واشنطن - حسين عبدالحسين
الأداء القوي للاقتصاد الأميركي، على رغم التباطؤ العالمي، يربك معظم الخبراء الأميركيين الذين انقسموا فئتين: واحدة تعتقد ان الماكينة الأميركية عادت الى سابق عهدها وأنها ستقود الاقتصاد العالمي وتنعشه، وأخرى تخشى ان يبلغ التباطؤ العالمي الشواطئ الأميركية.
يقول المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد بول كروغمان «فجأة يبدو اقتصاد الولايات المتحدة في شكل أفضل». ويضيف ان الأمور تتحسن منذ فترة ولكن هذه المرة «علامات التحسن لا يمكن ان تكون خاطئة، مثل زيادة عدد الوظائف، والتسارع في نمو الناتج المحلي، وارتفاع الثقة عموماً».
وكانت وزارة الاقتصاد أعادت النظر في نسبة النمو للفصل الثالث من العام الماضي، ورفعتها من 3.9 الى 5 في المئة، وهي النسبة الأعلى في 11 سنة. وكان النمو تقلص 2 في المئة في الفصل الأول من عام 2014، لينمو بواقع 4.6 في المئة في الفصل الثاني، وإذا صدقت التوقعات وبلغ النمو في الفصل الأخير نسبة 3 في المئة، يقفل عام 2014 على معدل نمو 2.7 في المئة، وهو مرتفع مقارنة بـ1.9 في المئة من 1999 الى 2013.
كذلك، تشير التقديرات الحكومية الى ان نمو الاقتصاد الأميركي سيتراوح بين 2.6 و3 في المئة هذا العام، وهو ان حصل، يشي بأن عودة الاقتصاد الى التعافي «حقيقية» هذه المرة، وغير مدفوعة بعوامل ظرفية مثل إنفاق حكومي دفاعي موقت، على غرار ما يعتقد بعضهم انه حصل في الفصل الثالث من العام الماضي.
كذلك أظهرت الأرقام ان الاقتصاد الأميركي أضاف 2.7 مليون وظيفة العام الماضي، وهي النسبة الأعلى منذ عام 1999، وفي وقت تستعد العاصمة الأميركية لبيانات الوظائف، التي تشير التوقعات الى انها ستتعدى الربع مليون للشهر الأخير من السنة الماضية، ما من شأنه ان يقلص نسبة البطالة الى 5.1 في المئة، وهي نسبة قريبة جداً مما تعتبره الحكومة «سوق عمل طبيعية». بدوره، أظهر إحصاء قامت به وكالة «رويترز» وجامعة ميشيغان، ان الأميركيين يعتقدون بأن مداخيلهم سترتفع بمعدل 1.7 في المئة هذه السنة، وهو الارتفاع الأعلى منذ عام 2008. ويشير الاستطلاع الى ان من هم تحت 45 عاماً يعتقدون ان مداخيلهم سترتفع بمعدل 4.5 في المئة. وكان معدل مداخيل الأميركيين عام 2014 ارتفع فعلياً بنسبة 1.6 في المئة.
ووسط تدفق الأرقام الإيجابية هذه، أصدرت وكالة «فاني ماي» المتخصصة بقروض المنازل، تقريراً توقعت فيه ان ترتفع مبيعات المنازل بنسبة 5.4 في المئة فتصل الى 5,7 مليون، بعد ان انخفضت 2.7 في المئة العام الماضي. وستترافق هذه الزيادة مع ارتفاع قيمة القروض لشراء منازل، من 672 بليون دولار العام الماضي الى 714 بليوناً هذه السنة. ويعتبر نمو سوق المنازل المحرك الرئيس للاقتصاد الذي يعول عليه الخبراء الأميركيون، إذ إن المؤشرات الأخرى، مثل نمو الصادرات وقطاع الطاقة الأحفورية، قد تشهد اهتزازات مع تباطؤ أكبر اقتصادات العالم، خصوصاً في الصين والاتحاد الأوروبي.
وفي حين أظهرت بيانات نمو الناتج المحلي في الفصل الثالث ان الصادرات الأميركية لعبت دوراً في دفعه الى رقم 5 في المئة المرتفع، يتخوف بعض الخبراء من ان يؤدي الارتفاع في قيمة الدولار على مدى الأسابيع الماضية، الى لجم ازدهار الصادرات الأميركية وأضعاف القطاع السياحي. كما من شأن قوة الدولار ان ترفع الواردات، ما يؤدي الى مزيد من العجز التجاري الذي يؤثر بدوره سلباً على نمو الناتج المحلي الأميركي.
ومع ان انخفاض سعر النفط العالمي من شأنه ان ينسف عدداً كبيراً من الوظائف في قطاع الطاقة الأحفورية، الا ان من شأن الانخفاض أيضاً ان يقلص العجز التجاري، ويترك فائضاً من الأموال في أيدي المستهلكين الأميركيين الذين يمكنهم استخدامها لدفع الاقتصاد قدماً.
ربما يأمل الأميركيون في ان يتحرك المصرف الأوروبي لتنشيط اقتصاد الاتحاد، ما قد ينعكس إيجاباً على الصادرات الأميركية. ربما يأملون كذلك بأن تحاول الصين جدياً هذه المرة، التحول من اقتصاد يعتمد على الصادرات وحدها للنمو، الى آخر يعتمد على الاستهلاك، ما من شأنه ان ينعكس إيجاباً على الولايات المتحدة كذلك.
في هذه الاثناء، يأمل مجلس الاحتياط الفيديرالي أن تستمر التوقعات للعام الحالي على حالها، ما سيسمح للمصرف المركزي الأميركي بالتفكير في رفع طفيف للفائدة، ربما مع حلول الخريف المقبل، وهو ان حصل، يكون مؤشراً الى ان أعلى سلطة مالية في البلاد صارت ترى فعلاً ان الاقتصاد الأميركي يتعافى، وتتصرف على هذا الأساس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق