الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

ماذا وراء ولع روسيا بالجيش السوري الحر؟

حسين عبدالحسين

وجّهت صديقة صحافية سورية مقيمة في واشنطن أصابع اللوم الى الديبلوماسي السوري السابق جهاد مقدسي، لرفعه صورة علم الحكومة السورية على صفحته على فايسبوك مع عبارة "فخور أني سوري"، وكتبت له "لم تعد لك كرامتك سيدي في ظل اجرام نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد"، فانتفض مقدسي معتبراً أن ما يرفعه هو "علم الدولة لا علم السلطة"، وأن "علم المعارضة هو علم حراك معارض".

وتابع مقدسي ان المشكلة يمكن حسمها "في مجلس الشعب المنتخب بحرية يوماً... من داخل دمشق، بعد الحل السياسي". واتهم مقدسي الصحافية بقلة الأدب لأنها تجرأت على القول إنه خسر كرامته... في ظل جرائم الأسد.

ويدعي مقدسي – الذي يقيم في مدينة خليجية صديقة للأسد – أنه شارك بمبادرة فردية منه في لقاء فيينا الثاني، الذي تم تخصيصه للأزمة السورية الاسبوع الماضي. لكن مشاركين في الوفود الغربية أكدوا ان مقدسي حضر الى فيينا برفقة سوريين آخرين، بمعية الروس، الذين أصروا أن مقدسي وصحبه يمثلون المعارضة السورية، وهو إصرار روسي متوقع طالما أن مقدسي ورفاقه ينظرون الى سوريا فلا يرون أسلحة كيماوية وبراميل متفجرة وغارات روسية على المدنيين، بل يرون الحرب السورية مجرد خلاف في المفاهيم حول شكل الدستور السوري، ولون العلم، وكيفية انتخاب البرلمان.

وبالضبط كما حاول الروس فرض مقدسي وأمثاله في فيينا كممثلين للمعارضة، التي يسميها الأسد أحيانا "معارضة وطنية"، يحاول الروس فرض متحدثين مزعومين بأسماء المجموعات المقاتلة على انهم يتحدثون باسم "الجيش السوري الحر".

ولأن صناعة "معارضة وطنية" على طراز المقدسي هي عملية معقدة تستغرق وقتاً ومجهوداً تقوم به العواصم الثلاث المتحالفة، موسكو وطهران ودمشق، بمساعدة عواصم عربية مثل القاهرة، تحتاج صناعة "جيش سوري حر"، بمواصفات روسية وايرانية، وقتاً كذلك، ومجهوداً عسكرياً وديبلوماسياً.

هكذا، بدأت روسيا منذ اليوم الأول لحملتها الجوية، التي تستهدف المعارضة السورية المسلحة مثل "الجيش السوري الحر"، بالحديث عن نيتها "الفصل" بين الجيش الحر و"المجموعات الإرهابية" المقاتلة داخل سوريا. ولما رفضت الدول الداعمة للمعارضة تقديم لائحة بأسماء فصائل هذا الجيش الى الروس، راح الروس يعملون على استقطاب مجموعات سورية معارضة مسلحة، ينضوي بعضها تحت لواء "الجيش السوري الحر".

ومن نافل القول إن الجيش الحر هو مثل المعارضة السورية ولكن بحلة عسكرية، أي ان هذا الجيش هو مجموعة فصائل تكونت ذاتياً وأعلنت انضواءها تحت لوائه، ما يعني ان قيادة هذا الجيش فضفاضة الى حد ما.

لكن موسكو تريد اختراق "الجيش السوري الحر" ثم إعادة ترتيبه بطريقة تتناسب ومصالحها بتركها مجموعات سورية مسلحة خارجه. وبعد الاستيلاء على "الجيش السوري الحر"، ستسعى روسيا لإقناع العواصم المعنية بالشأن السوري، خصوصاً واشنطن، بأن كل المجموعات السورية المسلحة غير المنضوية تحت لواء هذا الجيش لا يحق لها ان تتمثل في الحل السياسي، ما يعني أن المطلوب هو القضاء عليها بمباركة عالمية تحت لواء "مكافحة الإرهاب".

مسؤولون أميركيون ممن شاركوا في اللقاءات المخصصة لسوريا في فيينا، وبعدها في أنطاليا، قالوا إن السعودية وتركيا وأميركا عارضت إصرار موسكو على ان "الجيش السوري الحر" وحده من يمثل المعارضة السورية المسلحة وأن كل من سواه إرهابيون. وبعد أخذ ورد، اتفقت الوفود المشاركة في فيينا أن المجموعات المسلحة التي سيتم تمثيلها في "العملية السياسية" في سوريا عليها أن تنال "إجماعاً" من الدول المشاركة في فيينا، وهو ما يجعل عملية الاتفاق على هوية هذه المجموعات عملية شائكة ومعقدة.

تعثر روسيا وإيران في اقناع المجتمع الدولي بحصرية تمثيل "الجيش السوري الحر" للمعارضة السورية المسلحة بأكملها لا يعني ان الولع الروسي المستجد بهذا الائتلاف العسكري الفضفاض سيتوقف، بل يتوقع المسؤولون الاميركيون ان تزيد موسكو من دعايتها حول تواصلها المزعوم مع "الجيش السوري الحر" الى ان تتوصل لإنشاء معارضة عسكرية سورية "وطنية"، حسب مواصفات الأسد، شبيهة بالمعارضة المدنية "الوطنية" الطيعة في ايدي روسيا وإيران، على الرغم من انهيار محادثات فيينا وتعليق الحل السياسي "بضعة شهور"، حسب تعبير الرئيس الأميركي باراك أوباما.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008