي محقا في قوله ان "التغييرات التي تزعمها الولايات المتحدة يجب ان تكون حقيقية وليس فقط في الخطب"، فاميركا لم تتغير كثيرا منذ انتصار الثورة الايرانية في العام 1979، على الرغم من تناوب جمهوريين وديموقراطيين على حكمها.

بيد انه على المرشد الاعلى ادراك حقيقة ان انتخاب باراك اوباما رئيسا يعكس واحدة من التغييرات الاميركية الجذرية التي تحدث كل بضعة عقود.

فالولايات المتحدة خاضت تجربتها الاولى على الساحة الدولية ابان الحرب العالمية الاولى حينما دخلت وخرجت باهداف مثالية قدمها رئيسها حينذاك وودرو ولسون، ولم تأخذ بها اوروبا الامبريالية.

وانكفأت اميركا عن العالم بعد الحرب الاولى تحت وطأة ازمة اقتصادية قاسية خرجت منها بحلة صناعية جديدة، احسن ادارتها والاستفادة منها الرئيس الاميركي الاسطوري فرانكلين روزفلت، والذي يعود اليه الفضل في تجهيز البنية التحتية للبلاد، والتي حسّنت من القوة التنافسية الاميركية في العالم على مدى عقود.

واستخدمت اميركا علومها المستجدة للعودة الى الساحة الدولية اثناء الحرب الكونية الثانية، فرجحت كفة الديموقراطيات الاوروبية في الفوز على النازية، وساهمت في اعادة اعمار اوروبا واليابان، وورثت الامبراطوريات الاوروبية المتهاوية في زعامة العالم الغربي اثناء الحرب الباردة.

ولكل حقبة من التاريخ الاميركي معالمها الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية. فقد ادت ثورة روزفلت الصناعية الى نمو ضواحي المدن، وخاصة في الشمال الشرقي، لكن هذه المناطق تدهورت في ما بعد وسميت بـ "حزام الصدأ" ليبرز مكانها "حزام الشمس"، الممتد بين ولايات الجنوب والجنوب الغربي. وشهدت البلاد بين كل تحول وآخر ازمة اقتصادية لم تلبث ان نهضت من بعدها.

اما في الاجتماع فشهدت اميركا اولا حركات حقوق مدنية، تصدرها الاميركيون من اصل افريقي، هدفت الى "دمجهم" في المجتمع الابيض. لكن حركة الدمج هذه انتهت الى المطالبة بـ"التنوع" للابقاء على خصوصيات المجموعات الاثنية المؤلفة للشعب الاميركي. ولم يخلُ كل تحول اجتماعي اميركي من عنف داخلي وفي الشوارع.

اما التغيير الاميركي الاخير في القرن الماضي فأدى الى انتخاب ريتشارد نيكسون رئيسا في العام 1968. ونجح نيكسون من حيث لا يدري خاصة ان ممارساته "العالمثالثية" في الرئاسة ادت الى فقدان المزيد من الاميركيين الثقة بحكومتهم ودفعتهم الى الاعتماد على القطاع الخاص لتسيير شأنهم العام.

وكان تأثير نيكسون الابرز اخافته البيض من الاعراق الاميركية الاخرى، مما ادى الى خلق تيار يميني ابيض مسيحي محافظ وليبرالي معاد لتوسيع دور الحكومة الاقتصادي، ساهم في صناعة تاريخ البلاد حتى الامس القريب.

منذ نيكسون وحتى ما قبل انتخاب اوباما، لم تحد اميركا الرسمية كثيرا عن مبادئها اليمينية، فانتخبت خمسة رؤساء بيض من الجنوب المحافظ تقليديا، من ضمنهم الديموقراطيان جيمي كارتر وبيل كلينتون، بينما حصد الرئيس الجمهوري رونالد ريغان الخوف من دور الدولة ورمى اميركا في ايدي القطاع الخاص تماما فتحققت بحبوحة بفضل الاعمال التجارية وسوق الاسهم.

الا ان جشع القطاع الخاص، وضعف الرقابة الحكومية، كادا يوديان بالاقتصاد مرتين: الاولى مع نهاية ولاية خليفة ريغان، جورج بوش الاب، استدركها خليفته بيل كلينتون وعالجها موضعيا، والثانية مع نهاية ولاية كلينتون عالجها كلينتون موقتا ايضا عندما استبدل فقّاعة الانترنت في سوق الاسهم بفقّاعة قطاع المنازل، التي انفجرت مع نهاية ولاية خليفته بوش الخريف الماضي.

ومع مطلع القرن الحادي والعشرين وانتخاب بوش الابن رئيسا، لم يكن لدى هذا خطة حكم بل آثر الاستمرار في نهج ريغان ووالده، اللذين اسس لهما نيكسون، واستثار عصبيات اليمين المسيحي الابيض لادامة حكمه وابقى الاقتصاد بيد القطاع الخاص. وجاءت احداث 11 ايلول لتعطي معنى لحكم بوش الابن فقاد الشعب الاميركي المذعور بعصبية كبيرة الى حروب غير واضحة الاهداف، تلطى خلفها سماسرة السياسة واصحاب المصالح.

الا ان القرن الحادي والعشرين بدأ فعليا في الولايات المتحدة مع انتخاب اوباما رئيسا، لا لاهمية اوباما فحسب، وانما لان الانتخاب كان نتيجة عملية تغييرية تعتمل في نفوس الاميركيين منذ فترة، اجّلت ظهورها احداث 11 ايلول، من دون ان تطيحها.

فاميركا، المعروفة بقلة حفاظها على التقاليد، تأخرت في التجديد على الرغم من التغيير العالمي الذي كان يحصل من حولها فيما كان الكون يتحول الى قرية. ووجد الاميركيون انفسهم غير مستعدين، على غير عادة، للتنافس الصناعي والعلمي، ووجدوا مصانعهم المساهمة الاكبر في التلوث العالمي بينما صناعاتهم، وخاصة من السيارات، بليدة تعيش على نفقة الحكومة كما في الدول الاشتراكية السابقة.

كذلك ادى استثمار الاموال في قطاع العقارات، غير المنتج اقتصاديا، الى نمو وهمي ما لبث ان تكشف عن عجز هائل. وفي وسط الانفجار الاعلامي الهائل الذي سمح لكل مواطني العالم بمتابعة ادق تفاصيل حكوماتهم، انتفت اسباب انعدام ثقة الاميركيين بعمل حكومتهم والعمل على تقليصها.

هكذا، تبخرت قوة اليمين المسيحي المحافظ في السياسة والاقتصاد ولم تنفع حملاته الانتخابية الشعبوية التي استحضرت امرأة جميلة غير مؤهلة، و"وجو السمكري"، والحديث عن "قيم" المدن الصغيرة في اميركا. وبدأ التغيير الاميركي منذ ما قبل انتخاب اوباما، الذي وصل في الوقت المطلوب ليعبر عن هذا للتغيير ويقوده، فاقفرت مدن اميركا الصغيرة وضمرت ضواحي البيض، وخاصة في منطقة "حزام الشمس"، وتضخمت المدن المتروبوليتية التعددية، على قلتها، مثل نيويورك وواشنطن وشيكاغو وسان فرانسيسكو، وتم انتخاب رئيس اسود للمرة الاولى في التاريخ الاميركي.

كذلك للمرة الاولى منذ نيكسون، جاء رئيس من الشمال، وهو لا ينتمي الى اي من المدارس الجنوبية او القائلة بضرورة تقليص حجم الحكومة بل على العكس، يعتقد اوباما بضرورة تولي الحكومة عملية تحديث الاقتصاد الاميركي ونقله الى السكة الصحيحة، لا اصلاحه مؤقتا، بجعله اكثر تنافسية بيئيا وصاحب موارد بشرية وعلمية اكبر.

اما في السياسة الخارجية، وهي ما تعني السيد خامنئي اكثر من شؤون اميركا الاخرى، فهناك تغيير جذري يتناسب وحجم التغييرات في السياسات الاخرى، وما على القيادة الايرانية الا التأمل بجدول اعمال قمة الثماني المقرر اقامتها في صقلية في تموز المقبل للتأكد من ان اولويات العالم الذي تقوده واشنطن قد تغيرت وصارت في طليعتها، بعد الاقتصاد، التغيرات المناخية، ثم اعادة كتابة معاهدة حظر الانتشار النووي بما يبعد الظلم والمعايير المزدوجة عن ايران وغيرها في حال الطلب من طهران التخلي عن تخصيبها للاورانيوم.

حتى مفهوم "نشر الديموقراطية" حول العالم استبدلته مراكز القرار والابحاث الاميركية بعبارة "تنمية الديموقراطية"، اي القائمة منها. كما توصل الاميركيون الى اجماع بضرورة التخلي عن النفط، كمصدر رئيسي للطاقة، واستبداله بطاقة بديلة، وهو ما يبعد اميركا اكثر عن شؤون منطقة الشرق الاوسط. قد يدرك او لا يدرك خامنئي حجم التغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي يحصل اليوم في الولايات المتحدة. ولكن الاهم من التغيير في اميركا هو التغيير في ايران، الذي ينعكس في حال حدوثه على المنطقة باسرها، وفي طليعتها لبنان.

وهنا يحضرنا السؤال: ماذا عنى خامنئي بقوله انه اذا تغيرت اهداف اميركا لا تكتيكاتها، "سنتغير نحن ايضا"؟ ما هو التغيير الايراني الذي تحدث عنه المرشد الاعلى، وهل يؤدي الى ثورة ايرانية ثانية تجاري ثورة اوباما الاميركية والتحولات المقبلة على العالم؟ ام ان التغيير عند خامنئي يجب ان يكون في الاهداف لدى اميركا وفي التكتيك فقط لدى طهران؟

(صحافي وزميل زائر في معهد"تشاتهام هاوس" البريطاني)

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008