الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

أوباما غارقا في تناقضاته وسط تعثر حربه على "داعش"

حسين عبدالحسين

هكذا وصف الرئيس باراك أوباما ما صوّره، عقم إشراك قوات أميركية أرضية في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية": "هذا ليس خصماً عسكرياً تقليدياً، بإمكاننا استعادة الأرض، وطالما نبقي على جنودنا هناك، يمكن الاحتفاظ بهذه الأرض، لكن ذلك لا يحل المشكلة ولا يقضي على العوامل التي تنتج هذا النوع من المجموعات العنيفة المتطرفة".

وهكذا وصف أوباما ما يميز تنظيم الدولة عن باقي التنظيمات الإرهابية: "ما هو فريد في داعش هو مدى سيطرته على الأرض، وهو ما يسمح له بجذب المزيد من المجندين".

إذا، يقول أوباما إن لا جدوى من استعادة قوات أميركية الأرض من "داعش" والاحتفاظ بها لأن ذلك لا يغير شيئاً. ثم يناقض أوباما نفسه ويقول إن احتفاظ "داعش" بالأرض يمنحه افضلية تساعده على التجنيد. تناقضات أوباما، وارتباك سياسته الخارجية عموماً وحربه ضد "داعش" خصوصاً، بدت جلية في مؤتمره الصحافي في مدينة أنطاليا التركية.

في أقل من ستين دقيقة أجاب فيها على ستة أسئلة، بدا أوباما منزعجاً من إلحاح الصحافيين على سماع استراتيجيته البديلة للقضاء على "داعش" بعدما ثبت قصور استراتيجيته الحالية على إثر هجمات باريس. لكن أوباما لم يتراجع. أدلى بأقوال متناقضة، ولم يعترف بقصور سياسته تجاه "داعش" وسوريا، وآثر العناد.

وكان أوباما نجح، على مدى السنوات الأربع الماضية، في اقناع الاميركيين أن إشاحة نظره عن الحرب التي يشنها الرئيس السوري بشّار الأسد ضد شعبه، هي في مصلحة الولايات المتحدة، فالأسد هو السد المنيع في وجه الإرهاب، ولو انهار من دون بديل، سيسيطر الارهابيون على سوريا وينطلقون منها لشن هجمات ضد اهداف غربية.

لكن السوريين ماتوا ورحلوا، وبقي الأسد، وبقي الإرهاب، وبعد سنوات من وعود القضاء على "داعش"، أصبح الأميركيون يتململون من فشل سياسة رئيسهم في مكافحة الإرهاب. لكن هدف أوباما يبقى "تقليص المساحة" الخاضعة لسيطرة "داعش"، من دون استخدام قوات أميركية، وهو ما يحتاج الى مقاتلين بديلين.

والقوة البديلة، حسب تصور الإدارة الأميركية، تتألف من "مقاتلين محليين". والشراكة بين اميركا والمقاتلين المحليين سبق ان تحدث عنها الرئيس الأميركي في خطابه امام اكاديمية "وست بوينت" العسكرية، قبل عامين، وقال فيه إن أميركا نجحت في التغلب على المجموعات الإرهابية، وأن النموذج الجديد لمكافحة الإرهاب هو شراكة مع قوات محلية. وضرب أوباما اليمن مثالاً على نجاح سياسته.

لكن الحكومة اليمنية انهارت بعد خطاب أوباما، ومعها انهارت القوات المحلية. وفي العراق، توسع "داعش" واستولى على محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى، وانهارت القوات المحلية العراقية، شريكة واشنطن، وتبعثرت خطة أوباما ورؤيته. ومع إصرار أوباما على التمسك بشراكة مع المقاتلين المحليين، يصبح السؤال: من هي هذه القوات التي يسعى أوباما الى العمل معها للقضاء على داعش؟

الإجابة قد تشي بأن أوباما تبنى مقولة الإيرانيين إن القوات النظامية لا تحارب، على عكس الميليشيات، لأن الأخيرة عقائدية. هكذا، يستند أوباما الى الميليشيات الشيعية والكردية في العراق للقضاء على "داعش". أما الميليشيات السنية، فتراجع أوباما عن فكرة تسليحها بشكل مستقل تحت تهديدات رئيس حكومة العراق حيدر العبادي بالانسحاب من التحالف الدولي.

وفي وقت لاحق، حاول أوباما انشاء قوة سنية سورية رمزية لإشراكها في الحرب ضد "داعش"، لكن المشروع تبعثر بسبب البلاهة الأميركية التي طالبت المعارضين السوريين بتأمين مصالح أميركا في قتالهم "داعش"، ورفضت أميركا مبادلة ذلك بدعمها المعارضين السوريين في قتالهم الرئيس السوري بشار الأسد.

ومع بدء الشراكة بين القوة الجوية الأرضية والقوات المحلية على الأرض، تبين أن أكراد العراق وسوريا ليسوا مهتمين بالقضاء على "داعش"، بل يسعون الى قضم أكبر مساحة ممكنة يعتقدون انها ستصبح يوما جزء من دولة كردستان.

أما حليف أميركا الآخر، أي الميليشيات الشيعية في العراق، فهذه على الرغم من الغطاء الجوي الأميركي تقاتل خارج قراها وبلداتها، وغالبا في بلدات ذات غالبية سنية معادية، ما أعاق تقدم القوات الشيعية وجعل انتصارها على داعش متعذراً.

رؤية أوباما للقضاء على "داعش" أثبتت فشلها حتى الآن، وأوباما، بارتباكه أمام الأسئلة حول ضرورة تغيير استراتيجيته، يبدو انه يدرك ذلك. لكن أوباما ليس مستعداً لأي تغيير، فالباقي على رئاسته 13 شهراً بالتمام، وهدفه هو إضاعة الوقت حتى تصبح "داعش" مشكلة خلفه.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008