حسين عبدالحسين
لا يعتقد مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي ان العقوبات الدولية على ايران هي سبب معاناتها اقتصاديا، بل الأغلب انه يرى ان مشكلة الايرانيين تكمن في كسلهم وعدم اعتمادهم على أنفسهم، فالمرشد لا يمانع عزل ايران عن العالم، بل هو يحبذ هذا النوع من العزلة، التي تعمل حكومته على تحقيقها عن طريق انشاء شبكة انترنت ايرانية خاصة منفصلة عن العالم، وعبر مراقبة الافكار الواردة الى ايران، ومحاصرتها، وفرض رقابة عليها، وحظرها، ورمي مؤيديها في السجون.
وفيما كان الرئيس حسن روحاني يسعى الى التوصل لاتفاقية نووية مع العالم لرفع العقوبات الاقتصادية عن بلاده، شن خامنئي حملة لاقناع الايرانيين ان مشكلتهم تكمن في ضعفهم الذاتي، فخصص خطاب نوروز ٢٠١٤ للشأن الاقتصادي، ودعا الايرانيين الى الاقلاع عن الاعتماد على بيع ثرواتهم الطبيعية، كالنفط والغاز، كمصدر رئيسي لمعاشهم، وحثهم على تنشيط الزراعة والصناعة وتحقيق "الاكتفاء الذاتي"، على الرغم ان المرشد لم يستخدم هذا التعبير العائد للحقبة السوفياتية.
ولا يبدو ان لخامنئي الخبرة اللازمة لفهم كيفية عمل اقتصادات الدول، فهو لا يعول على اهمية التجارة، عصب الاقتصادات الكبرى كاميركا والصين والمانيا واليابان. وتجارة السلع والخدمات تترافق مع تلاقح الافكار حول العالم، وهو ما يعقد عملية ضبط حركة الافكار، وهو ما تعاني منه اليوم الصين، التي تحاول السيطرة على هذه العملية في تجربة كانت عواقبها وخيمة على امبراطوريات ماضية، وما تزال تأثيراتها على الصين موضع تقييم.
خامنئي، الذي يتمتع بسلطة مطلقة في ظل نظام ايران الافلاطوني المبني على حكم الفيلسوف الملك، يحاول منذ العام ٢٠٠٩ امتصاص نقمة شعبية عارمة اجبرته على الدفع بمعتدليه، من امثال الرئيس حسن روحاني، الى الواجهة. بدوره روحاني، وفريقه المؤلف من خريجي جامعات اميركية مرموقة، يعرفون ان خلاص ايران اقتصاديا يكمن في انفتاحها على العالم، ما دفعهم الى السعي للتوصل لاتفاقية نووية.
لكن خامنئي لم يدفع المعتدلين الى الواجهة للتوصل لاتفاقية مع عالم يرتاب منه المرشد الاعلى منذ زمن طويل، بل هو دفعهم لشراء الوقت وامتصاص النقمة الشعبية في الداخل. وفي الوقت نفسه، يبدو ان الولي الفقيه يعتقد ان الاتفاقية لن تحصل بسبب كذب الغرب ونفاقه.
في كل تصريحاته الماضية، التي اعتبرها الغرب ايجابية وعبرت عن عدم معارضته للمفاوضات النووية، شكك خامنئي بفرص نجاح المفاوضات مرددا ان ايران جربت الغرب في الماضي، وان الغرب مخادع، ما دفع الكثيرين للاعتقاد ان خامنئي ارسل معتدليه للتفاوض لاظهار نفاق الغرب، ولاقناع شعبه ان سبيل خلاصهم الوحيد هو في الاعتماد على النفس، نوويا واقتصاديا، والتوصل لاكتفاء ذاتي يمنح ايران قوة مستقلة عن العالم ونظامه ومتطلبات هذا النظام العالمي التي قد تقوض النظام الايراني.
اما اذا أدى تمرد ايران على العالم وفشل المفاوضات الى عزلتها، ففي ذلك نفع اكبر للحفاظ على نقاء الجمهورية الاسلامية وصفاء عقيدتها المؤسسة من لوثات الافكار الخارجية.
هكذا يرى خامنئي العالم. وهكذا يعتقد المرشد، الذي لا تشي سيرته الذاتية بدراية في شؤون الحكم والاقتصاد، ان بقاء ايران معزولة يزيد من صلابتها ومناعتها واتكالها على ذاتها. الفكرة قد تكون جيدة نظريا، لكنها سبق ان تحطمت واقعيا، ولا سبب يدفعنا للاعتقاد انها ستنجح على ايدي المرشد، حتى لو ادخلت ايران في منظومتها "الممانعة والمقاومة" دول مجاورة، فالكتلة السوفياتية كانت اكبر بكثير، ومع ذلك لم تنجح في الاكتفاء ذاتيا واضطرت لانهاء عزلتها.
عندما يذهب المرشد للمفاوضات، فهو يذهب مترددا، ويريد انتزاع اعتراف اميركي ودولي لا بما يسميه حق ايران بالتخصيب فحسب، بل يريد ان يفرض اكبر كمية من الشروط الواقعية وغير الواقعية، فان قبل العالم، وسعت ايران كتلتها الاقليمية معززة بواردات نفطها، وان رفض العالم، زادت ايران من انغلاقها كذلك بحجة كذب العالم ونفاقه، وفي الحالتين، نموذج غير قابل للاستمرار.
ربما تعرف أميركا ان ايران نموذج غير قابل للاستمرار، مع او من دون عقوبات وعزلة دولية، وربما تعرف اميركا انه من دون عقوبات، لن يكون في حوزة نظام الجمهورية الاسلامية الاعذار لتبرير فشل منظومته، ما قد يسرع في دفعه الى التغيير، على غرار التغيير الذي طال الكتلة السوفياتية فور انفتاحها على الغرب.
- See more at: http://www.almodon.com/opinion/a7167e1c-39a1-4e3d-ab5d-97f34095434d#sthash.pS0oiafL.dpu
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق