الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

هذيان المرشد

حسين عبدالحسين

في تعليقه على محادثات فيينا المخصصة للأزمة السورية، وصف مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي لقاء “البلدان الأخرى لتتخذ القرار بخصوص نظام حكم ورئيس النظام” بأنه لقاء غير مبرر، معتبرا ان اللقاء هو “بدعة خطيرة لا تقبل بها أية حكومة في العالم لنفسها”. ولأن السيد المرشد يعارض تدخل غير السوريين في شأن السوريين، فهو – الإيراني – قدم اقتراحا للحل في سوريا.

يقول خامنئي ان اقتراحه للحل في القضية السورية هو “الانتخابات”، التي يجب ان يسبقها “إنهاء الحرب والاضطرابات بقطع المساعدات العسكرية والمالية عن المعارضين”، حتى يستطيع “الشعب السوري انتخاب أي شخص يريده في أجواء آمنة مستقرة”.

لا يفوت المستمع لخطاب المرشد عمق التناقضات في أقل من ثلاث جمل أدلى بها حول الأزمة السورية.

أولا، ان كان لقاء فيينا “بدعة خطيرة” لأنه يقرر عن السوريين مصيرهم، فلماذا شاركت إيران في هذا اللقاء؟ ثانيا، يعتقد خامنئي الإيراني انه لا يجوز لغير السوريين التدخل في شؤون السوريين. ويتابع ان مفتاح الحل هو وقف الدعم العسكري والمالي الخارجي “للمعارضين”، وكأن إيران لا تدعم أطرافا داخل سوريا.

ومن اللافت ان خامنئي استخدم كلمة معارضين بالفارسية، والتي وردت كـ “معارضين” في الترجمة العربية وكـ “ثوار” في النص الإنجليزي، حسب النصوص المنشورة على موقعه. لكن من غير المفهوم لما استخدم خامنئي كلمة معارضين في وقت يحرص المسؤولون الإيرانيون والماكينة الإعلامية التي تديرها طهران حول العالم على إطلاق تسمية داعش على كل المعارضين السوريين.

ولو كان خامنئي يعتقد فعليا ان معارضي سوريا ثوار، لصاروا على الأقل رفاقه في العمل الثوري، وهو امام الثورة الإيرانية ومرشدها.

لكن بغض النظر عما يبدو انها هفوة كلامية لخامنئي وعدم كفاية مترجمي خطابه الى الإنجليزية، من غير المفهوم لما يعتقد خامنئي ان الحل العادل في سوريا يتطلب وقف الدعم الخارجي للمعارضين في وقت تستمر إيران في دعمها العسكري والمالي للأسد. فاذا كان المطلوب وقف العمليات الحربية داخل سوريا، فإن المنطق يقضي بوقف الدعم العسكري والمالي لجميع المتقاتلين لفرض وقف إطلاق نار يسمح بإجراء انتخابات.

على ان خامنئي لا يبدو معنيا بما يمليه المنطق، بل هو يعتقد انه يمكنه ان يحاضر الآخرين عكس ما يفعله هو، وان يدين التدخل الخارجي في الشؤون السورية فيما هو يقدم حلولا للأزمة السورية، ويطلب وقف الدعم العسكري للمعارضين فيما ضباط “الحرس الثوري الإيراني” ومقاتليه، ومقاتلي “حزب الله” اللبناني الموالي لإيران، يتساقطون في الحرب السورية.

في خطابه امام ديبلوماسيي إيران ووزير خارجيتها، كان المرشد خامنئي يبدو وكأنه يهذي. وهذيانه هذا، ام استغباؤه للناس، لا يبدو امرا مستجدا، فالمرشد أمضى السنوات الثلاث الأخيرة وهو يعرب عن معارضته للمفاوضات النووية، ويعلن إصرار إيران على عدم تقليص كمية تخصيبها اليورانيوم.

وبينما كان خامنئي يلعن المفاوضات ويتوعد المفاوضين، كان وزير خارجيته جواد ظريف يتأبط ذراع نظيره الأمريكي جون كيري ويتبادلان الضحك في فنادق سويسرا والنمسا، فيما كانت طهران تفكك طرودها المركزية المخصصة للتخصيب.

ثم، بعد ثلاث سنوات من سباب خامنئي للمفاوضات النووية، وقعت إيران على اتفاقية قضت بتخليها عن أجزاء كبيرة من برنامجها ووضعه تحت رقابة دولية لصيقة.

ثم بعد ابرام إيران الاتفاقية النووية التي عارضها خامنئي، بدأ المرشد يتوعد أمريكا بالعداء الأبدي، معتبرا انه لا يقبل أي محادثات إيرانية – أميركية مباشرة حول أي مواضيع أخرى غير نووية. وفي وسط صراخ خامنئي، وصل ظريف فيينا للمشاركة في مؤتمر “البدعة” للبحث في مستقبل سوريا والسوريين.

هكذا، بعد سنوات من مراقبة التباين بين صراخ خامنئي العلني وادائه خلف الكواليس المناقض لتصريحاته، يمكن لأي مراقب ان يتوصل لواحدة من الاستنتاجات التالية: اما ان كلمة المرشد غير مسموعة فيعلن أمورا لا تلتزم بها حكومة إيران، اما ان المرشد خبيث يقول في العلن شيئا ويفعل في السر أشياء أخرى، أو ان المرشد يهذي ويطلق تصريحات مليئة بالتناقضات.
والسيناريو الأخير، أي هذيان المرشد، قد يكون الأكثر حفظا لماء وجه زعيم تتنافس تصريحاته المتناقضة مع سياساته المتخبطة وبلاده المتدهورة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008