الأربعاء، 21 يناير 2015

أوباما يريد سياسة داخلية تخلّد ذكراه وخارجية «بالتي هي أحسن»

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

رغم أن «خطاب حال الاتحاد»، الذي يدلي به الرئيس الأميركي امام الكونغرس مطلع كل عام، يخصص في الغالب لشؤون الولايات المتحدة الداخلية، الا ان الظروف الدولية تفرض نفسها بين الحين والآخر، وهي سبق ان انتجت خطابات أدت الى تغيير مجرى العلاقات الدولية، من قبيل خطاب الرئيس السابق جورج بوش في العام 2002 والذي تلفظ فيه بعبارته الشهير عن «محور الشر»، الذي كان يتألف من «إيران وحلفائها الإرهابيين».

أمس، ورغم احداث «شارلي ايبدو» في باريس، ورغم اطلالة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) مع رهينتين يابانيتين في بزة برتقالية تنذر باقتراب اعدامهما، ورغم التقارير التي تشير الى فشل أميركا وحلفائها حتى الآن في تعطيل «داعش» او وقف تمدده، لم يبال الرئيس باراك أوباما بكل هذه الاحداث على المسرح الدولي، فوقف امام الكونغرس ليكرر تبجحا صار يبدو زائفا حول الإنجازات الأميركية في مواجهة التحديات، وخصوصا التي تطرحها التنظيمات الإرهابية.

ولم يبال أوباما أيضا بالتناقض الذي شاب المقطع الذي خصصه للحرب ضد التطرف، فقال ان «في العراق وسورية، القيادة الأميركية بما في ذلك القوة العسكرية، توقف تقدم داعش»، مضيفا انه «بدلا من ان ننجر الى جولة جديدة من الحرب البرية في الشرق الأوسط، نحن نقود تحالفا واسعا، يتضمن دولا عربية». وكرر أوباما مقولته ان هدف الحرب الدولية هو «اضعاف، وتاليا تدمير، هذه المجموعة الإرهابية».

ثم تابع أوباما حديثه، فتطرق الى سورية، ولم يأبه الى التقارير التي تشير الى ان معسكرات تدريب القوات العراقية تفتقد الى الذخيرة، ولم يهتم للشكاوى حول بطئ عملية «تدريب وتجهيز» خمسة الاف مقاتل من «المعارضة السورية المعتدلة»، والتي وعد بها الصيف الماضي والتي لم تبدأ فعليا حتى اليوم، بل قال الرئيس الأميركي: «نحن ندعم المعارضة المعتدلة في سورية التي يمكنها ان تساعد في هذا المجهود (أي محاربة داعش فقط)، ونساعد الناس أينما كانوا ممن يقفون في وجه أيديولوجية العنف المتطرف المفلسة».

وتابع أوباما: «هذا المجهود سيتطلب وقتا، وسيحتاج الى تركيز، لكننا سننجح، والليلة انا أدعو الكونغرس ليظهر للعالم اننا متحدون في هذه المهمة بالمصادقة على قرار استخدام القوة ضد داعش».

ولم يكد الرئيس الأميركي ينهي خطابه حتى تعالت الانتقادات، وتساءل أعضاء في الكونغرس: «كيف يمكن للرئيس ان يقول اننا نستخدم القوة العسكرية، ثم يطلب منا تخويلا لاستخدام القوة؟» واعتبر الأعضاء المعارضون، من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ان حديث أوباما حول السياسة الخارجية هو «تكرار لنقاط الكلام نفسها التي دأب وفريقه على تكرارها على مدى الأشهر الماضية، والنتيجة مازالت واحدة»، وهي تخبط أميركا وحلفائها، واستمرار تمدد المجموعات المتطرفة في سورية والعراق ودول أخرى في العالم.

عن إيران، كرر أوباما موقفه القائل انه «لأول مرة منذ عقد، نجحنا في وقف تقدم برنامجها النووي، وقلصنا مخزونها من المواد النووية». وتابع انه «بين الآن والربيع، لدينا فرصة في التوصل الى حل تفاوضي شامل يمنع (قيام) إيران مسلحة نووية، ويمنح الأمن لأميركا وحلفائها – بمن فيهم إسرائيل». وأضاف: «لا ضمانات ان المفاوضات ستنجح، وانا ابقي كل الخيارات على الطاولة لمنع (قيام) إيران نووية، لكن عقوبات جديدة يمررها الكونغرس في هذا الوقت، ستضمن فشل الديبلوماسية، وستعزل أميركا عن حلفائها، وستضمن عودة إيران الى برنامجها النووي».

وكما في العام الماضي، ورغم ان الغالبية أصبحت في يد الجمهوريين ما يزيد من فرص تجاوز الفيتو الرئاسي، هدد أوباما بممارسة حق النقض ضد أي قانون يصادق عليه الكونغرس لعقوبات جديدة على إيران.

مقاطع السياسة الخارجية في خطاب أوباما تكاد تكون متطابقة وخطاب العام الماضي، وهي جاءت مترافقة مع برودة رئاسية صارت علامة أوباما الفارقة بين الرؤساء الاميركيين.

ما سبب تساهل أوباما بالسياسة الخارجية، وبضرورات مكافحة التطرف الذي يبدو في وتيرة تصاعدية؟ ولماذا لا يبدو الرئيس الأميركي مكترثا، لا بالسياسة الخارجية ولا بالانتقادات الداخلية حول تقاعسه؟

الإجابة موجودة في الأجزاء الأخرى من «خطاب حال الاتحاد»، الذي أدلى به أوباما امام الكونغرس 144، والذي سيطرت على غرفتيه غالبية من الحزب الجمهوري للمرة الأولى منذ تسلم أوباما الرئاسة في العام 2009. فتحت قبة الكونغرس، لم يكترث أوباما لشؤون العالم لأنه وقف يتبجح بسجل إنجازاته في السياسة الداخلية، اذ تشير كل التقارير الى انه على مدى السنة الماضية، وحده الاقتصاد الأميركي الذي حقق نموا بين اقتصادات الدول المتقدمة.

وتشير التقارير الى ان النمو الأميركي في العام 2014 هو الذي دفع النمو العالمي، وترجح ان اميركا ستستمر في قيادة النمو العالمي العام الحالي. وفي وقت خفض «صندوق النقد الدولي» توقعاته لنمو العالم الى 3.4 في المئة لهذا العام، اشارت التقديرات الى ان أميركا قد تنعم بنمو يصل الى 3.6، أي أعلى من المعدل العالمي.

وبالنظر الى ان الصين حققت أدنى نمو لها منذ العام 1990 بلغ 7.3 في المئة العام الماضي، وهو نفس الرقم المتوقع العام المقبل، يبدو ان الفجوة في النمو بين أميركا والصين تقلصت الى قرابة 3 في المئة، وهي الأدنى منذ أكثر من عقدين. وفي نفس الوقت، تستمر بيانات الوظائف الأميركية في اظهار نمو اعلى من 200 ألف وظيفة شهريا، فيما يستمر نمو الوظائف بشكل عام منذ أكثر من 58 شهرا، وهي الفترة الأطول منذ منتصف التسعينات.

قوة الاقتصاد الأميركي، وتفاؤل الاميركيين بشكل عام، جعلت رئيسهم يتباهى بإنجازاته ويعتقد ان التاريخ سيصنفه في خانة رؤساء أميركا الكبار. هذا يعني، ان كل ما على أوباما فعله – في السنتين المتبقيتين من حكمه – هو «عدم القيام بشيء غبي»، على حد تعبير سابق له. والأشياء الغبية هذه، يعتقد أوباما، غالبا ما تحصل عسكريا على المسرح العالمي، كما حدث مع كلينتون في الصومال ومع بوش الابن في العراق وأفغانستان.

إذا، سياسة داخلية تخلد ذكراه بعد رحيله وسياسة خارجية «بالتي هي أحسن» هي الصورة التي يسعى أوباما جاهدا لرسمها، وهي بدت واضحة في خطابه السنوي امام الكونغرس أمس. اما السوريون والعراقيون، فلهم ان يستمعوا الى إنجازات أوباما المزعومة في الحرب على داعش وفي تدريب مقاتليهم وتسليحهم. اما ان يصدقوه ام لا، «فذلك شأنهم»، او هذا ما يردده غالبا رئيس أميركا الرابع والأربعين.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008