حسين عبدالحسين - واشنطن
أرخت بيانات الوظائف الأميركية للشهر الماضي، المخيبة للآمال، بظلالها على النقاش الاقتصادي في البلاد، وأجبرت مجلس الاحتياط الفيديرالي على الحديث عن التريث قبل استئناف رفع الفائدة المجمدة على نسبة قريبة من الصفر منذ سنوات، وفقاً للتقارير المتواترة من داخل أروقة مصرف أميركا المركزي.
وأظهر مصرف اتلانتا، وهو عضو اتحاد المصارف المنضوية في إطار الاحتياط الفيديرالي، ان استمرار سوق العمل بإضافة 150 ألف وظيفة على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة، قد يخفض البطالة الى 5.2 في المئة مع حلول الربيع المقبل، وهي نسبة يمكن لمجلس الاحتياط على أساسها رفع الفائدة.
لكن قبل حدوث ذلك، يبدو ان مصرف أميركا المركزي تراجع عن نيته رفع الفائدة بسبب بيانات وظائف الشهر الماضي، الذي أظهر ان سوق العمل أضافت 126 ألف وظيفة فقط، في وقت كان خبراء توقعوا إضافة 245 الفاً، ما أبقى نسبة البطالة على حالها، أي 5.5 في المئة، مع خروج حوالى 90 ألف عامل من سوق العمل ومراجعة وزارة التجارة بيانات شباط (فبراير) بطرحها منه 69 ألف وظيفة.
ويأمل المتابعون للوضع ان يكون التراجع الأميركي سببه الشتاء القارس الذي شهدته البلاد، على غرار العام الفائت، وأن يستأنف الناتج المحلي نموه، الذي جاء مرتفعاً خلال الأرباع الثلاثة الأخيرة، مع بدء موسم الربيع.
لكن الخبراء يعتقدون ان الاقتصاد العالمي المتباطئ، مقترناً بارتفاع سعر الدولار أمام العملات الدولية، قد يكون أحد الأسباب التي تثقل الاقتصاد الأميركي وتمنع نموه السريع.
كذلك، عادت الى النقاش قضية «عدم التوازن» في التجارة الدولية، ولكن هذه المرة بدلاً من ان ينصب غضب المراقبين الأميركيين على الصين، التي سجل ميزانها التجاري فوائض على مدى العقدين الماضيين، انقلب الغضب الأميركي ليصيب المانيا، التي حققت ربع تريليون دولار فائضاً العام الماضي، توازي 7 في المئة من ناتجها المحلي، ويظهر ان الفائض الألماني في ارتفاع متواصل منذ عام 2000.
واستعداداً لاجتماعات الربيع التي يعقدها صندوق النقد والبنك الدولي، دعا بن برنانكي، الرئيس السابق للاحتياط الفيديرالي، المانيا الى تبني سياسات من شأنها ان تقلص هذا الفائض بهدف تحقيق توازن عالمي أفضل. وكتب برنانكي، الذي يعمل حالياً في منصب «باحث مرموق» في مركز بحوث «بروكنغر»، «في عالم نموه الاقتصادي بطيء والطلب فيه منخفض، يمثل فائض المانيا التجاري مشكلة، فأعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي يعيشون في ركود مع انعدام مقدرتهم على اتخاذ سياسات مالية يمكنها رأب الصدع». وقال ان السياسة الألمانية تؤدي الى تراجع الطلب على السلع دولياً، ما يؤدي الى مزيد من التباطؤ العالمي.
وقدم المسؤول الأميركي السابق خطة من ثلاث نقاط دعا فيها برلين الى الاستثمار في بنيتها التحتية المتهالكة، معتبراً ان من شأن ذلك خفض البطالة الألمانية ورفع المداخيل، ما يعني حكماً ارتفاعاً في قدرة الألمان الشرائية وتالياً زيادة في استهلاكهم واستيرادهم، ما يؤدي الى تقليص الفائض الألماني.
كما اقترح برنانكي على الحكومة الألمانية والشركات رفع المرتبات الألمانية، وقال ان عليها إقرار سياسات إعفاء ضريبية تشجع الألمان على الاستهلاك. وفي رأيه، ورأي معظم الخبراء الأميركيين، ان من شأن زيادة الاستهلاك في الاقتصادات الكبرى، مثل المانيا، ان تؤدي الى مزيد من النمو العالمي.
وكان خبراء أميركيون تحدثوا عن افتراق أميركي عن بقية دول العالم. ففي وقت تقوم المصارف المركزية في أوروبا والصين واليابان ببرامج تيسير نقدية ومالية، أنهى الاحتياط الفيديرالي برنامج «التسهيل الكمي»، وتحدث مسؤولوه عن إمكان قيامهم برفع الفائدة، على رغم ان الاقتراح الأخير يبدو مؤجلاً حتى إشعار آخر في الوقت الحالي.
يرى خبراء أميركيون ان في تسعينات القرن الماضي، فيما كان معظم الاقتصادات العالمية يعاني تباطؤاً، قامت الولايات المتحدة بسياسات معاكسة فرفعت الفائدة، ما أدى الى رفع سعر الدولار وحوّل الولايات المتحدة الى مستهلك عالمي، وتالياً الى محرك الاقتصاد العالمي، الى ان تحطمت المنظومة بأكملها مع حلول الركود الكبير في خريف عام 2008.
اليوم، يقول برنانكي، على رغم علامات التحسن في الاقتصاد الأميركي، من المستبعد ان يلعب دوراً كالذي قام به في التسعينات محركاً للاقتصاد العالمي بأكمله. لذا، لا بد من ان تقوم الاقتصادات الأخرى، خصوصاً الكبرى كألمانيا والصين واليابان، بدور مشابه لتنشيط التجارة العالمية، وتالياً النمو الاقتصادي الدولي.
اجتماعات الربيع في واشنطن ستشهد نقاشات مثيرة للاهتمام حول ضرورة تعديل موازين التجارة العالمية ورأب الصدع بين الدول التي تحقق فوائض وتلك التي تغرق في عجز، وهي نقاشات بدأت في أميركا ومن المتوقع ان تستمر وان تلقى أصداء واسعة في عواصم العالم المؤثرة الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق